بعدما طلب مني أن أدخلَ إلى مكتبِه وأجمع جميع الملفات التي تختصُّ بالأبحاث الطبية والعلمية وأيضا الأدبية، دهشتُ مما رأته عيناي، فأنا ولأول مرة أرى به مكتبه الكبير الذي يضاهي منزلنا الريفي، ففي كل مكان في الجدارن توجد لوحة له وهو يتسلم جائزة أو أنّه يسلم على أشخاص من مستوى رفيع في المجتمع، غير الشهادات العلمية العظيمة التي حصدها،تهت في هذا المكتب ونسيتُ لم أتيتُ إلى حيث أنا، ولأقول بصراحة أنّها كانت فرصتي لأرى أشياء لم أرها سوى في الأفلام والمسلسلات، كان في آخر المكتب مكتبة كبيرة تحوي في داخلها الآلاف من الكتب والروايات العربية والغير عربية أيضا، يوجد أيضا رفًّا مليئة بالأوراق الكثيرة المرتبة وعندما استرقت النظر عليها كانت أبحاث مسطرة عليه اسمه من كافة المجالات، يا إلهي!
شاب في مقتبل الثلاثين من عمره ويملك كل هذا العلم، لا أدري أأحسده أم أحزن عليه لأنه لم يعش كغيره من الشبان؟
حمقاء أنت، كيف لي أن أحزن عليه؟
بل يجب أن أفخر به كونه أستاذي ومعلمي الأول، لكن ما الذي فعله لينال كل ما ناله؟
ربما هناك سر عظيم في حياته، لكن لم أكتفِ في بعثرة أشيائه الخاصة، وصراحة لا أقصد البعثرة لكن هذه فرصتي ربما أجد السر الذي أوصله إلى هذه المكانة العالية، وعندما بحثت في جميع الزقق والرفوف والجوارير لم أجد سوى صورة لطفل صغير أمام المكتب، مهترئ الملابس، حافي القدمين، باهت الوجه، ذابل العينين، لكن من هذا؟
وما هي قصته؟
لفتتني هذه الصورة بشكل كبير، وبعدما أنهيت كل ما طلبه مني الدكتور صاحب أكبر الشركات في هذه البلاد أتى من اجتماعه، وسألني الكثير من الأسئلة تخص العمل، لكني هناك شيء في داخلي يقول لي:اسأليه عن هذه الصور.
بالفعل قمت وسألته عنها، لكن ما إن انتهى من توبيخي وإلقاء التهم علي بأنني أبعث في أشيائه الخاصة أخبرني بأنه هو ذاك الطفل.
اجحظت عيناي ونظرت إليه بتعجب، لم يخبرني شيئا إلا جملة واحدة وربما لخصت الكثير مما أراد قوله، فقال:
“الفقر، الضعف الطموح القوة الجهل والعلم الظلم العدل إن تقابلوا فيما بينهم سيتغلب من هو أقوى في القلب والعقل، وهذا ما جعلني انتصر”
فلسفته هذه جعلتني أفكر بها ليلا ونهارا، حتى أنني كتبتها في جميع دفاتري واختفظت بها في هاتفي الشخصي لكي لا أضعف، أعتقد أنه واجه الكثير من المتاعب في حياته، لكنه تصدى لها بكل قوة وشجاعة.
إسراء إسماعيل الجرجاوي
