المثقف و الجماهير العلاقة المُغَيَّبَة

215
المثقف و الجماهير العلاقة المُغَيَّبَة
الحرك الشعبي في الجزائر كان حرب المثقفين أيضا
علجية عيش/
الحدث المزدوج الذي عاشته الجزائر وهي تحيي الذكرى الثانية لثورة 22 فبراير2019 كان متناقضا ، ما يطرح عده تساؤلاتإن كان ما حدث في هذا التاريخ لحمة بين الشعب و جيشه أم أنه مجرد سيناريو أعدتهالسلطة لإسكات المعارضة و تمويه الرأي العام بأن المسيرات السلمية التي قادتها الجماهير في ذلك اليوم من فبراير كان إعلان عن تعايش الشعبمع الجيش و لم يكن هبّة جماهيرية للمطالبة بالتغيير و رحيل الوجوه القديمة، بحيثما شهدناه من تحركات الشعب طيلة يوم أمس يعكس الحقيقة، فالنشاط الذي نظمته السلطاتيعكس نشاط الحراكيين رغم أن الحدث واحدٌ، إلا أن السلطة أعطته صورة مغايرة عندماقرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جعل هذا اليوم ( 22 فبراير من كل سنة ) يوماوطنيا للأخوة و التلاحم بين الشعب و الجيش من أجل الديمقراطية.
ما يلاحظ أن هذا القرار و إن كان لفائدة الصالح العام، من أجل تحقيق الأمن والإستقرار، إلا أنه كان يعكس مطالبالجماهير التي أحيت الذكرى على طريقتهاالخاصة، حيث خرجت في مسيرات سلمية حاملين لافتات تطالب بالتغيير الجذري و بناءدولة مدنية لا دولة عسكرية، و نددت بأذناب العصابة التي ما تزال تتحرك باسم منعاثوا في البلاد فسادا، ما يعبر عن استمرار التنافر بين الطرفين، و أن نيران الغضبلم تنطفئ بعدُ حتى يحقق الحراك الشعبي مطالبه كاملة، المؤسف له أنه في كل حدث نجدالذين يصطادون في المياه العكرة يقحمونأنفسهم، و يستثمرون في هكذا أحداث، فيندسون وسط الجماهير لتحقيق أجندات، خاصة و أنالمسيرات شاركت فيها عناصر من بقايا حركة رشاد و حزب الفيس المحل، في كل هذا و ذاكأراد كل منهما أن يترك بصمته .
ما ميز هذه الذكرى هو الحضور القوي للمثقف، ليبدي رأيه في هذه الأحداث، عندماحل الأديب يوسف شقرة رئيس الإتحاد الوطني للكتاب الجزائريين ضيفا بعاصمة الشرق،ليقدم محاضرة بعنوان: دور المثقف في زرع اللحمة الوطنية، خلال انطلاق الملتقىالوطني الأدبي رضا حوحو في طبعته الثانية، الذي افتتح دون مشاركة المسؤولينالمحليين، فالذين حضروا الذكرى بعضهم كان مبهور بالمعرض المقام ببهو دار الثقافةمالك حداد، و آخرون جاءوا من أجل لقاء الوالي و طرح عليه انشغالاتهم، و لا أحد كانيبالي بسماع محاضرة من هذا الوزن، أو الوقوف على مسيرة مجاهد و أديب في وزن رضاحوجو.
ليس غريب طبعا أن يكون هناك جفاءٌ بين المثقف و الجماهير، لكن أن يحدث الطلاقبينهما، فلا يحدث هذا إلا في بلدان العالم الثالث، أين تكون الثقافة آخر اهتمامالسلطات، فهي في نظرها قطاع “خدماتي” أي غير منتج مثل القطاعات الأخرى، وما تستهلكه وزارة الثقافة من أموال لتنظيم نشاطاتثقافية أكثر ما تحققه من مردود، أي أن قطاع الثقافة في نظرها قطاع ثانوي لا يحققللخزينة العمومية أيّ مدخول، و لذلك هي لا تعتمد على تنظيم الملتقيات الفكرية إلانادرا بقدر ما تشغل اهتمامها بتنظيم المهرجانات التي ترافقها حركة هز الخصر وأغاني الراي و ما شابه ذلك، و الدليل غيابالجمهور في الأمسيات الشعرية أو عرض كتاب جديد .
فبمنحى فكري تنويري حان الوقت لكي تسلط الطبقة المثقفة الضوء على علاقة المثقفبالمجتمع أو بالجماهيرو مدى تفاعله معهما،لبناء العقل الجماعي الذي يتحلى بالرّوح المستقلة و تكون له ثقافة نقدية موضوعيةباسم الفكر، فلا يتأثر بأي قرار سياسيأو يخشى من أي تهديد، حتى يتمكن من أداء دورهالمنشود في حركة التغيير التي يشهدهاالعالم كله، و يكون بفكره و كتاباته و مواقفه أكثر التزاما بالدفاع عن القيم الإنسانية، يكونمثقفا ثوريا و إصلاحيا لا مثقف نرجسيا كما قال في ذلك الأديب الجزائري يوسف شقرة،عندما تحدث عن المثقف في زمن التحولات السياسية و التاريخية و الفكرية، فلا يتهادنمع ما يعيق الوصول إلى الهدف المنشود للإرتقاء بالمجتمع و تحريره من التبعية، وهذه هي صفة المثقف و مهمته في ظل الثورات و الحروب الأهلية و صراع الأفكار والإديولوجيات، أو كما اصطلح عليها بالربيع العربي، لا يمكن طبعا وجود ثورات بدون مثقفين، فقد أكدالتاريخ ذلك على مدى العصور، فقد شكلت منعطفا تاريخيا ، لكن هذا يقتضي طبعا بناء مرجعية ثقافية لتقريبالمثقف من الجماهير.
علجية عيش
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع