مَن يستطيع تحقيق عدالة اجتماعية لهذا الكون ؟

146

محمد الدباسي/
لن يحقق البشر لأنفسهم عدالة اجتماعية على الأرض و إن حاولوا في ذلك لسبب بسيط جداً و هو أن كل من سيحاول تحقيق ذلك من أفراد أو منظومات سواءً كانت أحزاب أو أنظمة أو ديانات باطلة وضعها البشر أو محرفة ستقتصر نظرتهم على أمور تهمهم و إن أضرت بغيرهم .
قد يخدموا أهداف استمراريتهم .
قد ينظروا في أمرهم و إن لم ينظروا هم سينظر من سيأتي بعدهم و ستتغير تلك العدالة و ستتجه بوصلتها باتجاه من يريدها له لأنه حينها سيكون الأقوى .
ثم و إن حاولوا تحقيق تلك العدالة هل هم ملمين بكل ما حولهم ؟
هل يعرفون أسرار هذا الكون لتحقيقها له ؟
لنسأل بدايةً :
ما معنى العدالة ؟
ما مفهومها ؟
لماذا العدالة ؟
هل المقصود منها العدالة القضائية ؟
لماذا نحتاج إلى عدالة اجتماعية ؟
ما هي الأجواء التي تحقق عدالة اجتماعية ؟
من المسؤول عن تطبيقها ؟
إن العدالة الاجتماعية هي نظام يمس كل حياة الناس و حاجاتهم لإزالة الفوارق و صناعة الفرص و تحقيق التوازن و توزيع الثروات بصورة عادلة فيما بينهم .
إنها عدالة تمس كل جوانب الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و القانونية و غيرها و هي ضرورية لتتحقق الطمأنينة في المجتمعات و الطمأنينة هنا ستقود بالتأكيد للتطور و بالتالي اعمار الأرض فالتطور هو نتاج عدالة اجتماعية راقية لا معمارية مثلما نظن و قد تكلمنا عن ذلك .
العدالة الاجتماعية هي اعتراف بحق كل فرد مهما كان بأحقيته في العيش على هذه الأرض و التمتع بكافة الحقوق و الفرص و السعي للارتقاء بها .
إن العدالة في المجتمع ينبغي أن تبنى على مبادئ من الحرية و الاحترام و التكافل و المساواة لتحقيق الوجود و البقاء و التطور لذلك الإنسان و عندما نتكلم عن البقاء فليس المقصود به هنا الخلود لكن إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها .
من يصنع هذه العدالة ؟
من يحميها ؟
لماذا لا يستطيع أحد تقديم العدالة الاجتماعية إلا الله عز وجل ؟
لماذا لا تعدها الديانات الأخرى أو المنظومات ؟
للإجابة على ذلك لابد بداية أن نعلم بأن العدالة الاجتماعية هنا بحاجة إلى من يحميها و يقدمها للناس لا إلى من يصنعها لهم لأن الصانع هنا لن يفعل ذلك فهو ببساطة لن يستطيع صناعتها و إن حاول سواءً كان فرداً أو منظومة و قد تكلمنا عن ذلك في الأسطر السابقة ذلك لأنه فرد في هذه الحياة بحاجة إلى أن يستفيد من تلك العدالة فهو إما أن يكون حامياً للعدالة فيكون زعيماً على قومه أو نظاماً أو ديناً باطلاً يريد استغلال من يعبده أو من هو تحت منظومته أو هو فرد في مجتمع تقدم له العدالة و في كل الأحوال هو سيصنعها بما يناسبه و لن يلتفت لذلك الإنسان و تركيبه أو لذلك المجتمع و أسرار تكوينه و لذلك من يصنع العدالة هنا بطريقة عادلة هو الله عز وجل .
نعم الله عز وجل و قد فعل ذلك سبحانه و نظم هذه العدالة الاجتماعية في الشريعة الإسلامية ذلك الدين الذي جعله لأهل الأرض منهجاً و دستوراً .
لن يقدم لمجتمع البشرية هذه العدالة الاجتماعية إلا من خلق الكون فأهمية تحقيقها بأهمية هذه الدنيا .. نعم .
إن الله سبحانه هو الصانع و هو أعلم بما يناسب من عدالة لتقوم بها الحياة و هو من سيجازي كذلك عند التقصير في أدائها .
إن البشر يعمرون الأرض و لذلك هم بحاجة إلى نظام يحميهم و يساعدهم على الإعمار و النظام هنا يكفله من خلق الحياة .
إننا لو تأملنا من حولنا في كل بقاع الدنيا و في كل المجتمعات لنرى كيف تسير عدالتهم التي أوجدوها لوجدنا أنها على شفا جرف هار .
نعم ..
و إن قلنا بأن المجتمع الغربي هو أفضل من يقيم تلك العدالة فسنكتشف بأن كل ذلك كان هراءً .
نعم هراء و كل تطور يدعون أنهم حققوه بالعدالة التي يقيمونها فهو ساقط لا محالة و أننا لنراه تطوراً فقط لأننا قارناه بواقعنا فوجدناه أفضل واقع موجود على الأرض و أفضل الموجودات لا تعني بأي حال من الأحوال صحتها و هذه معادلة بالتأكيد لا شك فيها .
إنها عدالة تخدم مصالح من هو قائم عليها و اتباعه .
إنها لخدمة المسؤول أو الحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها ذلك المسؤول لأنها سر بقاءه و إن أعطى من حوله من تلك العدالة فهو فتات .
نعم هو فتات و أن كل مساواة ظاهرة لنا فهي مساواة في توزيع ذلك الفتات .
إن الأغلبية المسيطرة في مجتمع ما هي من تنال تلك المميزات و هي من تهنأ بها و إن البسطاء ليس لهم إلا التصفيق أو بطاقة إعانة أو مساعدة أو بمسمى أرقى قليلاً حقوق انتماء .
إن كل حضارة مهما بلغت قوتها لن تستطيع الصمود أمام الحياة إلا إذا واجهت الحياة بقيم راقية حقيقية لا قيم رأسمالية أو شيوعية أو ديمقراطية كاذبة أو اشتراكية أو وطنية أو غير ذلك .
لن تستطيع الصمود إلا عدالة الله التي وضعها لمخلوقاته .
إلا حكم الله .
إلا قيم الله و من أحسن من الله صبغة .
إنها عدالة قامت على مبادئ من الحرية و الاحترام و التكافل و المساواة و دون تلك المبادئ لن تتحقق تلك العدالة .

محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي
نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب و المثقفين العرب و مدير مكتب اليمن بالاتحاد و مدير التطوير
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع