موعد استثنائي

368
موعد استثنائي
نورة سعدي

 

تجاهلت أريج إلحاح الهاتف حينما ألقت نظرة خاطفة على الساعة وأدركت أنه من( رنا )إنه الوقت الذي تعودت أن تتصل فيه مرة أومرتين في الأسبوع عادة في الصباح فقررت ألاّ تجيبها كيلا تؤخرها عن مواصلة السّيرقدما إلى الأمام فتحرمها نعمة التأمل والاستمتاع بمنظرالبحرونوارسه البيضاء وبنسائم الربيع الرّقراقة وهي تلهو بسعف نخيل الزينة وبخصلات شعرالمارّة وشعرها الحرير فيما هي تذرع المكان جيئة وذهابا قرابة ساعة من الزمن ،عادة أدمنتها منذ سنوات وعادت عليها بعظيم الفائدة جسدا وروحا ولن ترضى عنها بديلا،
هاهي أريج تسيروتسير تتنفس ببطء وعمق تتقدم بخطى واثقة لتبلغ آخرمنتزه الشاطىء ثم تعود من هناك إلى نقطة الانطلاق،تسيروالهاتف يرن في جيب بدلتها الرياضية يناوش صبرها،ينقطع تارة ويعود تارة أخرى إلى نغمته الرتيبة مربكا رونق هدوئها إلى أن ضاقت ذرعا بأنينه
فمدت يدها الى مفتاح ضبط الصوت وأسكتت رنينه ،أخرست صوته كيلا تضعف إرادتها وتجيبها ،لو فعلت لانهالت عليها كالعادة بالنصائح وعاودت طرح أسئلتها المألوفة التي ما انفكت تتردد على مسمعها كالأسطوانة المشروخة
،لماذا لاتغيرين عاداتك ؟تصرّين على ذلك الميقات ؟
ألا تصلح كل أوقات اليوم للمواعدة؟
ألا يغريكما اللقاء بعد العصربقليل أوساعة الغروب الأرجواني بكل ما يحمله من سحروجمال وسكينة تشيع في النفس الراحة والانشراح والاطمئنان ؟وتضيف وهي تضحك ،أليس من المفروض أن يكون محبوبك الآن في مقرّ عمله ،أم أنه غيروقت دوامه ،أما آن للحب العظيم الذي ألف بين قلبيكما أن يصل إلى هدفه المنشود ،متى يأتي ليطلب يدك يا ترى ؟ألا ترين أنه تأخر أكثر مما ينبغي أم أنني أخطأت التقدير؟ ،وكانت هي تنتشي بترّهات و توهمات صديقتها خفيفة الظل والروح ،تجاريها ،تعززظنونها،تجيبها حين تكون في مزاج رائق بما يرضي تخميناتها ويشبع فضولها النّهم ويغذّي خيالها الخصب الذي يجدّف دوما عكس التيار قائلة
،صدقت لقد تأخرعلي أكثر مما كنت أتوقع ،تأخر حقا ذاك المزاجي المشاكس إلاّ أن ما يهمني من الأمركله يا عزيزتي أن يأتي وحسب ،يأتي ولا يطيل غيابه يكفي أن يجيئني في فترات متقطعة ،ان يلتقيني في إطلالات خاطفة ،إن إطلالة منه كفيلة أن تغير وتيرة أيامي،تقشع كل الغيوم التي تغشى سمائي ، تبعث الحياة في أناملي ،تسقي بغيثها أغصان ذهني الظمأى إلى صهيل الكلمات والرؤى والأفكار،لقاء يتم بيني وبين ذاك الملهم من حين لآخر يكفي ليشحن وجداني بكل ما هو جميل ومفيد ومتفرد،وأردفت وهي تلمّح ولا تصرّح ، معشوقي
لو تعلمين يا رنا فريد من نوعه إنه فوق أن يصنّف، أن يوصف، كل الأوصاف لا تفيه حقه ولا ترقى إلى مقامه لا لشيىء سوى أنه وارد غيبيّ، فيض باطنيّ سماوي ، قرين خير وجمال به وحده أتوازن أستلذّ طعم الحياة ،أدرك كنه الوجود
وأخرج من زاوية الظل إلى دائرة الضوء ،يحدث أن ألح ّ في طلبه ولا يلقى في نفسي شيىء منه فيضنيني الجفاف وتغيم العوالم من حولي وأيأس أحيانا من مجيئه فيحضرمن مكمنه البعيد البعيد محملا بهدايا ليست ككل الهدايا،هدايا ،إن هي إلاّ صوروأفكار ومعان تنتج عنها أعمال تمنح صاحبها صبغة الخلود،
وفيما هي تسترجع شيئا من الحديث الطريف الذي كثيرا ما دار بينها وبين رفيقة طفولتها
غام الجو فجأة وهبّت ريح خفيفة واضطرب البحرالذي كان هادئا في بداية النهار فحثت الخطو إلى الأمام وهمّت بمغادرة المكان وفي فكرها قد أومض خاطر ومرّبها هاجس وتبلورت ملامح كائن ورقي جديد فلطالما استلهمت أهمّ لوحاتها المرسومة بالكلمات وهي منهمكة في ممارسة رياضة المشي.

نورة سعدي

……………….
يلقى /بضم الياء وتسكين اللام و فتح القاف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات