المثقف و الإنفصال الثقافي

203

من حوار الثقافات إلى صراع الثقافات

المثقف و الإنفصال الثقافي

*عبارة رددها أحد المتمردين “‘ قفوا أيها العبيد، فالسادة ليسوا كبارا إلا
لأنكم راكعون”، فكم نحتاج إلى مثقفين متمردين يسقطون الأقنعة عن الوجوه لتسفر
جهارا عمّا تخبئ من علل، دافع أصحابها عن مناصبهم بضراوة و وحشية، كي لا تضيع
امتيازاتهم ، في بلاد لا يوجد فيها مثقف ثائرٌ أدركت السلطة أن المثقف شخص
ثرثارٌ، يقول و لا يعمل بما يقول ، لا يسير كما يسير السيل الجارف الهادر الذي
يشق طريقه إلى غايته رغم الصعاب*

لم يعد الصراع بين المثقف و السلطة كما كان معهودا من قبل، بعدما تسيّس المثقف
و ارتمى في أحضان السلطة، و تراه منظم في أحظان نقابة أو حزب سياسي، و أضحى
يدافع عن السياسي أكثر ما يدافع عن المثقف، كما أضحى التنافس بين المثقفين حول
من يحظى بالإجماع داخل الأحزاب، هي الحقيقة التي نقف عليها ليس في الجزائر
فحسب بل في كل قطر عربي، بعدما انتشر العداء بين المثقفين، و عندما نقول
المثقف يعني كل الأقلام من كُتَّابٍ و شعراء وإعلاميين، و لا نقول المفكرين أو
المؤرخين، لأن لهم خصوصية تميزهم، فالمفكر صاحب نظرية يسعى من خلالها إلى خدمة
البشرية لا يقف أمام تيار دون تيار آخر سواء كان ديني أو سياسي أو ثقافي، و
لا ينتهز الفرص لتغليب شخص على شخص آخر تجمعه به مصلحة آنية ، كذلك بالنسبة
للمؤرخ فهو يحلل الأحداث و ظروف وقوعها مهما كانت إيديولوجية صانعيها أو
عقيدتهم، فالصراع بين المثقفين أحيانا يكون من أجل لا شيئ، أي لا توجد مشكلة
تخلق بينهم الخلافات و العدائية.

فكثير من الذين نعتبرهم مثقين سلبيين، و هم زبدة المجتمع المستنيرة، و هذا
خشية من أن يصل فلان إلى مرتبة من الشهرة دونه هو، حتى لو كانت السلوكات
عفوية، فكم من المثقفين همشوا وأقصوا و أُبْعِدُوا، و لم نعد نقرأ لهم، ليس
لأنهم انقطعوا عن الكتابة و إنما كتاباتهم لم تعد تنشر، هو الإحتكار الثقافي
وحده يخلق الفراغ الثقافي، و يجعل القراء يكفرون بالثقافة و المثقف، هذه الفئة
التي طالما حملت لواء البناء الفكري و الثقافي و زرعته ليكون النور الذي يقتل
الظلمة ، و حملت أمانة الكتابة دفاعا عن المجتمع و عن المدنية المهددة
بالدّمار على أيدي أوباش متوحشين، و أنا أكتب هذه الكلمات البسيطة أجدني أبحث
و بشيئ من الإمتعاض عن “المثقف”، و سرعان ما ترتسم على ملامح وجهي، هل هو
بشرٌ؟ مؤسسة؟ أم هو مجرد حروفٍ منقوشةٍ في كتابٍ؟.

أراد المثقف أن يطبق القاعدة المثالية: “متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم
أمهاتهم أحرارا”، هذه الصرخة التي أطلقها المصلحون المرشدون، إلا أنهم إلى
اليوم لم يتلقوا جوابا، لأن القضية ليست كما أتصورها أنا و أنتَ، و لعلنا نقف
مع عبارة رددها أحد المتمردين “قفوا أيها العبيد، فالسادة ليسوا كبارا إلا
لأنكم راكعون”، فكم نحتاج إلى مثقفين متمردين بل أكثر تمردا ، أناس يتجاوزون
حدود تمرد دريفوس الذي واجه نظاما نازيا، أسقط الأقنعة عن الوجوه لتسفر جهارا
عمّا تخبئ من علل، دافع اصحابها عن مناصبهم ، بضراوة و وحشية كي لا تضيع
امتيازاتهم ، تم ذلك عن طريق الإنقلابات، وتهميش من هم أحسن منهم فكرا و
أخلاقا و نضالا، هل سالنا يوما مالفرق بين قوانين الطبيعة التي تغير كلما هبت
عاصفة شتوية لكنها لا تقتل و بين قوانين البشر التي تُفَصَّلُ على مقاس
صانعيها، و ما إن تختفي اسماؤهم حتى تُسَنَّ قوانين جديدة يضعها أناس آخرون و
تُفَصَّلُ أيضا على مقاسهم و هكذا..، باسم القانون يقررون مكانك و باسم
القانون يُحَدِّدُونَ مصيرك و أنتَ؟ لا يمكنك أن تعزل وجودك عن الواقع المحيط
بك.

السؤال الذي يفرض نفسه كيف يمكن أن نقيم حوار الثقافات بدون المثقف؟ فكما
يتميز الناس عن بعضهم بعضا، فهذا وجه أليف، و ذاك وجه غريب ، المثقفين أيضا
يتميزون الواحد عن الآخر، فهم يختلفون في طريقة التفكير و في وجهات للنظر و
رؤية كل منهما للحياة و في التعايش مع الآخر، هناك وجوه عارية و هناك وجوه
مقنعة، و العلاقة بين الوجوه العارية و المقنعة كما العلاقة بين المالك و
المملوك، و في كل الأحوال تظل السيادة للمالك، و لا يمكن للمملوك أن يفرض نفسه
إلا إذا خاض ثورة فكرية لتحقيق وجوده ، طالما هو يحيا للخلود لا يخشى أصحاب
القبعات الزرقاء و لا حتى أصحاب الخضراء و الذين كتفيهم مزينة بنجوم مذهبة،
لأنهم مكلفون بحماية الشعب و المؤسسات و الحدود و الممتلكات، ولذا فهم مكلفون
بحمايته أيضا لأنه الشمعة التي تنير دربهم بأفكاره، فهو ثوري مثلهم هو خلق
ليموت، و لذا لا يخيفه الموت، لكنه يكابر لأن مهمته لم تنته بعد.

علجية عيش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع