الأدب والحقيقة/ هامش على سيرة مي وآلامها

124
الأدب والحقيقة
هامش على سيرة مي وآلامها
حمود ولد سليمان
غيم الصحراء

 

1/

هذاالصباح وأنا أقرأ صحيفة القدس العربي اللندنية قرأت مقالة قيمة “ذكرياتالكسندر زيادة : توريث الضغينة “

للكاتبالكبيرالروائي الأستاذ واسيني الأعرج ،الذي أجله وأكن له محبة كبيرة ودائما يهمني أن اواكب ما يكتب في هذه الصحيفة وذالكلأسباب عديدة منها أن هذا الكاتب الجزائري الأصيل في كل كتبه التي قرأتها له : نوار اللوز .ضمير الغائب حارسة الظلال.سيدةالمقام .انثي السراب . طوق الياسمين .شرفات بحر الشمال .كتاب الأميروأخري لاتحضرني،مبدع أصيل . ذا ثقافة واسعة ولغة جميلة تأسر القاريء .وزيادة علي ذالك يكتب بنشاط وحيوية نادرة ، منذ سنوات وأنا أتابع مقالاته علي القدسودائما ألمس فيما يكتب روح الجدة والصدق والعمق . كأنه ييحث عن الحقيقة مهما كانالأمر .يواجه كل شيء ويستميت في الدفاع عنها ، من أجل ابرازها ناصعة ،وهذا في نظري من الخصال النبيلة ومن صفات الكاتب الجيد ، منذ سنوات كتب واسيني الاعرج صاحبالضمير الحي المولع بتقصي الحقائق ،والبحث في البقع المعتمة عن النور بغية تحريرأسري”الكهف الافلاطوني” .علي خطي برمنيدس المعرفي .تحمله الجياد في كل واد ،يخوض الحرب مع سدنةالتاريخ مراهنا علي انتصاره علي جحافل الظلام ،

كتب واسيني : مي / ليالي إيزيس كوبيا وهي سردية أدبية تاريخية توثيقية / عن مي زيادة ، وظل بين الحين والآخر يعود في مقالاته عليالقدس إلي تراجيديا هذه المبدعة العربيةالكبيرة التي ظلمها بنو جلدتها .وألصقوا بها التهم الكثيرة ولم ينصفوها بعد مماتهاوظلت صورتها مهزوزة كما كانت في حياتها ،إهتمام واسيني الأعرج بمي زيادة هذه المسكينة التي عاشت حياتها معذبة لينتهيبها المطاف في مصحة للامراض العقلية ومن ثم الموت .

بالرغم من الدرامية في سيرة مي أعتقد ليس كل ذالكهو السبب في شغف واسيني بكتابة سيرتها وان كان ذالك دافعا سرديا وانسانيا قويا ،وإنما رهان الكاتبورؤيته الأدبية علي البحث عن الحقيقة التي لا يري الأدب مهما ولا جديرا بالاحترام إلا عندما يستطيع ان يقولها ويكشفها بكل صدق وتجرد وهو وترحساس عزف عليهالكاتب في سيرة الامير عبد القادر الجزائري في كتاب الأمير ويعكس رؤية واسيني للأدب .اذ الكتابة تصبح بهذا المعني نضالا وصراعا قويا لقول الحقيقة ،فنراه كثيرا في مقالاته يدعو لذالك .كما يكتب في سيرته عندما تعرض لمحاولة اغتيال وأدرج اسمهفي قائمة المطلوبين المبرمجين للقتل”أيام العشرية السوداء في الجزائر” .فنراهيراهن علي الكتابة ويلوذبها من أجل الحقيقة والحياة .

2/

فيأدبنا العربي وحسب علمي المتواضع ، من النادر أن نعثر علي كاتب يجعل من المصداقيةفيما يكتب ركيزة أساسية وجوهرية في مشروعه الأدبي ،وربما يعود ذالك لأسباب كثيرةمنها أن العقل العربي وان كانوا علمونا انه يحب الفصاحة فهو ليس كذالك .انما يحبالرطانة واللف والدوران وحجب الحقيقة .ومن يجرؤ علي قول الحقيقة أو تسول له نفسه ذالك سيقع بلاشك في ورطة كبيرة قد لايخرجه منها سوي الموت .عندما ظهر المتنبي وشغل الدنيا وملأ الآفاق .قالوا ادعي النبوءة وانه مغرور بالإثم ؟ وتحركسدنة التاريخ علي مقصلة النصوص يشحذون أنصالهم .يدفعهم سوء الفهم لقول أحمد بن الحسين :

مامقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بيناليهود

(وتمتنميط المتنبي في هذه الصورة )

ونفس الشيء مع حكيم معرة النعمان الذي ألصقوا به التهم الكثيرة ثم أدرجوه في قائمةالملحدين (وتم تنميط حكيم المعرة في هذهالصورة ) ولايزال أبي العلاء عظيما وأني للذي يقول في الشيوخ الجهلاء :

يتلونأسفارهم والحق يخبرني

بأنآخرها مين واولها

صدقتيا عقل فليبعد أخو سفه

صاغالأحاديث إفكا اوتأولها

أنيلهذا المبصر العظيم المحارب للكهنوت البائس أن يموت ؟!

وعندماتفتقت عبقرية الاورفليسي الخالد إبن لبنان جبران خليل جبران قالوا سلخ ابداعه مننيتشة وعدوه غريبا وخارج العصر (وتم تنميط هذه الصورة )

والامثلة كثيرة .ومثيلات مي زيادة وامثالها كثيرون والكارثة الكبري ان سدنة التاريخ والنقد يحشون الرؤس بثقافة الزيف والتعود علي حجب الحقيقة

وتعاطي الأدب علي هذا الفهم والأفق الذي يستبعد التفكير في الحقيقة / لأن مداره في نظرهمهو الكذب وإذا كانت النظرية النقديةالقديمة تقول أصدق الشعر أكذبه / و ان كان الكذب المقصود هنا هو / المجاز فإن الكثير من الشعراء والكتابنتجة تمثلهم لهذه النظرية اصبحوا كذابين في كل موقف وفي كل شيء

3/

الأدب العربي اليوم بحاجة إلي من يساهم في التكريس المؤسس لمفهوم الكتابة بحثا عنالحقيقة واستبعاد الفكر الذي كرسه سدنةالتاريخ في التعاطي والفهم الأدبي ،

الكتابة لحظة صدق مع الذات ومسؤولية ضمير وأخلاق وعلي الكاتب أن يظل وفيا لشرطيتهالاشرطيته هو حتي الموت ، لان ذالك هو ما يجعلها كتابة أدبية اما غير ذالك فهو كذبوهراء ووهم

********

فضيلةالصدق هي اعظم فضائل الإبداع وفضيلة البحث عن الحقيقة وقولها هي أعظم فضيلة لدي الإنسان وفي الأدب هي الاجمل وهي الأبقىوالأنفي ،والادب العظيم هو الذي يعلمنا البحث عن الحقيقة وحب الحقيقة وقول الحقيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع