الصراعات العالمية في ضل العلاقات الدولية

243

الباحث الاعلامي : امير مناتي محمود/

عند النظر للمسار التاريخي للحياة البشرية، نجد أن الصراع يمثل أحد أهم الحقائق الثبوتية في واقع الإنسان والجماعة على مختلف المستويات والأطر. إذ نجد في إطاره البيولوجي الصراع بين الأجناس والأفراد، والنفسي بما يعانيه الإنسان من صراع مع ذاته، والانثروبيولوجي في الصراع الثقافي، ناهيك عن الصراع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره من أنماط الصراع المختلفة.
وبالعودة لبعض محطات التاريخ نلاحظ ورود مصطلح الصراع في الحضارات القديمة كالحضارة الإغريقية والرومانية، إذ أستعمل مصطلح “صراع الآلهة” للتعبير عن الصراع بين القوى الخارقة في الأساطير الإغريقية كصراع أخيل – Achilles وهكتور – Hector في ملحمة طروادة الأسطورية. وما نجده من صياغة نظرية في أدبيات الإغريق تعكس رؤيتهم للصراع، نجده أيضا بين الحضارات الأخرى، وصولاً للأديان الوضعية ثم الإبراهيمية وما تبع ذلك من تحولات فكرية غيرت من بنية العلاقات الإنسانية وقادت لبناء الدولة الحديثة، الأمر الذي أدى بدوره لبروز مستوى جديد من الصراع تمثل في الصراع الدولي.
وتعد ظاهرة الصراع من بين الحقائق الثابتة في واقع الإنسان والجماعة على كافة مستويات الوجود البشري فهو يحدث داخل الفرد نفسه عندما يجد نفسه ممزقاً بين رغبته لتحقيق هدفين غير متلائمين مما يقود إلي الشعور بالتوتر والحيرة . كما أن الصراع يتخلل الممارسات الاجتماعية أيضا ويحدث بين الأفراد حتى بين المجتمعات والثقافات.
إذ نجد أن الصراع في كافة العلوم ، ففي علم البيولوجيا نجد الصراع بين الأفراد وبين الأجناس ، أما في علم النفس فيتناول الصراع داخل الفرد ، وعلم الأنثوبولوجيا يدرس الصراعات بين الثقافات ، وعلم الاجتماع يدرس الصراعات الناشئة بين الجماعات مثل الصراع في إطار النظام السياسي وعلاقته بالأنظمة السياسية الأخرى وعليه يعد الصراع جزءاً مهماً من أية دراسة متخصصة لأي نوع من العلاقات فظاهرة الصراع تنشأ نتيجة التعارض بين أطراف الصراع حول القيم الأساسية أو المصالح وهي علي معرفة كاملة بماهية هذا التناقض ، إلا أن الرغبة الاستحواذية لكل منهما هي الدافع إلى التصادم والتصارع مع رغبات الآخرين ، وهذا الاختلاف يؤدي في النهاية إما إلى التصادم بين أطراف الصراع أو إلي اللجوء إلي إدارة الصراع ثم حله ، ولقد أصبح الصراع صفة أساسية من سمات النظام الدولي الناشئ على فكرة السيادات القومية المتعددة ، ونظراً لعدم وجود سلطة إلزامية عليا تحكم كافة الوحدات الدولية المتنافسة والمختلفة ، تصبح بذلك الدولة هي المتحكمة بسلوكياتها تجاه الدول الأخرى . لكي تحافظ على أمنها ووجودها القومي، وهي بذلك تكون في وضع تصارعي مستمر من أجل الحفاظ على كينونتها. هذه الوضعية تفرض على الدولة اللجوء إلى القوة من أجل استمراريتها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية العليا .

ظاهرة الصراع
تختلف ظاهرة الصراع الدولي عن غيرها من ظواهر العلاقات الدولية، إذ تتسم بصفة التعقيد والتشابك وبتعدد أبعادها وتداخل مسبباتها ومصادرها، وتشابك تفاعلاتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة، فضلاعن تفاوت المستويات التي تحدث عندها من حيث المدى أو من حيث الكثافة والعنف.
إذ أن هذه السمة دفعت إلى ضرورة حصر مجموعة من المقتربات المنهجية الصحيحة لمحاولة تفسير ظاهرة الصراع الدولي ، ولكي توفر لها إطار مفاهيمي يمكن من خلاله فهم أبعاد وأسباب ظاهرة الصراع في شقها الدولي ، إن هذا الإطار ما هو إلا مجموعة من الكليات الفكرية التي تمثل المرجع الأساسي التفسيري للعديد من المفاهيم المرتبطة والمصاحبة لظاهرة الصراع الدولي
وتتأثر ظاهرة الصراع الدولي في شكلها ومضمونها بتأثير التغير الذي يحدث في النظام الدولي، الذي من شأنه أن يقود إلى حدوث تغير في طبيعة القوة،ونمط توزيعها علي المستوي العالمي، وهو ما يؤثر في الأنماط السلوكية للقوي الفاعلة في النظام الدولي .
مفهوم الصراع :
تشير الكتابات المتعلقة بموضوع الصراع إلى أنه لا يوجد ثمة إجماع على تعريف محدد للصراع . وردت العديد من التعريفات لظاهرة الصراع وقد عرف الصراع وفقاً لدائرة المعارف الأمريكية بأنه عادة ما يشير إلى “حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته .
ويشير مصطلح الصراع إلى حالة أو وضع تقوم به جماعة بالاشتباك مع جماعة أخري كنوع من المعارضة ، على أساس أن الجماعات المناوئة تبدو لها أنها تسعى إلى تحقيق أهداف وبرامج لا تقبلها . فالصراع هو تنازع على الموارد والسلطة، وقد ينطبق الصراع على التفاعل الذي يقع بين البشر مع بعضهم البعض ويمكن اعتباره أكثر من التنافس الذي يعد من ابسط صور الصراع المعقدة كالأزمة والتوتر والنزاع.
ويعرفه ( Boulding) بأنه موقف تنافسي تكون فيه الأطراف المعنية واعية عن الاحتمالات المستقبلية المتوقعة ويرغب كل طرف بإشغال وضع غير متوافق مع رغبات الطرف الأخر.
فجوهر الصراع ما هو إلا تنازع الإرادات ، هذا التنازع يرجع إلي التباين والاختلاف في دوافع الدول ، وتصوراتها لأهدافها وتطلعاتها ، وكذلك الاختلاف في مواردها وإمكانياتها.
ويرى البعض الاخر انها تصادم إرادات وقوى خصمين أو أكثر ، إذ يكون هدف كل طرف من الأطراف تحطيم الآخر كليا أو جزئيا ، إذ تتحكم إرادته في إرادة الخصم – ومن ثم يمكنه أن ينهي الصراع بما يحقق أهدافه وأغراضه. فجوهر الصراع ما هو إلا تنازع الإرادات ، هذا التنازع يرجع إلى التباين والاختلاف في دوافع الدول ، وتصوراتها لأهدافها وتطلعاتها ، وكذلك الاختلاف في مواردها وإمكانياتها .

يمكن من خلال التعريفات لظاهرة الصراع استخلاص مجموعة من الخصائص:
أولاً : أن الصراع لابد وأن يتوافر لوجوده طرفان على الأقل يشتبكان أو يشتركان في هذا التفاعل.
ثانياً : أن هذين الطرفين لابد وأن يشتركا في أفعال وتصرفات متعارضة مع بعضها البعض.
ثالثاً : أن هذين الطرفين أو الأطراف المتصارعة لابد وأن تكون تصرفاتهم أو سلوكهم إرغامي أي أن يستهدف إلحاق الضرر أو تدمير أو إيقاع الأطراف الأخرى أو بصورة عامة ، السيطرة أو تحقيق السيطرة على الأطراف الأخرى واكتساب وضع أفضل بكثير مما كان عليه الأمر في بداية الصراع . وكل هذا لابد وأن يكون موجها ضد الخصوم في عملية الصراع.
رابعاً : الصراحة أو الوضوح أي أن تكون التفاعلات المضادة أو المتصارعة علنية ومن ثم يكون من السهل على الملاحظين المحايدين اكتشاف هذه التفاعلات .
خامساً : إن الهدف الأساسي ، من وراء دخول الدولة في صراعها مع الآخر هو تحطيم الخصم والتفوق عليه مع الاستفادة من الموارد النادرة إذا وجدت من أجل دعم قوتها والحصول على المكانة المرموقة في النسق الدولي.
يمكن لتبعات هذه النزعات الجيوسياسية أن تكون مهلكة؛ إذ إن الإيمان المبالغ به بالمساعدة الخارجية من شأنه أن يشوه حسابات اللاعبين الداخليين، ويدفعهم إلى مواقف غير متساوية ويشجعهم على مغازلة أخطار يعتقدون أنهم محصنون ضدها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع