“السلوك الانتخابي” بالصحراء الغربية

228
“السلوك الانتخابي” بالصحراء الغربية
خالد بوفريوا Khalid Boufrayoua

 

هناك حقيقة صارخة في التاريخ المعاصر لشمال إفريقيا والمنطقة المغاربية على وجه الخصوص تقول : “إذا عقدت العزم على خوض مدمار الإنتخابات المغربية بالصحراء الغربية و ربح الرهان،فما عليك سوى التلويح مهرولاً بسيرتك الذاتية كمترشح و أنت تحترف واحدة من ثلاث مهن،ويشكل إحترافك لمجملها إمتيازاً؛ سرقة المجالس،التهريب،و بارون مطيع في تجارة المخدرات. كل هذا تقدمه على طبق من الولاء و الإخلاص للسدة العالية للأجهزة الأمنية السرية منها و العلنية.”

فكيف نقرأ فلكلور”السلوك الانتخابي بالصحراء الغربية؟

من أعلى سفوح جبال باني إلى أقاصي تخوم أوسرد و سواحل الگويرة الباردة،و على طول مورفولوجية الصحراء الغربية بكل امتداداتها يشكل تنظيم العملية الإنتخابية المغربية تعارضا بالمطلق مع الوضع القانوني للصحراء الغربية الذي يؤطره القانون الكوني،بل  إهانة و إبتزازا علنيا للشرعية _و إنا لسنا في صدد مقاربة الوضع القانوني للإقليم_ فكل ما تقوم به المملكة المغربية عبر توغل أجهزتها هناك،سواء ذي الطابع السياسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي أو حتى الثقافي،لا يتجاوز سقف الممارسة الإستعمارية المفروضة بمنطق القوة،ولا تأثير لها على الإطار القانوني الكوني للصحراء الغربية.

لا اختلاف في أن المحطة الإنتخابية مُنعطف مهم في كل (نظام ديمقراطي)؛ هو الآخر يمر من مرحلة الحمل و المخاض ثم الولادة،بل إنها إختبار حقيقي لإرساء دعائم الديمقراطية. فبذلك حرصت الحكومات و التنظيمات السياسية و البرلمانات على اختلاف مشاربها على وضع قواعد قانونية واضحة للتباري الإنتخابي.لكن السلوك أو الممارسة الإنتخابية بالصحراء الغربية مبنية على بنى غير نزيهة و غير شرعية في جميع مراحل “العملية الإنتخابية” : بدءً بالتسجيل في اللوائح و إنزال أفواج من (الناخبين) لا ينتمون للإقليم،والتسجيل بعدة دوائر لذات الأشخاص و التصويت المزدوج لصالح نفس “المترشح” أو “المرشحين” في نفس الوقت،إلى الزج بأسماء الموتى في اللوائح وحضور صبغة الإكراه و التهديد المباشر و الناعم،و القرينة الكاثوليكية للمال الأسود بالسياسة العرجاء … كل هذا بمباركة و تزكية “صاحب مقترح الحكم الذاتي” دون أن يبدي أي تصرف يذكر،وهو الذي يحصي أنفاس المواطنين الصحراويين عبر أجهزته و أعوانه،كلما  تعلق الأمر بمن لا يرضى عنهم بسبب مواقفهم و أرائهم السياسية المخالفة _للتوجه الرسمي_ كما يقال. فهل تخفاها خافية “لعنة الانتخابات”؟

في مجتمع تغلب فيه العشائرية بالشكل المكثف لها  نتيجة سيادة روح القبيلة و تأثيرها الحاضر في كل شيء. أو كما يحددها _ميشو بلير_ بماهو مشترك بين الأفراد و بما اعتادوا تملكه جماعياً. فالمسألة في عمقها السوسيوسيكولوجي تطرح الفكر القبلي الممزوج بميكيافيلية المصالح كصانع للحقيقة المجتمعية و المدنية.فابن خلدون في مقدمته،ص129 ،يسترسل :

(…) القبيلة لا تتحدد بكونها متجذرة أو متفرعة عن جد أول. ولا تتحدد فقط بما قد يجمع بين أعضائها من روابط الدم؛ إن النسب في معناه الضيق لا يعدو أن يكون معطى وهمي لا يصمد أمام وقائع الإختلاط و علاقات الجوار و التعايش المكاني،أما في معناه الرمزي _أي النسب و الإنتساب_ أو ما يماثله من أشكال التحالف و الولاء و الإنتماء فإنه يشكل الإطار الحقيقي للقبيلة،ويظل هذا الإطار غير مكتمل  طالما لم تعززه عناصر الألفة و التعامل الطويل،طالما لم يكتسب الفرد عادات و أعراق القبيلة ولم يتبلور لديه الوعي بوجود مصلحة عامة و مشتركة (…). ويقول ابن خلدون بصريح العبارة؛ (لا معنى لكونه من هؤلاء أو هؤلاء،إلا جريان أحكامهم و أحوالهم عليه كأنه التحم بهم). إنها القبيلة إذن، و تفاعلها بشبكات المصالح، من داخل إقليم الصحراء الغربية، يولد أفعال سياسية خاصة تجد بين ثناياها استحالة الإتيان بفعل فردي منفصل عن ماهو تقليدي.وهنا نستنتج قدرة النسق القبلي الممزوج بسيادة الولاءات و برغماتية المصالح على توجيه السلوكات السياسية و الثقافية للأفراد و الجماعات، وكما يقول _جورج بالاندييه_ : “عامل القرابة المتمثل في نظام السلالات هو المحدد للعلاقات السياسية عموماً.”(1)

لقد استفادت الإدارة المغربية،منذ أفول القوى الإستعمارية الفرنسية و الإسبانية، بسط نفوذها و تجذرها و استمراريتها مما يُعرف “بالنخب التقليدية”، وهي تلك الفئة العشائرية التي تقتات على مشروعية قامة القبيلة وفق ظوابط مرجعية ثابتة؛ كالنسب،الوراثة،الجاه،الإرث التاريخي … كل هذا لازال قائماً ولو بشكله الرمزي و الثقافي لا الظاهري.و قد برزت “نخبة جديدة” في صيغة “أعيان جدد” داخل الجهاز الإداري،هي الأخرى تستمد مشروعيتها من سخاء الإمتيازات التي يمنحها النظام السياسي المغربي مقابل الحفاظ على سير مصالحه التي لا تتجاوز داخل المجال السياسي الصحراوي [مصالح اقتصادية و أخرى أمنية]،وكذلك الرصيد المالي و الإقتصادي للشخص الذي يعض عليه بالنواجد،كما تناوله “مارشال سالنس:”الرجل العظيم يصل إلى السلطة بفضل ما راكمه من ثروة مادية. فمكانته الاجتماعية و السياسية تجد مبررها في الجانب المادي و توظيفه في الوصول إلى السلطة .”(2)

تتميز الانتخابات في الصحراء الغربية بحكم النسيج القبلي،بأنها لا تخضع لمنطق “الإنتماء الحزبي”،هذا الأخير _غير الموجود أصلاً_ بحيث لم يثبت أن كان شخصا ما شارك في عملية التصويت من منطلق إيمان و قناعة “ببرنامج حزبي” معين،وإنما “أعيان قبلية” لم تقرأ ولو مرة واحدة “القانون الأساسي للأحزاب” الذي يرتدون عبائتها،ويلهثون وراء “تزكيات حزبية” لكسب رهان “الحملة الانتخابية”. وانتهى الفيلم حيث موعدنا في “المسرحية القادمة”.

وختاماً؛ فما بين التصويت في صناديق “الإستفتاء لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية” وصناديق “الانتخابات المغربية”،تبقى كلمات من قبيل (المواثيق الكونية،العدالة،الديمقراطية،حقوق الإنسان …) تهرول باحثة عن بيئة صحية كي تحط الرحال فيها.

 

  • Balandier G, Anthropologie Politique, PUF, Paris 1967
  • Sahlins M Poorman, Richman chief political types in Melanvesia and Polynesia comparative studies in societs and history, 285- 303, (1963).
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع