هل ستعيد ثورات الربيع الأمجاد المفقودة ؟
سؤال دار لدى الكثير منا و حالة ترقبها العالم بقلق من حولنا أثناء ثورات الربيع العربي لما هو متوقع نتيجة لذلك لربما عادت أمجاد حاول العالم قديماً و سيحاول أن يدفعها بشتى الطرق و بأفكار جديدة يغزو بها أبناء المسلمين و العرب حتى لا يفكروا بعودتها مجدداً فالعودة في نظر ذلك العالم خطراً عليهم .
انطلقت الثورات في عالمنا العربي بدءاً من تونس مُلهمة الشعوب العربية و طافت البلدان البلد تلو الآخر فحققت نجاحاً محدوداً في أماكن و تضررت في أماكن أخرى .
كانت تلك الثورات أملاً للشعوب و قارب نجاة من بحر الظلمات لكن ذلك القارب بطبيعة الحال تعرض لرياح لم تكن رياح بحرية كما هو متوقع فحسب بل ساندتها رياح برية بما لا تشتهي تلك القوارب و لم تضرب لها حساباً فأضرت بذلك القارب و أفشلت محاولته للنجاة .
ثورات أكل عيش .. هذا الاسم بالذات في ظني أنه أحد الأسباب الأخرى التي لن تعيد بها الثورات تلك الأمجاد التي فقدناها فعندما تتلبس الثورات بلباس الجوع فقط فإنها تفقد الجوهر الذي يسمو بها و يساعد على عودتها و بالتأكيد ستخمدها بعض الوعود حول ذلك .
صحيح أن تلك الثورات ساهمت في قمع بعض الفساد و أنها ساهمت كذلك في إظهار شعائر الإسلام و كذلك في الحصول على مقدار جيد من الحرية لكن لو تأملنا لواقعها بشكل عام بعد أن شعرت أنها حققت الهدف الذي في ظنها أنها وصلت إليه هل عادت مجدداً و تلبست بلباس الإسلام الحقيقي الذي يكفل لها بعودة المجد التليد للأمة ؟
هل أصبح المواطن العربي ينعم بمقدار يكفيه و يرضي إنسانيته من الحرية و الكرامة ؟
هل استطاعت الشعوب أن تعود لتدير مؤسساتها ؟
لماذا فشلت بعد ذلك أو على الأقل تعرضت لهزات أثرت سلباً عليها ؟
لست هنا بصدد التقليل مما تحقق للبعض فلن يأتي كل شيء دفعة واحدة فالإرث كبير و بحاجة لمراحل حتى يعود كل شيء و لست كذلك بصدد التقليل من تلك المسميات أو الأهداف فمن حق الإنسان أن تتيسر له السبل ليهنئ بالرغيف فهذه من أساسيات بقاءه على هذه الأرض ومن حق الإنسان أن يتحرك من أجل ذلك و الله سبحانه وتعالى يؤيد كل باحث عن حقه لكنني أتحدث هنا عن عودة إنسانية الإنسان ليقوم بدوره الحقيقي بنفسه أو ليتابعه و ليعود معها ذلك الأمل الذي نعيشه بعودة الأمجاد للأمة .
إن الإنسان العربي لم يكن يوماً يملك تلك الحرية التي تجعله يشعر بأنه جزء من منظومة البناء الوطني و أن دوره لم يكن يتعدى فرد في قطيع أو كومبارس في فيلم عربي لا بد من وجوده و حتى تكتمل صورة دولة حقيقية و التي يفترض أن تتكون من أرض و حكومة و شعب فأُعطي ذلك الإنسان دور الشعب لتكتمل قانونية تلك الدولة .
إننا بحاجة إلى ثورة نعرف من خلالها حقيقة ما يدور حولنا و من هم أعداءنا الحقيقين لنتخلص منهم أولاً و أن نفهم أن القضية ليست فقط في رغيف أو حتى في توفير بعض الموارد أو صوت عصفور أُعطي لنا لنصدح به في غابة مليئة بالوحوش فالمخطط أكبر من ذلك بكثير و الرغيف هو أداة لا مشكلة و الصوت المُعطى مسكن و ليس دواءً .
أننا بحاجة إلى ثورة نستشعر من خلالها حقيقة الأرض و مراد الله منها و من أن القضية ليست قضية رغيف خبز فقط فكل الكائنات التي تدب على الأرض تعتبر قضية الرغيف هي قضيتها الوحيدة لكننا نختلف عنها بقضية الإعمار و المشاركة .
بقضية ربط هذه الدنيا بكل ما فيها بالمولى عز وجل ليتحقق لنا حينها أماناً نفسياً و الذي سيجلب لنا معه حتماً أماناً في الرزق و أماناً في الحياة و طمأنينة مما يجعلنا نساهم في المشاركة لإعمار هذه الأرض .
إن أمجادنا كأمة مسلمة لن تعود حتى نعود نحن أولاً و نفهم المراد الحقيقي للعودة ..
نعود لنعمر الأرض و إقامة كلمة الله في كل تفاصيل الحياة .
خلق الله الإنسان و هيئه للعيش تحت أجواء تشعره بإنسانيته و بدوره الحقيقي و لو اختلفت هذه الأجواء فلن يقر له قرار على هذه الأرض و ستستمر على إثر ذلك هيجانات بشرية و تغيرات خارجية يحدثها ذلك الإنسان رغماً عنه نتيجة عدم استقرار نفسي في داخله .
باختصار ..
ما كانت تعانيه الشعوب هو عدم استقرار و ما نالته بعد الثورات هو استمرار عدم استقرار لأن طريقة الحل أُريد لها ألا تتلبس بمراد الله على هذه الأرض و ألا تعيد للإنسان إنسانيته الكاملة و لا حقوقه المسلوبة و ستستمر كذلك حتى نفهم ذلك .
محمد الدباسي
كاتب و مؤلف
رئيس التطوير في اتحاد الكتاب و المثقفين العرب
maldubasi@gmail.com