أي الرجال نستأجر ؟

148
أي الرجال نستأجر ؟
حشاني زغيدي

 

 

في معركة الوعي، لابد من اليقظة، و التبصر ، علينا استعمال الحدس لكشف الزيف و الخداع، فالمخادع دائما يلجأ في معاركه و حملاته لعمليات تنويم و تحذير ، يلجأ لجلسات التنعيم حتى يسرق الأضواء، و يجلب الانتباه، يوظف الحيل و الشبه ، و قد يلجأ للمساحيق ليغير لون بشرته الشاحبة، كي يظهر للعيان ذاك
الحارس الأمين ، حامي الحمى ، و أيامه و لياليه تحمل المخازي و الويلات .

العاقل منا لا يرضى أن تعاد النسخ البالية للظهور مرة أخرى ! ولا أحد منا يرضى أن يجدد العهدات و دورة الحياة مرة ثانية لمن خيبوا ظنوننا مرات و مرات ! و لا واحد منا يرضى أن يغامر بمستقبله و مستقبل الأجيال بحماقات الاختيار، فيعيد عقارب الساعة لسابق عهدها من جديد !

فقد تتمكن الخلايا النائمة و بقايا الأجزاء التالفة ؛ أن تتجمع من جديد ، تتجمع بنفس الوجوه القديمة المساندة و المبايعة ، و قد يبذل كل مستفيد و نفعي الجهد ليحافظ على المكتسبات السابقة ، و يمكن أيضا لجماعات الممانعة أن توظف نسخ الاحتياط و تنخرط في خفاء لتعيد الدورة لسابق عهدها و هي سنة ماضية في التاريخ .

قد يحصل هذا و ذاك في أي زمان أو مكان ، يحصل ذلك حين يغيب الوعي، و تغيب الحسابات ، و حين ينزوي المقهورون و اليائسون في البيوت أو المقاهي أو الخلوات ، و حين ينزوي متحججون بأن الأمر لا يعنيهم ، و هم لا يدرون أن السحرة يلقون حبال الخداع على الفريسة .

الحقيقة أن تلك الخدع سهل كشفها و إبطالها، شريطة أن نعيد شريط الأحداث الماضية، نستحضر الواقع المؤلم، نستحضر المخيبات ،نستحضر كل الإخفاقات التي حصلت بسبب اختيارنا الغير مدروس .

كل ذلك يحصل حين يغيب الوعي ، فتتجدد دورة حياة الفساد و نحن نائمون ، و تعود أيامهم السابقة، في لحظات الغفلة ، نهدي الأوسمة و النياشين للسارق المارق، و قد اكتوينا بلاسعاته .

أن الواقع لا يكذب ، فالرجولة تصنع في واقع حي ، واقع ملموس ، يصنع في الأجواء الصافية الغير ملوثة ، فينشأ الرجل طاهر اليد ، طاهر اللسان ، الصادق في معاملته ، الرجل الذي يشار له بالبنان ، فعيون الواقع لا تكذب .

أحبتي لم تخطيء ابنة نبي الله شعيب حين أشارات بالرأي الحصيف لأبيها و هي تستحضر صفات رجل المرحلة *” **قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين** “* و هذا الحكم الصادق قد يقوله كل مخلص واع، يحب الخير لوطنه ، يحب الخير لمجتمعه، يحب الخير لأمته ، فالرائد لا يخدع قومه. أي أحبتي في ميدان الرجولة تتجسد القيم و المثل على أرض الواقع ، تتجسد القيم في مرونة و سهولة ، فترى الرجل القدوة ، يقسم الأدوار في توازن دقيق ، فلا تتغلب المصالح الذاتية على المصالح العامة ، فبيته و أسرته و أعماله الخاصة تخضع لمعيار الجودة ، حياته الخاصة بلا خدوش ، حياته بين قومه بلا علل .
نعم حياتنا الخاصة تلقي بظلها على حياتنا العامة ، فإخفاقات الحياة الخاصة علامة واضحة على إخفاقات الحياة العامة ، و قد كان الرجال العظماء يتخوفون من الاختلال في الحياة الخاصة .

و لو نقلنا جانبا من سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبرز لنا هذا الجانب الجوهري في المقال فحياة الشخصية العامة تتأثر سلبا و إيجابا ، فوجب أن توضع حياة الرجال الخلص تحت محك المحاسبة الخاصة فيحاسب الرجل الصالح نفسه، وأهله، فحياتهم تحت أبصار المراقبة ، و تصرفاتهم مرصودة ، يفعل ذلك لتحقيق القدوة الواجبة ، كي يحصل الاقتداء و التأسي ، فكان عمر رضي الله إِذا أراد الخروج للناس في تبليغ أمر من أمور العامة ، يبدأ بخاصة أهله قائلا” :

” *إِنِّي نهيت النَّاس عن كذا، وكذا، وإِنَّ النَّاس ينظرون إِليكم، كما ينظر الطَّير إِلى اللَّحم؛ فإن وقعتم؛ وقعوا، وإِن هبتم؛ هابوا، وإِنِّي والله لا أوتى برجلٍ وقع فيما نهيت النَّاس عنه إِلا أضعفت له العذاب، لمكانه منِّي*، *فمن شاء منكم أن يتقدَّم، ومن شاء منك أن يتأخَّر** ” . *

وكان رضي الله عنه شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده، وأزواجه، وأقاربه.

من أوصاف الرجال الموضوعين لخدمة الأمور العامة ؛ أنهم يحترقون في العمل ، مجدون في انجاز المهمات ، يملكون القدرة على إدارة فريق العمل ، يشاركون غيرهم في صناعة القرارات الهامة ، و لهم الشجاعة أن يعترفوا بأخطائهم ، و لهم القدرة على تصحيح مسار أخطائهم ، فهم واقعيون بعيدون عن النرجسية و المزاجية القاتلة .

و في الأخير اختم بهذه الحكمة النافعة المنقولة عن الحكماء : *” إذا أردتَ أن تحصد بعد شهور، فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تحصد بعد سنوات فازرع شجرًا، وإذا أردت أن تحصد بعد جيل فازرع رجالًا ” *

الأستاذ حشاني زغيدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع