الدراسة العلمية للأديان(La Science des Religions)

327

خالد بوفريوا(المغرب)

يبدو ان ثورة العلوم الانسانية القائمة على الفحص العلمي الدقيق كانت قد دقت اجراسها بفعالية منذ بداية القرن 19م, وحلقت عاليا في القرن 20م وأصبح ينظر الى الدين كنشاط انساني يمكن التعرف اليه علميا عن قرب مثله مثل بقية الحقول التي انتجها الانسان : السياسة, الادب, الاجتماع, النفس, اللغة…
فهل استطاع علم الاديان ان يقف على مرتكزات علمية ومنهجية ويضمن لذاته موطئ بداخل حقل العلوم الانسانية جمعاء ؟
كان ميلاد علم الاديان على يد “ماكس مولر” ابان سنة 1868 بعتباره فرع بداخل حظيرة العلوم الانسانية المعني بدراسة الاديان ,دراسة علمية وفق مناهج البحث التي وفرتها العلوم الانسانية (1) . فهو يشبه علم الانثروبولوجيا الذي يدرس بقايا الانسان وثقافته, ويشبه كذالك علم الاقتصاد الذي يدرس حركة المال والأعمال.. صحيح استحالة الوصول الى معرفة أي دين او جوهر الاديان مجتمعة بسبب ما يلف الشعور الديني من غموض يتصل بالنفس وأعماقها من جهة, وبالنظر الى الكون وأعماقه من جهة ثانية. لكن علم الاديان يحاول ان يقترب من الظاهرة الدينية ومحور الاديان بوسائل علمية وفكرية لأجل الدراسة والتحليل وكما اشار الى ذالك عالم الاديان الهولندي “فان در ليو” (Uan Der Leeuw) ان ماهو موضوع في نظر الدين يصبح هو المحمول في دراسة علم الاديان فالله هو الذي يعمل في نظر الدين بالنسبة الى الانسان, اما العلم ليعجز عن الكلام عن الله (2) وكما ذهب كذالك “ميشيل مسلان”(Michel Meslin) ان علم الاديان خاضع لتاريخ الاديان, ويقبع عند ملتقى مباحث شتى من تاريخ, وظواهرية, وعلم نفس, وعلم الاجتماع ,موظفا مناهجها وتصنيفاتها (3)(…) .وهذا يعني ان علم الاديان علم دراسة علاقة الانسان بالمقدس وما ينتج عن ذالك من تراث شفهي او مكتوب او معمول اذ يدرس العلم هذا التراث ويصل عبره الى وصف وتفسير الشعور الديني وقد ;جاء تأسيس علم الاديان في الربع الثالث من القرن 19 م على يد “ماكس مولر” _كما اشرنا_ الذي ينتمي للحقل الالسني في هذا العلم, وتكمن اكبر مساهماته في التأسيس المبكر لعلم الاديان في وضع مصطلح )علم الاديان (في كتابه ذي الصيت العالي” المدخل الى علم الأديان ” بالإضافة الى “ورود ولف اوتو” و “مرسيا الياد” .
والحقيقة ان الدراسات الدينية لم تتحول الى علم الاديان قائم الذات إلا مع حلول القرن 20 م, فقد كانت هذه الدراسات (الدراسات الدينية) مجرد نقد سطحي وعام للأديان في العصر القديم او حتى في العصر الوسيط تارة منحازة وغير موضوعية وتارة اخرى تلفها النزعة الاعتقادية . وبذالك فهي لا تنتمي الى علم الاديان بشيء حتى في العصر الحديث لم تظهر الدراسات الدينية العلمية اللهم بعض الشذرات من قبل بعض المفكرين و الفلاسفة المتنورين.
و علم الاديان كوصفة سحرية تحتوي على مجموعة من المقادير منها” الثيولوجيا “او ما يسمى بعلم اللاهوت وهو فرع متخصص بدراسة المعتقد/ المعتقدات داخل دين ما. ثم” الميثولوجيا” او ما يدعى كذالك بعلم الاساطير, بالإضافة الى” ليثورجيا” او علم دراسة الطقوس وفي النهاية” الاسكاتولوجيا” وكل ما يتعلق بالموت و عالم ما بعد الموت. كل هذه التركيبة متفاعلة مع بعضها تشكل لنا المكونات الاساسية لعلم الاديان من اجل الدراسة العلمية والمنهجية للأديان .لكن السؤال الذي يفرضه سياق الكلام هنا ما ضرورة علم الاديان ,او بالأحرى ما الحاجة الى علم الاديان :
نرى ان الحاجة الماسة تكمن في ثلاث نقاط محورية :
اولا : نقل دراسة الاديان من المسلمات القدسية التسليمية التي سادتها طيلة الزمن الماضي الى الفحص العلمي والدراسة الاكاديمية التي تواجهها مسلمات البحث العلمي في كل مجال .(4)
ثانيا : فهم الظاهرة الدينية داخل التاريخ والواقع وليس خارجهما واعتبار الاديان مترابطة التواتر والتشكل ولها سياق تاريخي (5) .
ثالثا : علم الاديان علم حيادي قدر الامكان ; ينبذ المواجهات الايديولوجية التي تعتري بعض علمائه بسبب خلفياتهم الدينية او العرقية او الثقافية او سياسية… ويعمل على تعليل حيادي لكل الاديان او لدين واحد مهما كانت النتائج المترتبة عن ذالك شرط, ألا تكون تلك النتائج ايديولوجية او تفضيلية .(6)
بعض تجولنا بداخل رواق علم الاديان واستيعابنا الجيد لهذا الاخير, لابد ان نشير الى ان حل اللغز الديني لا يكون ولن يكون الى من خلال علم الاديان وان فهم الاديان او الظاهرة الدينية لا يمكن ان يكون من خلال الدين نفسه , او من خلال الفلسفة ; بل من خلال (علم الاديان) فحسب بكل مدارسه ومناهجه العلمية .
___________________________________
(1) خزعل الماجدي, علم الاديان, مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع, 2016, ص 51
(2) المرجع نفسه, ص 49
(3) ميشال مسلان, علم الاديان (مساهمة في التأسيس) , المركز الثقافي العربي, 2009
(4) خزعل الماجدي, علم الاديان, مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع, 2016, ص 53
(5) المرجع نفسه, ص 54
(6) المرجع نفسه, ص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع