المفتاح

311

      نظرت الى الباب وهي لم تزل على مبعدةمنها , كان الامل ينبض كجنين في أحشائها , لا بدّ من ان تدخل لا بدّ من ذلك . لميعــد في الوقت متسع للتـلكؤ , حان الوقت الذي لا بدّ فيه ان تدخل الى هذا المكانالذي ظلـّت تحلم به ما وعت من سني عمرها. والآن لا بدّ من الدخول .

     وصلت الى العتبة , قرعت الباب الخشبيــة القديمة مرّة ومرّتين .انتظرت ثمَّ قرعتها مرّة اخرى وانتظرت ثمَّ قرعتها رابعة وانتظرت . وبلا فائدة , لكـأنَّ من في الداخل كلهم موتى أوانهم من اصحاب الكهف لم تيأس ثم عادت تحاول من جديد , وظلت تقرع آونــــة  لتستريح على العتبة آونة اخرى  . نادتهم باعلى صوتها ان افتحوا لي . ولا من مجيب كأنهم صم ثم نادت مرة اخرى دون جدوى .

    وهي تقلب وجهها هنا وهناك رأت المفتاح , ها هو معلق هناك كما المعـــتاد في اعلى الوصيد  يناديها من نفس الزاوية العمياء , التي يوضع فيها عادة , ما كانت لتستعمل المفتاح , لم تحب ذلك اطلاقا  , وظلت ادراجها وابواب خزائنها دائما بلا مفاتيح .

     كان المفتاح يشكل اغراءً , لعينيـــها , لأصابعها  ولكنها ابت الا ان تدخل لهذا المكان بدون استعمـــال المفتاح . اما ان يفتح من في الداخل الباب لها , واما ان تخترقه اختراقا .

    لم تكن من الرهافة بمقدار لتظن انها تستطيع التسلل الى الداخل كالشبح , كما انها لم تحب مطلقا كلمة تسلل لانها كما تعتقد أجدر بهذا المكان من غالبية من فيه. ولها الحق المطلق بالولوج اليه متى شاءت اما ان يفتحوا لها  واما ان تلجه ولوجا ,اما المفتاح فلا حاجة لها به أبدا .

    ابتدأ المساء ينصب خيمتــه  الزرقاء الرمادية فوق رؤوس الناس والاشياء , قرعت الباب قرعات أخيرة فاترة ….. واخيرا بدأت الاختراق , انشبت أظافرها في الباب العتيق خلعت شظية صغيرة ثم اخرى فاخرى . ظلت كذلك فترة من الزمن ثم اصابتها الحمى فأخذت تنزع شظية فشظية من هذا الباب . لا تدري لم تذكرت قول اعرابية لابنها ( انك أجدى عليَّ من تفاريق العصا ) كانت للمثل قصة طريفة قرأتها يوما ما .

    استأنفت العمل ثم أخذت تقفزمن مكان الى آخر من هذا الباب العتيق , كلـّما ظنت ان منطقة ما أضعف مما بين يديها انتقلت اليها … … انغرزت بعض الشظــــايا الصغيرة في باطن كفـّها ..ادمتها ولكنها لم تكفّ مطلقا . سال الدم ثم تورم ما حول الاظافر ,  وازرقت أماكن عدّة  لكنها لم تكف ولن تكف أبدا ما زالت حيّة .

     كان المفتاح هنـــاك في الاعلى يحدّق في مؤخرة رأسها غير مصدق . كان في البداية يهيب بها ان تعالي ها أنا ذا … ها أنا ذا , ومن بعدُ  –  لمـّا تأكد انها تراه فعلا  وانها تتعمد تجاهله  –    صمت  …    واكتفى بالتحديق فقط .

       اتخذت عينه شكل الدائرة استغرابا ربما او رعبا من هذه المسافرة غريبة الاطوار والتي عادت بعد عدة عقود من الزمن لتقتحم الباب عندما رأت ان احدا لا يريد ان يفتحها لها .

      أوشكت قواها ان تنطفىء كما الشمعة  وبلا جدوى لقد كانت الباب  – وهي تعرفها جيدا – من نوع متين لم يعد أحدٌ الآن يصنع مثلها , انتقلت بل لنقل زحفت حتى الجدار, كان الجدار كما تراه العين للوهلة الاولى بسيطا فالدهر بسط عليه يده لكنها لن تنخـــدع فهي تعرفه جيدا كذلك . لكن ذلك لن يثنيها عن غايتها, بل ظلت باصابعها الورمة  واظافرها المثلمة بكل الدماء العالقة براحتها والسائلة حتى الكوع ,ظلت تحاول زحزحة بضع ذرات من المــلاط  الغائر بين الطابوق المسمّــر  بفعل الزمن .

      ظلت تحبو في نفس البقعة تجثو تارة  وتتوكأ تارة لتقوم وتقعد مستمرة بعملها  وهي دؤوب كنملة , وكان الظلام يتفاقم حولها لكنها لم تلحظه قط . 

      وحين أشرقت الشمس ومرَّ السابلة  لاحظوا جثـة امرأة بين الباب والجدار .. هرب منها بعضهم ولـــوى البعض رأسه بعيدا . وحين ارتفعت الشمس وحــلّ الصباح جاء من حمل الجثـّة . 

                           ***** 6/7/ 1996

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع