هوس نرجسي

195

هوس نرجسي

لئن كانت الصحة تاجاً فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلاّ المرضى، فإن التواضع إكليل غارعلى جبين المتواضعين من لم يصابوا بتضخم الأنا ،تاج لا يراه إلاّ العقلاء المترفعين عن الزهووالابتذال وآفة مدح الذات أولئك القوم الذين استوعبوا أن (ليس للرجل سوى مجد حقيقيّ واحد هوالتواضع ) فمن المضحكات المبكيات أن ينبري أحدهم في الإشادة بخصاله وتزكية نفسه أمام الملأ مبتعدا بذلك عن أسس الحوارالبناء الذي له قواعد ينبغي أن يلتزم بها الضّيف والمضيف على حد سواء ليحظيا معا باحترام المشاهد ويخرج المتتبع للجدل الذي يدوربين الطرفين بفائدة وبإضاءات حول الموضوع الذي طرح للنقاش ،
أمّاأن تتحول حصّة من الحصص إلى محض مهاترات لتحيد عن الهدف المنشود الذي أعدت من أجله فهذا ما يرفضه المشاهد اللبيب ولا يتقبله الذوق العام ويثير حفظية خلق الله الأسوياء ،وكيف لا وقد تمادى الضّيف في غروره رافضا أن يكبح جماح تبجّحه وكأن لا أنا واعية له ناسيا أن للشاشة عيونا ومتتبّعين حصفاء يفرقون بين الغث والسمين وبين الجدّ والهزل،نمط من السلوك يثيرالاشمئزاز ويجعلك تعتب ألف مرة على ذاك المهووس بذاته وآلاف المرات على معد البرنامج الذي كان ينبغي عليه انقاذ ما يمكن إنقاذه بتدخل لبق منه يوقف به اندفاعات ضيفه المجدف عكس تيارما استدعي للتحاور بخصوصه ، المنشغل بتعداد مآثره،فالذي أدريه ويعلمه كل حكيم متعقّل أن المتواضع لا يقول عن نفسه أنه متواضع،والصادق الأمين لا يصرّح بذلك ،والمؤدب لا يفتخر بأخلاقه ،والمثقف الحقّ لا يباهي بمستواه
فلقد جرت العادة أن يثني الآخرون عمّن تتوفر فيه تلك الميزات لا أن يصف الضيف نفسه بكل تلك الصفات الحميدة كأنه منزه عن الخطأ والعيوب وأنه وحيد زمانه وحتى إذا توفّرت فيه خصلة من تلك الخصال فإنه بالإفصاح عنها والمبالغة في التأكيد عليها دون مسوّغ ضروري يكون قد جنى على نفسه وأراق ماء وجهه وخسر تقديرمن يستمعون إليه إلى الأبد لأن (مادح نفسه كذّاب) كما تبيّنه هذه المقولة الشهيرة ، فلا ينحى هذا المنحنى سوى من كان مهووسا بأوهام العظمة ومن يشعر بنقص في جانب من جوانب حياته وشاء أن يلفت إليه الأنظار كنوع من التعويض إلا أن الكلام الذي تناهى إلى سمعنا قد انحرف عن مسار الحوار ومضمونه ولم يكن للأسف الشديد يناسب المقام .

نورة سعدي

.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع