الشاعر “عبد العزيز لو” يُدخِل السنغال إلى خارطة الشعر العربي

خاص- صحيفة فكر

801
الشاعر “عبد العزيز لو” يُدخِل السنغال إلى خارطة الشعر العربي
خاص- صحيفة فكر
مهند حميدي

بمشاركة لافتة في برنامج “أمير الشعراء”، يقدم الشاعر السنغالي “عبد العزيز لو” نموذجا لدور مواطنيه في اللغة العربية وآدابها.

وعن مسيرته الأدبية وتجربته الشعرية؛ كان لـ“فكر” الحوار الآتي مع “لو” عقب وصوله إلى مراحل متقدمة في البرنامج.

• بداية، نرحب بك؛ الشاعر السنغالي “عبد العزيز لو” حبذا لو تعرف القارئ عنك؟

أهلا وسهلا، معكم عبد العزيز لو شاعر من السنغال، وطالب في جامعة الكويت في مرحلة البكالوريوس.

• عبد العزيز اليوم أين هو من عبد العزيز الأمس؟

عبد العزيز الذي كان يطارد حلمه البعيد بالأمس، هو ذاته اليوم يطارد ما زاد في ذلك الحلم. وربما أضافت له السنوات أرقاما أخرى، وزادت في قامته شبرا أو شبرين، وأشعل في قلبه بعضا من قلق القصيدة، والتجلي، ولذة الخسارات، ورؤية أعمق إلى حد ما تجاه العالم.

• تأهلت إلى مرحلة متقدمة في أحد أهم البرنامج المتخصصة بالشعر العربي، الرحلة تزداد صعوبة والمنافسة تحتد بين المشتركين، فمن الضروري معرفة نقاط ضعف وقوة الخصم، حدثنا عن نقطة القوة التي يتميز بها الشاعر السنغالي عبد العزيز وأحدثت قلقا بالنسبة لباقي المشتركين.

هذه الرحلة المحتدمة في الحقيقة محفوفة بالمفارقات؛ حيث يكون فيها المنافس صديقا والصديق منافسا، وتلتحم فيها الثقة بالنص مع الشعور بالتوتر أحيانا. ولكني متسلح دائما بما أعرفه عني من نقاط القوة لمواجهة اللجنة، التي تمنحنا البهجة حينا، وفي حين آخر قليلا من الإحباط، وهو أمر لا مناص منه في مسابقة بهذا المستوى الرفيع. وليس عندي أية رغبة للوقوف على نقاط ضعف أو قوة الخصم أبدا، وأعتقد أن هذا بحد ذاته هو نقطة قوتي التي قد أتميز بها عن غيري، ولا أظنها مصدر قلق للمنافسين لما يمتلكونه كذلك من الثقة بأنفسهم.

• مشاركتك في “أمير الشعراء” ليست وليدة الصدفة، فالنجاح ليس ضربة حظ، لأن وصولك إلى هنا نابع عن استحقاق عال وجدارة وثقة تهيئك لتكون في المكان الصحيح، حبذا لو تخبرنا عن البصمة التي تريد تركها من خلال البرنامج؟

صحيح أن مشاركتي في مسابقة “أمير الشعراء” ليست وليدة صدفة، وأعترف بأني محظوظ جدا، نظرا إلى العدد الهائل من الشعراء المتقدمين، الذين حالف بعضهم الحظ وأخطأ آخرين. كما أرى في الوقت نفسه أن وصولي إلى هذه المرحلة -بعد توفيق الله طبعا- ثمرة مثابرة وجهود متواصلة في درب الشعر. وقد مضى زمن طويل وأنا أهز سعَف أحلامي، وأربي في داخلي طفل القصيد؛ لأمنح نفسي ما يكفي من الثقة والنضج. وأحسبني اليوم في المكان الصحيح تماما لتحمل أمانة تمثيل القارة السمراء ووطني السنغال الضارب الجذور في علاقته مع الشعر العربي بشكل أخص. ويمكنني الآن بعد إطلالتي على مسرح شاطئ الراحة أن أزعم أني تركت بصمة إيجابية تعبر عن ثقافتي من خلال لوحتي/قصيدتي، التي قدَّمَتْ إفريقيا إلى العالم العربي أمًّا حانية وقعت في براثن القهر والظلم فيما مضى، لكنها لم تتنازل يوما عن بث شعاع الأمل، ومكافحة العنف والكراهية عن طريق تعزيز قيم الإنسانية ونشر السلام العالمي.

• ما دور الإيمان بالحلم، فضلا عن العزيمة والثقة بالنفس، في اختيار المشاركين من بين المئات في العالم العربي؛ برأيك هل السر يكمن في الموهبة فقط أم أن المشاعر والثقة لها دورها في انحياز القدر الجميل إلى جانبك؟

الإيمان بالحلم واجب وجودي قبل كل شيء، لكنه يظل في حدود الهواجس العابرة ما لم يكن مدعوما بالثقة والعزيمة. ولا يمكنني تخيل شخص ناجح في أي مجال كان، على الرغم من كونه موهوبا، أن يعانق الجوزاء ما لم يحلق بأجنحة الثقة. فالموهبة والثقة صنوان، يشارك كل منهما في صناعة أسطورة الفرد الشخصية على حد تعبير الروائي باولو كويلو في رواية “الخيميائي” ومن هذا المنطلق أرى أنهما عنصران لا ينفصلان أبدا لتناغم أي مبدع مع القدر الجميل.

• من في لجنة التحكيم سبب لك ارتباكا، وكنت تشعر بالقلق تجاه نقده اللاذع؟ وهل لك أن تشاركنا أكثر تعليق لاذع تلقيته على قصيدة لك؟

في الحقيقة، لم أشعر بالارتباك أمام اللجنة الموقرة، وهذا نابع من إيماني بقيمة النص المُقدَّم ليلة العرس الشعري، الذي عبر عني، وعن إفريقيا، والإنسان بمفهومه الأوسع بامتياز. وفي رأيي أن غاية ما يرمي إليه نقد لجنة التحكيم هو تجويد القصيدة، وملامسة نبض الجمال فيها، وصقل حساسية الشاعر تجاه النص، وليس الاستخفاف من الشاعر، أو الغض من موهبته. وفي كل الحالات يظل الشعر هو المنتصر الأكبر في لقاءات الشاعر مع النقاد.

• على الرغم من الضغط الشديد والتوتر في برامج كهذه، إلا أنها مليئة بالحماس والتحدي والمنافسة، حدثنا عن الجزء الأصعب من تحديات “أمير الشعراء” بالنسبة للشاعر عبد العزيز، وبالمقابل ما هو الجزء الأمتع؟

أصعب لحظة في البرنامج -بالنسبة لي- هي التي تمتد أسبوعا كاملا من قلق الانتظار وترقب نتائج التصويت، وفي الحقيقة هي لحظة مليئة بالإثارة، مكتظة بالحماس والتحدي. وفي المقابل أجد أن أكثر اللحظات متعة هي لحظة التجلي على المسرح، ونيل إعجاب لجنة التحكيم ورقص قلوب الجمهور من نشوة النص، ولو كان عن بعد في ظل ظروف كورونا. إضافة إلى الأوقات التي أتقاسم فيها مع الشعراء أنخاب المرح والسعادة.

• ينتابنا اليوم كثير من الإِحباط على المستويين الخاص والعام، لمقولة مفادها أن “أمة اقرأ لا تقرأ”؛ فهل تأخذ القراءة حيزا من وقتك في ظل الانتشار المفرط للتقنيات الحديثة؟

التأمل في مقولة “أمة اقرأ لا تقرأ” تضعنا في معترك فكري صعب، يحتم علينا إعادة التفكير في علاقتنا مع المعرفة ومدى تواصلنا مع الموروث الإنساني الضخم. لذلك تحتل القراءة مساحة كبيرة في حياتي. وفي رأيي أن الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة شاعر خلاق. فالقراءة الواعية هي وقود المبدع في رحلة البحث عن المعنى، والتقنيات الحديثة ليست إلا أسلحة ذات حدين، ينبغي على الجميع التعامل معها بحذر؛ لأنها تظل بوابة للمعرفة والثقافة إذا استخدمناها بشكل صحيح.

• من هو المنافس الذي شكل خطرا على عبد العزيز؟ وهل استطعت اتخاذ صديق لك بين المشتركين، على الرغم من المنافسة، وتتمنى وصوله معك إلى النهائيات؟

لا يوجد منافس يشكل خطرا على عبد العزيز أبدا، فقد كنت شاعرا قبل المسابقة، وسأخرج منها بعد الاستفادة من آراء لجنة التحكيم أكثر توهجا وارتقاء. من حق كل شاعر أن يمثل نفسه بثقة تامة، وأنا بدوري أثق سحر ربابتي ونشيدي. وستظل المنافسة نزيهة في كل مستوياتها وراقية في كل تجلياتها. وأعتبرني محفوفا بقلوب طيبة، تشع بالطفولة، وتنقل عدوى السعادة إلى ما يحيط بها. فكل الشعراء أصدقائي رغم أجواء المنافسة. وأدري أن أمنيتي لوصول الجميع إلى المرحلة النهائية مستحيلة، ومع ذلك كله أتمنى من صميم قلبي التوفيق للجميع.

• كيف تتجلى صورة المرأة في قصائدك، وماذا كتب الشاعر السنغالي تغزلا بها؟

للمرأة حضور لافت في قصائدي. ودائما أحاول أن يكون هذا الحضور مليئا بمعان تعيد لها مكانتها، وتوحي إلى قدراتها المذهلة على بث روح الحياة، والحب، والبهجة في كل ما حولها.
ومما كتبته عن المرأة قولي في قصيدة “امرأة”: “هِيَ امْرَأَةٌ يَخْضَلُّ من رُوحِهَا النَّدَى/ كَتَرْنِيمَةِ الْأَدْغَالِ/ فِي نَشْوَةِ الْعُرْسِ/ وَنَحْنُ نُسَمِّيهَا/ وَمِنْ فَرْطِ رِقَّةِ الْعُيُونِ/ يُسَمِّيهَا النَّدَى جَوْهَرَ الْحِسِّ”.

• في ظل التقنيات الحديثة وطريقة التصويت المعتمدة على وجود متابعين كثر في وسائل التواصل الاجتماعي؛ هل تظن أن الموهبة قد تُظلَم على حساب التصويت، فمن يمتلك جمهورا أكثر سيربح؟ هل يسبب التصويت قلقا للشاعر عبد العزيز؟

سأكون مخطئا جدا إذا قلت بأن التصويت لم يسبب لي بعض القلق، ولكنني أثق بجمهور الشعر وأذواقه الرفيعة. ولا أظن أن هناك موهبة مظلومة في التصويت؛ لأننا جميعا عرفنا سياسات المسابقة وآليات المفاضلة، وقد قبلناها بكل أريحية، وعلينا تقبل ما يصاحب المرحلة من التوتر تجاه التصويت. وفي النهاية هي قوانين اللعبة، ومَن يحظى بقاعدة جماهيرية تمد إليه الدعم، وترعاه، فستكون حظوظه أكبر بكل تأكيد.

• إن فرصة مشاركتك في “أمير الشعراء” وتمثيلك للسنغال نجاح بحد ذاته، ولكن إن لم تصل إلى المراكز الأولى؛ من برأيك يستحق لقب أمير الشعراء؟

إن فرصة المشاركة في “أمير الشعراء” بالنسبة لي أمر عظيم، وحلم أخيرا تحقق، ونجاح أتباهى به، لاسيما وأنا أحمل أمل دولة بأكملها، وعلي تمثيلها كما يليق بالحب العميق الذي يربطني به. أما هذه النسخة من المسابقة فهي فريدة من نوعها، يستحق كل شاعر وشاعرة أن يكون أميرا لها. ويبقى قدر الشعراء مفتوحا على مصراعيه أمام المفاجآت، التي وحدها من تحدد مصير المتطلعين إلى تاج الإمارة، وأتمنى أن ينحاز لي هذه المرة، كما أتمنى لأصدقائي الشعراء كل التوفيق.

• الشاعر السنغالي “عبد العزيز لو” شكرا لسعة صدرك، وحبذا لو نختم بسطور من أحب قصائدك إلى قلبك.

أشكركم على الفرصة المتاحة للإطلالة على شرفة المعنى، وتقديم نفسي لجمهور الشعر الكريم من خلال هذا الحوار الجميل. وفي ختام هذا الحوار، لا يسعني إلا أن أشكر موقع “إرم نيوز” وقرائي الأعزاء. ويسعدني أن أضع بين يدي جمهور الشعر المتذوق أقرب القصائد إلى قلبي، وهي التي ألقيتها أمام اللجنة، وظلت صدًى يمثل تجربتي الشعرية، ويعكس صورة أُمتي، وحضارتها المشرقة، رغم مأساة التاريخ وقتامته، اللتين لحقتا بها في بعد الحقب الزمنية.

سطور من قصيدة “نُقُوشٌ عَلَى رُخَامِ الْبَحْرِ الْأَسْمَرِ”
عَنْ قَرْيَةٍ أَعْشَبَتْ فِي الرُّوحِ/ عَن وَطَنٍ يَنْمُو/ بِكُلِّ اخْضِرَارِ الْحُبِّ مُحْتَشِدَا
يُحْكَى عَنِ الْلَيْلَةِ النَّشْوَى/ وَعَنْ قَمَرٍ يَسِيلُ/ فِي ضِحْكَةِ السُّمَّارِ مُتَّقِدَا
عَنْ نَجْمَةٍ تَتَنَدَّى بِالْحَنِينِ/ إِذَامَا ذِكْرَيَاتُ الصِّبَا هَبَّتْ/ وَرَقَّ صَدَى
عَنْ حِكْمَةِ الشَّيْخِ فِي الْمَعْنَى/ تَجَذَّرَ فِي أَعْمَاقِهِ شَجَرُ الرُّؤْيَا/ سَنًا وَهُدَى
يَمْشِي/ وَيَبْتَلُّ مِنْ أَنْوَارِ خُطْوَتِهِ تُرَابُ فَجْرٍ/ وَسِرٍّ يَشْرَبُ الْأَبَدَا
يُحْكى عَنِ امْرَأَةٍ أُمٍّ/ وَمَا تَعِبَتْ سَكَّابَةَ العُمْرِ/ مِنْ أَضْلَاعِهَا مَدَدَا
تَجْثُو عَلَى صَدْرِهَا الْمُعْوَجِّ مِنْ تَعَبٍ/ أَحْزَانُ جِيلٍ وَقَلْبٌ لَمْ يَزَلْ عَمَدَا
لَمْ تَدَّخِرْ مُنْذُ عَيْنَيْهَا وَعِشْقِهِمَا/ إِلَّا سُهَادَ النُّجُومِ الزُّرْقِ/ وَالنَّكَدَا
وَعَنْ فَتًى/ بَكَرَتْ فِي الرِّيحِ خُطْوَتُهُ/ وَدَارَ قَبْلَ انْسِكَابِ الشَّمْسِ/ مُتَّئِدَا
** أجرى الحوار لصالح “فكر” الكاتب والصحافي السوري مهند الحميدي

تعليق 1
  1. avatar
    الغائب الموغل في الحضور يقول

    شاعر كبير، استطاع أن يثبت وجوده في سياق الشعر العربي الحديث باحترافية عالية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع