الخلفية التاريخية للعلاقة بين المشرق و المغرب العربيين

252
الخلفية التاريخية للعلاقة بين المشرق و المغرب العربيين
علجية عيش
لماذا فشل العرب في المشرق و المغرب في بناء نموذج الدولة القطرية؟
(هل لمسألة الصحراء الغربية شأن إقليمي أم إفريقي أم عربي؟ و متى ينتهي الصراع الجزائري مغربي)

لقد فشل العرب في المشرق و المغرب في بناء نموذج الدولة القطرية و هم الذينتحدثوا عن الوحدة و كرسوا الإقليمية و الحدود بين الأقطار العربية، و لذلك سقطمشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن في الساحة العربية وعملية التطبيع معإسرائيل، بافافة إلى الصراع المغارب حول الصحراء الغربية التي لا تزال قائمة في التاريخ المعاصر و قد خصلها المؤلف فصلا خاصا في آخر الكتاب حيث ترك سؤالا مكروحا إن كان النزاع فيالصحراء على الأرض أم الشعب أم الموارد؟يرى صاحب الدراسة أن هناك مصالح استراتيجية حيوية في منطقة المغرب العربي و القارة الإفريقية يحددها موقف الدول الغربيةو الشرقية هذا الوضع سببه ضعف الجامعة العربية و عدم قدرتها على اتخاذ قرارات فيظل الخلافات العربية و تردي ألأوضاع في الوطن العربي

قليلون هم الذين تطرقوا إلى إشكالية العلاقة بين المشرقو المغرب العربيين و تطوّرها و الوقوف علىومضاتها و إيجالياتها، و ما الأسباب الأخرى للإشكالية؟ سياسية و اجتماعية و هلالمسألة ثقافية بحتة أم دخلت بها و معها عناصر ، فكانت هذه الدراسة التي أجراهاالباحث عبد المالك خلف التميمي الذي عرض رؤيته من خلال كتابه “أضواء علىالمغرب العربي”، و الدكتور عبد المالك خلف التميمي من مواليد الكويت خريججامعة إنجلترا قسم التاريخ و تمكن من صياغة تصور تاريخي متكامل للتاريخ العربي المعاصر، و لكونه عايشالغزو العراقي للكويت فقد كرس قلمه و فكره الأكاديمي في معالجة الواقع العربيمشرقا و مغربا، كان من بين الذين ـأثروا بالثورة الجزائرية فكان له أن يفتح نافذةعلى المغرب العربي، إلا أن النظرة كانت عربية مشرقية و لم تكن مغاربية.

بدأ الكاتب هذا الجزء من دراسته بالوقوف علىالخلفية التاريخية لهذه العلاقات التي كانت في أعقاب الفتوحات الإسلامية عندما تمتاسلمت الشمال الأفريقي و تعريبه في القرن الأول الهجري و كانت الهجرات القبلية منالمشرق العربي أن تصل و تستقر في المغرب العربي كما ساهمت التجارة في تطوير هذهالعلاقات إلى أن كان هناك تبادل عائلي في إطار الإنصهار و الحج ، أصبح المغربالغعربي عغربيا مسلما هوية و انتماءً، من لشهر الهجرت الشرقية يذكر الكاتب الهجرةالهلالية في مناصف القرن الخامس الهجري، بحثا عن الذهب و الفضة التي كانت تزخر بهما افريقيا، متخذين الطريقالصحراوةي عبر مصر و السودان إلأى مناطق الصنهاجيين في الشمال الأفريقي، وثقافية ،و قد قدم الصنهاجيون تسهيلات للتجار المشارقة و فتحوا لهم طريق التجارة، كانللرحالة من العلماء دورا في تطوير العلاقات، تركات آثارا عندما تبنى المشترقةفمكرة القومية العربية على أساس علماني فيمرحلة الإستعمار و بعيد الإستقلال لأسباب موضوعية.

و قد كان الكاتب منصفا عندما أضاف أن في المغر بالعربي كان هناك اندماج كبير للعروبة بالإسلام في النشاط الثقافي قام به أفراد و مؤسسات تعليمية و ثقافية، و كانطابع التعليم و الثقافة دينيا حتى نهاية القرن التاسع عشر، و الفضل يعود للرحالة علىغرار ابن حوقل في القرن العاشر و البكري في القرن الحادي عشر و الإدريسي و ابنبطوطة في القرن الثالث عشر و أوائل القرن الرابع عشر و العمري و ابن خلدون في القرن الرابع عشر و الحسن الوزان في القرنالسادس عشر و غيرهم، و حول رحلات المشارقة إلى الجزائر و رحلات الجزائريين إلىالمشرق، كان محمد عبده أول شخصية مشرقية دينية تقوم برحلة إلى الجزائر أواخر القرنالتاسع عشر و ألقى خلالها عدة دروس في قسنطينة و مدينة الجزائر و كان لها أثركبير في اوساط المثقفين الجزائريين لماكان يتمتع به محمد عبده من أفكار متحررة و آراء مستنيرة، ثم رحلة ابن باديس إلىالشام و الحجاز للإطلاع على حركة النهضة في المشرق و اتصاله بالمفكرين المشارقةمثل رشيد رضا و البيطار و غيرهم، فكان هناك وعي للنخبة المثقفة بالواقع و أحوالالأمة.

كان لمحمدعبده و الأفغاني دور في ان تستقي حركةالإصلاح الجزائرية أصولها الأولى، ما يؤكد أن المسألة الثقافية و الفكرية تمتد جذورها في التاريخ لعدة قرون، هل كانالدكتور خلف التميمي منصفا عندما قال أن الفكر العربي تاريخا هو فكر مشرقي، و هل كان يريد القول أن المغرب العربيكان تابعا للمشرق العربي فكرا و ثقافة؟ أو أنه اقتبس ثقافته منه؟، إن مثل هذاالكلام يجعل القارئ المغاربي يتساءل إن كانت فعلا هناك تبعية فكرية أو ثقافيةللمشرق العربي، و هل لا يوجد مفكرون و علماء مغاربة؟ و هل لم يكن هناك إنتاج إبداعي فكري ثقافي مغاربي؟ فما نقرأه عن فكرالمغاربة من علماء و مؤرخين و إبداعهم لاصلة له بالتبعية الفكرية، أما قول الكاتببأن المركزية المشرقية سيطرت على الثقافة العربية، فهذا راجع كما أردف هو إلىاحتكاك المشارقة بالغرب، بالإضافة إلى أن نضج الحركة القومية العربية مشرقيا سببهااتفاقية سايس بيكو اثناء الحرب العالمية الأولى و ظهور الحركة الصهيونية و نشاطها لإقامةالوطن القومي حيث عجلت في تقسيم المشرقالعربي، ثم أن الظروف التي عاشها المغرب العربي طيلة فترة الإستعمار تسببت في ضعفو تدمير المراكز العلمية و الثقافية، فكان من الصعب أن يستعيد ثقافته ة تراثه فيوقت قصير.

هل لمسألة الصحراء الغربية شأن إقليمي أم إفريقي أم عربي؟

لم تقف نخبةالمغرب العربي مكتوفة الأيدي بل عملت على استعادة موروثها الثقافي، و لذا عملالمغاربة على إنشاء “جبهة وطنية مغاربية” ( تونسية- جزائرية -مغاربية) خلال عقدهم مؤتمر لهم في القاهرةفي فيفري 1947 لمواجهة الإستعمار و العمل من أجل الإستقلال و وحدة أقطار المغربالعربي، و لم يتوقف المغاربة عند الإهتمام بقضيتهم الوطنية، بل تفاعلوا مع القضاياالعربية الأخرى و بالأخص القضية الفلسطينية التي كانت تواجه الإستعمار الصهيونيالذي كان يسعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أنهم انقسموا و تحولوا مناشقاء إلى أعداء بسبب ملف الصحراء الغربية التي تبعته مسألة التطبيع، و رفع الأشقاءالمغاربة ( الجزائر و المغرب) شعار الكراهية و العدائية و لم يعد لمشروع اتحادالمغرب العربي حديث و لا حتى مشروع الدولةالقطرية، حيث فشل العرب في المشرق و المغرب في بناء نموذج الدولة القطرية و لذلكسقط مشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن في الساحة العربية و عملية التطبيعمع إسرائيل، و يختم صاحب الكتاب دراسته بالقول أن العرب عادوا إلى عصر القبلية والطائفية و العشيرة و العائلة فلم ينجحوافي بناء الدولة القطرية الحديثة، إن الأزمة التي وقع فيها المشارقة و المغاربة كمايضيف تتمثل في انقسامهم إلى تيارات فكرية بعضها أصولي تقليدي و بعضها تحديثيتقدمي، فضلا عن الأطروحات التي دفعتهم إلى إلغاء الآخر، و الأزمة كذلك تتمثل فيغياب الوعي في معالجة القضايا كملف الصحراء الغربية ، و قد خص لها المؤلف فصلاخاصا في آخر الكتاب.

و دون التطرقإلى موقع الصحراء الغربية و عدد سكانها فقد تطرق إليها الكاتب في الصفحتين 244-245من كتابه و الإحصائيات التي قدمتها لجنة الوصاية للأمم المتحدة و هي طبعا أرقاماقديمة ، فالأرقام التي ذكرها الكاتب أعطيت في منتصف السبعينات ثم أن الكتاب طبع في2011 ، لكن من الضروري التطرق باختصار إلى تاريخ شعب الصحراء الغربية، حيث يرجعوجودهم إلى القرن الثاني بعد الميلادعندما رحل عدد من البربر الصنهاجيين باتجاه الصحراء بحثا عن مستقر آمن، حيث اسسفيها ابناؤهم الدولة المرابطية، و في القرن التاسع الميلادي بدأت القبائل العربيةالحسانية تصل إلى الصحراء، و الشعب الصحراوي يتكون من عنصرين هما العرب و البربر،لم تكن هناك حدود معترف بها بين الشعبين الصحراوي و المغربي، يقول الدكتور خلفالتميمي الذي يعتبر شاهدا أن التطورات التي حدثت في عصر المرابطين قد تثير قضيةالحق التاريخي بعكس ما يطالب به المغرب اليوم و هو أن المراطبين قد خرجوا منالصحراء الغربية و حكموا المنطقة كلها بما فيها المغرب، و لذلك كانت المغرب في ذلكالوقت و بذلك المعنى تابعة للصحراء و ليس العكس، مما يفسر عدم تبعية الصحراءالغربية للمغرب لأنه لم يكن هناك دمج ترابي بين المغرب و الصحراء الغربية و يتضحذلك من خلال الإتفاقية المغربية الإسبانية التي وقعت بين الطرفين في عام 1767م، ثم تلتها اتفاقية بين فرنسا و اسبانيالتحديد الحدود عام 1902 .

ربما يقف القارئ مع موقف الكاتب حينما قال أن هذا الحق التاريخيالذي يثيره المغرب في مطالبته بالصحراء يحتاج إلى مناقشة و إعادة نظر، خاصة و أن هذه المطالب واجهتها معارضة إقليمية و أفريقية و دولية،منها تاييد الجزائر للصحراء الغربية و تقرير مصير الشعب الصحراوي و اعترافموريتانيا بالشعب الصحراوي بعد انسحابهامن الصحراء، ثم قبول منظمة الوحدة الإفريقية الصحراء الغربية كعضو و الإعتراف بهاكجمهورية ديمقراطية و غير ذلك، أما الجانبالجزائري يرى الدكتور خلف التميمي فإنالجزائر تخشى إن نجحت المغرب في افستيلاء على الصحراء أن تعود المغرب للمطالبةبإقليم تندوف في جنوب الجزائر الغني بمعدن الحديد، كما أن الخلافات السياسية والحدودية و افيديولوجية بين المغرب و الجزائر لها تاثيرها على العلاقات بينالبلدين و على موقف الجزائر من قضية الصحراء، و هذا الخلاف السياسي و الإيديولوجيمع المغرب يجعل الجزائر في موقف معارض لسياسة المغرب و مؤيد للثورة في الصحراء.

ماذا عنالموقف الخارجي ( الغربي و الشرقي)؟

يرى صاحبالدراسة أن هناك مصالح استراتيجية حيويةفي منطقة المغرب العربي و القارة الإفريقية يحددها موقف الدول الغربية و الشرقية ،فالأسطول السادس يرابط قرابة السواحلالإفريقية الشمالية، و إن الغرب يستورد الغاز الجزائري و النفط من أكثر من بلد كماان بعض الدول الغربية تحصل على الفوسفات من لمغرب و الصحراء الغربية، ما جعلىالولايات المتحدة ألأمريكية تدخل طرفا فيقضية الصحراء الغربية منذ عام 1975 كوسيط يسهم في حل المشكلة، أما عن العرب فقدانقسموا بين مؤيد و مدعم لقضية الصحراء الغربية وبين معارض حيث وقفت بعض الدولالعربية إلى جانب المغرب في مطالبها بضم الصحراء بعضها بدافع قومي و بعضهاالآخر من أجل خلق كيانات جديدة، يضاف إلىهذا الوضع ضعف الجامعة العربية و عدم قدرتها على اتخاذ قرارات في ظل الخلافاتالعربية و تردي الأوضاع في الوطن العربي.

قراءة علجية عيش

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع