بائعة الحلزون (قصة قصيرة)

264
بائعة الحلزون
قصة قصيرة
بقلم جمال الدين العماري

مِّي نعيمة كما يحب أن يُلقبها كل من تناول الحلزون ” غلالة ” على عربتها ، امرأة في عقدها الخامس تسٌل الرغيف لأبناءها الأربعة من هذه الحرفة التي لم تكن يوما تعتقد
أنها للنساء ، لكن القدر هو من جعلها يوما مثل الكثير من النساء اللواتي وجدن أنفسهن المعيل الوحيد لأسرهن .
مي نعيمة لها من عزة النفس ما جعلها تواجه الفقر و الحاجة بالصبر و التحمل .
كل يوم تستيقظ باكراً تذهب لاقتناء الحلزون من سوق الجملة و تعود لغسله بمعية
إبنتيها ثم يوضع على النار ساعات طويلة و بعد الغليان تضيف إيه خلطة سحرية من الثوابل .
عرفتُ هذا حين كنت ماراً بأحد الأحياء الشعبية و لفت نظري تجمهر حول عربة هذه السيدة فدفعني الفضول للتذوق من “غلالة ” مي نعيمة ، إمراة بشوشة تنظر إليك مبتسمة قائلة ” آش حب الخاطر أسيدي ؟ ” لكن نظرتها توحي بظلم الزمن .
قبل أن أنطق سبقني أحدهم ” زلافة ديال 3دراهم ؟ ” ترد مي نعيمة بلطف خمسة دراهم … لكن إصراره جعلها تقول له ليس مشكلا الفقراء مثلي و مثلك يعرفون بعضهم .
انتبهتْ أني لازلت لم أنطق : اعذرني سيدي ، قلت لابأس . تحمل زلافة و تبدأ بصب الحلزون و المرق الذي طهي فيه و كأنها تعد الحلزونات التي تعطي لكل زبون .
إحدى الزبونات تلومها قائلة : أصبحت شحيحة … ترد مي نعيمة : يا بنيتي في زمن كرونا
كل شيئ أصبح باهض الثمن و ثمن كيلو من الحلزون النيئ يصل الى 15 درهم و مرات لانجده في السوق ، رغم ذلك لم تعر الزبونة الإهتمام لما قالته و ناولتها الإناء فأضافت لها مي نعيمة بضع حلزونات لتشتري صمتها .
قديما كان الحلزون يطهى في البيوت و كانت السيدات يتفنن في إضافة ثوابل خاصة
يسمينها السحرية .
الان القليل منهن يطبخن الحلزون في البيت و يتحججن بأن طهيه يتطلب وقت طويل .
رغم أن يوم مي نعيمة يظهر روتيني لكنه لا يخلو من أحداث تكون في بعض المرات مزعجة .
لم أنهي بعد إناء الحلزون حتى اقتحم رجل سكران الجمع ، ترجته مي نعيمة أن يغادر
لأنه يفسد عليها رزقها … اقترب من ابنتها التي تساعدها و أراد التحرش بها ، تدخل بعض الزبائن لردعه لكنه ظل يصرخ ” أنا بغيتْ بنتها للحلال “
بعد هنيهة توقفت سيارة القوات المساعدة نزل أحدهم و صافح مي نعيمة و أثناء المصافحة لمحتُ ورقة نقدية من فئة عشرون درهما بين كفيهما .
بعد مغادرتهم تنهدت مي نعيمة و تمتمت : ” تاكل فيهم السم ان شاء الله “
ثم استطردت : لا أحد يرحم إمرأة مُطلقة تعيل أربعة أبناء ،هرب عنهم والدهم دون أن يسأل عنهم … و لا أحد يعرف أني قاسيت الكثير بالعمل في البيوت و المقاهي …
أبنائي الأربعة الان تركوا المدرسة مبكراً لأني حينها لم يكن لدي مال أشتري به الأدوات المدرسية ، همي كان أن أجلب لهم القوت … تتنهد و هي تحرك الحلزون داخل القدر
و تضع بضع منه فوق غطاءه المثقب ليسمح بتسرب المرق للقِدر … البعض يظن أن بيع الحلزون يدر علي أرباحاً … و الله ما أكسبه ، ثلثيه يذهب ثمن البضاعة و قارورات الغاز و الثلث المتبقي نعيش به على حافة الفقر . لاحظتْ عدم اهتمام البعض و تابعت : الشكوى لله و صمتت .
بدأت الشمس تغيب حين مغادرتي عربة مي نعيمة ، في طريقي للبيت صادفت أمثال
مي نعيمة … منهم من يضع على الرصيف أكوام الخضر و آخر يضع بضع متلاشيات من قنينات فارغة و أسلاك صدئة و أشياء تظهر لا قيمة لها الا عند بعض المشترين …
ظل مذاق الحلزون الحار يهيج لساني و تنهيدات مي نعيمة تتردد في ذهني …و أنا أختفي رويدا رويدا في جنح الظلام .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات