الكتابة النسوية حرب فتاكة بقفازات من حرير

119

 الكتابة النسوية حرب فتاكة بقفازات من حرير

بوخلاط نادية

 

لطالما شكلت  الكتابة النسوية  مادة دسمة للدراسة و كانت على طاولة تشريح النقاد و المتابعين لصيرورة الحركية  الإبداعية الأنثوية  و تطورها عبر السنين، ويقول البعض من المهتمين بالشأن الثقافي يأن المرأة استطاعت منذ اقتحامها مجال الكتابة  أن تمتلك وعيا ثقافيا  منذ الانطلاقة ، فكان ولوجها لهذا المجال طريقة من طرق النضال و التعبير عن خلجات النفس و التحرر ، لمسنا ذلك في قصائد الشاعرة  الفلسطينية فدوى طوقان  التي كانت تنشر و تكتب تحت اسم مستعار و توقعها تحت اسم المطوقة و الذي يحمل دلالات واضحة  و يشير إلى أحوالها في مجتمع تقليدي غير رحيم ، حيث  كانت تكتب و هي حبيسة الجدران في زمن كانت فيه الكتابة و الأدب حكرا على الرجال ، فالمرأة التي صنفت ككائن  يستطيع القيام بأي شيء  عدا الكتابة  لأنها لا يمكنها أن تكتب بتلك الموضوعية قياسا بالرجل لأن شلال عواطفها سينسكب على تلك الكتابة  مما سيفقدها الموضوعية

 

أيقونات النضال الإبداعي في الجزائر و حكايا الصبر و التحدي

 

في الجزائر  نجد الأديبة آسيا جبار التي ولدت سنة 1936 ، وهي أكاديمية، كاتبة، روائية، ومخرجة جزائرية و كانت معظم أعمالها تناقش المُعضلات والمصاعب التي تواجه النساء، كما عرف عنها الكتابة بحس أنثوي الطابع.

و تعتبر آسيا جبار أشهر الروائيات الجزائريات وفي  شمال أفريقيا، و تم انتخابها في 26 يونيو 2005 عضو في أكاديمية اللغة الفرنسية، وهي أعلى مؤسسة فرنسية تختص بتراث اللغة الفرنسية، حيث تعتبر أول شخصية من بلاد المغرب والعالم العربي  تتبوأ هذا المنصب.

آسيا جبار

 

قامت بإخراج عدد من الأفلام التسجيلية في فترة السبعينيات منها “الزردة وأغاني النسيان”  في سنة 1978، وفيلم روائي طويل للتلفزيون الجزائري بعنوان “نوبة نساء جبل شنوة”  في 1977، ومن أعمالها الروائية “ظل السلطانة، “لا مكان في بيت أبي”، “نساء الجزائر”، “ليالي ستراسبورغ ” “الجزائر البيضاء”، “الحب و الفنتازيا” و”بعيدا عن المدينة”  أقامت في فرنسا حتى وفاتها في فبراير 2015 عن عمر ناهز 79 عامًا.

لم تزر الكاتبة آسيا جبار الجزائر سوى مرة واحدة  لتشييع جنازة والدها الذي كان مدرسا،حيث كانت تلك الزيارة  في أوج استعار نار الإرهاب الأصولي في الجزائر في التسعينات أو ما عرف ب”عشرية الدم ” كتبت الروائية آسيا جبار عن الموت في أعمال روائية أخرى نذكر منها: “الجزائر البيضاء” و”وهران… لغة ميتة” وقد  اختارت آسيا جبار شخصيات رواياتها تلك من العالم النسائي فمزجت بين الذاكرة والتاريخ، و ظلت تعيش وهج الشوق للوطن و عاشت الغربة بكل تجلياتها و انعكس ذلك على كتاباتها

وبعيداً من مناخ الحرب، بل ومن أجواء الحب المتخيّل، كان ميلاد رواية “ليالي ستراسبورغ”، وهي  التي لم تكتب هذه الرواية هربا من وجع الموت الجماعي  الذي شهدته الجزائر فحسب وإنما كعلاج نفسي داوت به  جراح غربتها وآلامها.

و الجدير بالذكر فاءن آسيا جبار كانت أول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس عام 1955 م، وأول أستاذة جامعية في الجزائر ما بعد الاستقلال في قسم التاريخ والآداب، وأول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بـجائزة السلام التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، وقبلها الكثير من الجوائز الدولية في إيطاليا، الولايات المتحدة وبلجيكا، وفي 16 يونيو 2005 انتخبت بين أعضاء الأكاديمية الفرنسية لتصبح أول عربية وخامس امرأة تطأ اقدامها هذه الأكاديمية.

من بلاد القبائل  برز اسم إبداعي نسوي و يتعلق الأمر بالكاتبة  فاطمة آيت منصور عمروش أو مارغريت آيت منصور التي ولدت سنة  1882 بقرية “تيزي هيبل”، و ميزتها أنها كانت تكتب باللهجة القبائلية الممزوجة بالتعبيرات الفرنسية، و هي والدة الكاتبين جون وطاووس عمروش، و يعتبركتابها “قصة حياتي ” الذي خطت فصوله بالدم و الدموع أول عمل أوتو بيوغرافي” في الجزائر، و تميز بنسق سردي فاق المتوقع حيث كتبت قصة حياتها بكل عذاباتها و آلامها ،  وبرعت حين سردت ما ذاقته من ألم  و وصفت بدقة ثورة مجتمعها عليها بعد حملها الغير شرعي و علاقتها بجارها في الحي ، هذا الأخير الذي فضل إنكار بنوته لحملها و اختار الزواج من أخرى ، و وصفت بدقة حياتها و حزنها على أطفالها الذين فقدتهم تباعا بذلك السرد الممزوج بالآهات و الدموع ، وصفت نضالها و صبرها ، و تحديها للظروف القاسية التي عاشتها أولا كامرأة  في مجتمع يتعمد لكسر كينونتها و كانسان في زمن الاستعمار .

فاطمة آيت منصور عمروش

 

و في الجزائر أيضا نجد أسماء روائية  عديدة على غرار الدكتورة زليخة السعودي أو قصة العشق المبتور  التي وصفت أيضا مربع صباها و التقاليد التي نشأت عليها  و تربت عليها النسوة في محيطها الأسري كونها وليدة مجتمع محافظ

و لم تختلف عنها الشاعرة الراحلة سليمي رحال التي كان فعل الكتابة عندها فعلًا مضادًّا، فمارسته بشجاعة مثيرة للاندهاش والإعجاب، خاصّة إذا عدنا إلى ذلك السّياق الزّمنيّ، حيث كانت الكتابة المهادنة طريقًا معبّدًا للموت، ناهيك عن الكتابة المشاغبة والمثيرة للأسئلة والمحرّضة على تحرّر الذّات من سلطة  الجماعة  .

 

الكتابة النسوية حرب فتاكة بقفاز  مخملي و معركة وعي كبير

 

لقد شهدت الكتابة النسوية تطورا و صارت أكثر نضجا و وعيا  في السنوات الأخيرة ، فالمرأة صارت تكتب إيمانا بذاتها و قدرتها العجائبية على التغيير و إحداث المفارقة ، كما انها في الوقت ذاته لم تهمل “كتابة ذاتها” بثورة ، فالكتابة هي حرب بلا سلاح و لكنها أشد فتكا ،  أما الكتابة عند  النسوية  هي حرب تقودها المرأة ” بقفاز من مخمل  “و هي أيضا نضال مستميت من أجل إسماع الصوت و إصلاح و رأب تصدعات مجتمع لطالما وصف ب” العنصري” و القامع لصوت المرأة ، حتى أن بعض المجتمعات ظلت ليومنا هذا تستنكر جنوح و ميول المرأة للكتابة و تبخسها حقها في الإبداع، و قول كلمتها،  و قد يكسر ذلك المنع أو الانتقاص من قدراتها  موهبتها و يقتلها و هي في المهد .

لقد أدى ظهور الحركات النسوية المطالبة بالمساواة بين المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات إلى اختيار بعض الكاتبات من النضال النسوي قاعدة لها من اجل المطالبة بالحقوق من خلال جعل الرواية أو القصة لسان حال تلك الأفكار و نشر الوعي  ، ونجحت و   استطاعت بعض الروائيات أن تعبرن عن ثورتهن  على سلطة الرجل  و سطوته  في روايات رومانسية من خلال قصص عشق بأسلوب راقي و بنكهة و عطر انثوي خالص  و نسرد على سبيل المثال لا الحصر الروائية السورية ” غادة السمان” التي كانت نموذج للمرأة الثائرة و حذا حذوها  عديد الروائيات و نجد في الجزائر الروائية “أحلام مستغانمي”  التي ألهمت جيلا كاملا من الطامحات لاسترجاع  مكانتهن في مجتمعهن و كذلك الروائية ربيعة جلطي ،و تأثر بهن و بكتاباتهن الجيل الجديد من الكاتبات اليافعات اللواتي استطعن إن يصنعن لهن مكانة في الوسط الثقافي المزدحم بأسماء  إبداعية لا زال بعضها غير معروف .  

أحلام مستغانمي

 

تعد عالمة الاجتماع  المغربية فاطمة المرنيسي، التي صنفتها صحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2011، واحدة من النساء المائة الأكثر تأثيرا في العالم.

ورغم مرور أكثر من 5 أعوام على رحيلها، إلا أن سيرة “شهرزاد الثائرة” لا تزال حاضرة في كل المناسبات والمنتديات المتعلقة بالنضال النسوي.

فاطمة المرنيسي

 

وكرست الكاتبة وعالمة الاجتماع، المعروفة عربيا وعالميا، حياتها في مناصرة قضايا المرأة و الدفاع عن المساواة بين الجنسين، كما وتميز طرحها بالجرأة والمزج بين الواقع والتراث، كما انطلقت بداية من مجتمعها المصغر داخل الأسرة، قدمت فاطمة المرنيسي تشخيصا ونقدا معمقين للسطة الذكورية في المجتمعات العربية والإسلامية.

تعتبر الدكتورة نوال السعداوي إحدى الشخصيات الأكثر إثارةً للجدل حيث يصعب على القارئ أن يقف منها موقفا وسطا، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها. مما جعلها أشهر من نادى بتحرير المرأة من قيودها، ومن جهَرَ بالعصيان لما سمته  “المجتمع الذكوري”، فقد كانت طبيبة مشاكسة وأديبةً مثيرة للأسئلة.

نوال السعداوي

 

الكتابة السردية الحديثة و تطورها في الوطن العربي

 

وقوفا عند الكتابة النسوية السردية الحديثة في وطننا العربي ، حدثت قفزة موضوعية و”مفاهيمية” هائلة، حيث اتجهت الكتابة بشكل مباشر إلى تناول قضايا المرأة من زاوية “نسوية” تخصصية بحتة، و بدا ذلك جليا في التركيز على قضايا “الجندر” والدين وموقع المرأة من الدولة وقوانينها وتشريعاتها المدنية.

ومثلت أصوات نسويه متعددة  في الدول العربية هذا الاتجاه وبرزن فيه بشكل واضح مع اختلاف طرائقهن في الكتابة والزوايا التي اتخذنها منصة لتوجيه هذه الكتابة. استحضر من هذا الأسماء الروائية التي برزت في السودان على سبيل المثال لا الحصر أسماء روائية على غرار رانية مأمون من خلال روايتها “أبناء الشمس”، والروائية كلثوم فضل الله “الصدى الآخر للأماكن”، والروائية أسماء الشيخ في “بستان الخوف”، القاصة صفاء نقد، والقاصة صباح سنهوري، وأخريات كثيرات  غيرهن  كن رمزا للنضال النسوي و اللواتي كان هدفهن الرئيسي هو إيصال صوت “المقموعات” من بني جنسهن .

 

 الكتابة النسوية ، ثنائية “الأنا” و “الآخر”

 

عادة و غالبا ما تعتمد المرأة الكاتبة في سرديتها  على الأنا فتسكب ذاتها  في كل حرف تخطه في عملها الأدبي سواء كان قصة ، رواية  ام شعر و تتجلى تلك الشفافية  في اختيارها للمعاني و الحروف لصياغة الجمل و ترسم بذلك لوحة جمالية منقطعة النظير ، و قد لا نجد هذا الانسكاب في أعمال الرجل ، فالرجل الكاتب يكتب بلغة جافة  أحيانا لان مشاعره توصف عادة بالمتحجرة  أو انه لا يرغب في  إظهارها  و يتعمد ذلك ، فالرجل بطبعه مصاب بالغرور و يرفض أن يقال عنه انه يكتب بنكهة أنثوية حتى و إن كان  يكتب رواية رومانسية  يصف فيها علاقة حبيبين بوهج تلك المشاعر الملتهبة و المتأججة  !.

بعض الكتاب يرفضون و يفندون هذا الادعاء و يعتبرونه سخيفا و حجتهم في ذلك انه  لولا المشاعر لما جرا القلم على الورقة و خضبها بتلك الأحاسيس المرهفة و المشاعر النبيلة، الفرق الوحيد هو أن المرأة مرهفة الحس و هذه  طبيعة متجذرة فيها و فطرة متأصلة فيها لذا نجدها تكتب بكمية تلك الأحاسيس و المشاعر الدافقة دون قيد أو شرط .

يجب ان نعلم و نوقن بأن المرأة الكاتبة لا تكتب “أناها”  فحسب بل تكتب و تصف الآخر و غالبا ما يكون ذاك الآخر نظيرا لها أي أنثى مثلها و من خلالها و على لسانها تصف عذاباتها أو تكتب الآخر  أيضا قد يكون شخصية حقيقية أو بطلا  يسكن فؤادها و يحتل  خيالها ، قد تكتب عن حبيب مقرب ، زوج او أخ  مقربا إلى قلبها أو في محيطها و لا تجد صعوبة في التحدث باءسهاب بالغ عن ذلك الآخر سواء كان شخصية موجودة في الواقع أو متخيلا في أحلامها .

 

بقلم / بوخلاط نادية/ الجزائر

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع