المثقف

561
المثقف
سناء جديدي

حمل المفكرون العرب المسؤولية للمثقف فهو في نظرهم الشخص الوحيد القادر على إنتاج ثقافة عربية تحقق النهضة المرجوة فما مفهوم المثقف؟ و ما هي الشروط الذي يجب أن تتوفر فيه؟ و ما المهام التي عليه أن يؤديها؟
المثقف الفاعل حسب ما يرى المفكرون العرب هو شخص صاحب كفاءة و له أهلية ليتبوأ مناصب عليا تتيح له فرصة المشاركة في صنع القرار، و هدفه من ذلك خدمة شعبه، و لنعتبره كذلك من وجب أن تتوفر فيه جملة من الشروط كأن يكون شخصاً واعياً و ملتزماً بقضايا عصره حتى يكون بمقدوره رؤية مجتمعه و الوقوف على مشاكله، لذلك ميز إدوارد سعيد بين أنواع المثقفين فنجده يقسمهم إلى مثقف مختص و آخر هاوي.
عرف إدوارد سعيد المفكر المختص بأنه ذلك الشخص الذي يهتم بمجال واحد دون غيره وهذا من شأنه أن يعيق عمل المثقف ويحجبه عن رسالته فكلما أوغل المثقف في حقل تخصصه وتوسع فيه كلما ضاقت رؤيته الإدراكية في مجالات المعرفة الأخرى فيكون بذلك مجرد موظف يؤدي مهامه لكسب المال على عكس المثقف الهاوي والذي هو الشخص المتحرر من تخصصه ومن امتيازات السلطة كذلك إذ لا يتخذ من المعرفة واسطة للعيش بل هي حاكم أخلاقي على عمله و نشاطه فيكون بذلك شخصاً مستقلاً فكرياً و لا يمكن أن يُفرض عليه شيء فهو متمرد و شجاع و يقبل المخاطرة في سبيل الحق.
إذاً فإدوارد سعيد يفضل المثقف الهاوي ويرفض المثقف المختص و يقول في هذا السياق: إن تأليه الاختصاص و الاحتراف مثلاً قد أدى إلى تقييد أفق رؤيتنا إلى حد كبير مما أدى إلى بروز عقيدة إيجابية تدعو إلى عدم التدخل في ما بين الحقول و الميادين و هذه العقيدة تقول أن أفضل الحلول هو ترك الجمهور جاهلا …”
من هذا المنطلق فإن المثقف الفاعل و القادر على التغيير والتقدم بالوطن العربي هو الذي يواجه السلطة ويقف في وجه الظلم بجميع أشكاله، والتمسك بمبادئه والوفاء للحقيقة والتصدي لكل أشكال الظلم السلطوي ومقاومة كل أشكال العنف والتعصب مهما كلفه الأمر ومهما كانت الإغراءات فهو لا يُشترى على عكس المثقف المأجور الذي يتخلى عن مبادئه لمجرد إغرائه بمنصب ما أو بمبلغ كبير من المال فيبدع بذلك في تزييف الحقائق ويقف مكتوف الأيدي أمام القضايا التي تتطلب تدخله فيها وإعلاء صوت الحق.
يرى البعض بأنه لا يحق لنا تجريد أحدهم من صفة المثقف لمجرد تواطؤه مع السلطة والاقتراب من بلاط الحكام ويرون في ذلك إساءة لدور المثقف الذي من المفترض أن يكون شخصاً محايداً ويقيم بموضوعية،
فكيف نعتبر من لا يأبه بأوضاع وطنه و أمته شخصاً مثقفاً ؟ وفيما ستنفعه معرفته إذا أهمل هذه القضايا الأساسية؟

سناء جديدي
مؤلفة و كاتبة صحفية تونسية
مديرة مكتب الاتحاد العالمي للمثقفين العرب في تونس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات