مولود جديد(قصة لليافعين)

504

كان أحمد في العاشرة من عمره يتمنى أن يكون له أُخت أو أخ ليلاعبه ويلعب معه غير إنه حرم طويلاً من تلك الأمنية . وفي صباح يوم غائم بُشّر بقرب تحقق أمنيته . عند المساء عادت أمه شاحبة من المشفى وقيل له إنْ سوف يجلب الطفل بعد سويعات فهو لا يزال في الحاضنة .  كان أحمد قد سمع الإشاعات التي تدور في بلدتهم تزعم إن الأطفال يولدون من رحم الكهف خارج المدينة ومع إن اليوم كان شديد البرد عزم أحمد أن يستقبل الطفل منذ خروجه من رحم الأرض أي من فتحة الكهف . تلفع بشال دافىء وقبعة من الصوف السميك وسعى حثيثا الى باب الكهف , كانت الباب منخفضة ومحدودبة من أعلاها ومؤطرة بحجارة بارزة تراكم عليها الجليد فغدت مكحلة به , ومع ذلك حاول الدخول لم يكن هناك ما يقرعه ليستأذن للدخول . الباب تتكون من ظلفتين شفافتين كالبلور بل أشف منه كثيرا , احدى الظلفتين تفتح بين آونة وأُخرى لتخرج منها عربة جميلة دافئة يرقد طفل ما بين تلافيف الأغطية فيها وكل العربات مرقمة بأرقام ملونة ولامعة شديدة الوضوح . وقد أعطي المولود كما قيل له رقم   ( 23 )  كانت الأرقام تخرج بلا ترتيب فبعد الرقم  ( 7 )   خرجت العربة ذات الرقم (11)  كان أحمد في غاية الحماسة والاشتياق لرؤية المولود الجديد لذا حاول دفع الظلفة المستقرة من الباب ليدخل غير إنها ظلت في مكانها ثابتة أعاد المحاولة عدة مرات دون جدوى وهنا فهم إن الباب مصمم للخروج فقط ولا أحد يستطيع الولوج اليه لذا وإذ أحسَّ ببعض التعب تقهقر بعيدا عن الباب الى صخرة كبيرة جلس عليها غير إن عينيه لم تغادرا فوهة الكهف في انتظار الرقم ( 23 )  . سرح فكره الى المولود المنتظر والذي قرر والده أن يسميه غسان إن ولد ذكراً أما إن ولد أُنثى فسيسميها غفران أحب أحمد كلا الاسمين … انتبه الى وجود سكة تشبه سكة القطار تخرج من باب الكهف وتستمر الى مسافة بعيدة تتوزع عندها الى عدة دروب مرصوفة بين أحياء المدينة التي ترقد بسلام واطمئنان , تسلكها عربات المواليد الجدد الى البيوت التي انجبتها نساؤهن الحوامل .  وأخيرا خرجت عربة مكللة بالورود والأشرطة وردية اللون تحمل الرقم ( 23 )  قفز أحمد وقد تهلل وجهه غير إن العربة انحدرت على السكة ركض أحمد يلتحق بها ليواكبها وهو في غاية النشوة والفرحة . وحين وصلت العربة الى الشارع الذي يسكن فيه انعطفت اليه بهدوء أسرع أحمد خلفها وأخذ يترنم بأغنية للأطفال يحبها كثيرا …..  وإذ وقفت العربة في باب دارهم أخذت أجراس فيها تقرع بانغام حلوة مما جعل أباه يخرج مسرعا ليرفع المولود بين ذراعيه في نفس اللحظة التي وصل فيها أحمد انحنى والده قائلا هذي هديتك يا أحمد فقد أهدانا الله أختاً رائعة لك  .. دخلا المنزل وهما يحملان كنزا رائعا واتجها الى الأم التي ترقد في سريرها لترتاح , وضعا الطفلة بين يديها فأرضعتها وكانت تلك وجبتها الأولى من الطعام والحب والعناية …. أما أحمد فكاد يطير فرحا بلا جناحين – وهو يحدق في وجه الطفلة الصغير ذي العينين نصف المغمضتين والبشرة المخملية ناعمة الملمس مرَّ بإصبعه برفق على خدها يتحسس نعومته متعجباً – ويتمتم حامدا الله على هذه النعمة الفياضة             نعمة الأخوّة   . استيقظ أحمد من حلمه الجميل فأسرع حافياً وهو يفرك عينيه الى حيث ترقد أُمه وبين ذراعيها الطفلة   ومدَّ أصبعه كما في الحلم يتحسس خدها ذاهلا من رقته  ثم انصرف الى أُمه ليقبلها قائلا   : شكرا يا أماه فهمست أُمه في أُذنه : الشكر لله يا بني .

 

سمية العبيدي   

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع