من “عادلة خان” الى”ليلى زانا”المراة كقائد سياسي في التاريخ الكوردي(3)

626

من “عادلة خان ”  الى ” ليلى زانا “
المراة كقائد سياسي في التاريخ الكوردي
“مارتن فان برونسين “
الترجمة عن الأنكليزية : ” راج آل محمد “
مقتطفات تاريخية مأخوذة من هذه الترجمة

المجتمع الكوردي ذكوري بامتياز منذ بدء التاريخ لكننا نجد في التاريخ الكوردي نماذج من النساء وصلت الى أعلى المراتب وأحياناً الى القيادة سياسياً وعسكرياً وهذا قلما نجد له نظيراً بين جيران الكورد من العرب والترك والفرس .
يبدو أن معظم الكتاب الذين كتبوا عن الزعيمات الكورديات المميزات أثناء حياتهن قد أعتبروهن في الواقع ظاهرة كوردية بأمتياز .
سيادة النساء الكورديات أمر مثير للإنتباه وتثير عدداً من الأسئلة حول طبيعة المجتمع الكوردي ومكانة المرأة فيه . الكثير من كتاب الكورد يؤكدون بأنها دليل للمكانة المحترمة التي تحضى بها المرأة في مجتمعهم وتقليد قديم يؤكد المساواة بين الجنسين . وهؤلاء النسوة يتحولن الى رموز قومية تجسد السمو الأخلاقي للكورد على جيرانهم .
لكن أنصار المساواة رغم إنبهارهم بالحاكمات والزعيمات الكورديات هم أقل ميلاً لإعتبار ذلك دليلاً على المساواة ” في الحقوق بين الجنسين ” في كوردستان بمجرد وصول بعض النسوة الى القمة .
أبرز تلك السيدات هي ” عادلة خان ” من حلبجة
أدناه تقرير مفصل عنها وعن دورها الريادي في الحكم .

” عادلة خان من حلبجة ”

في مستهل هذا القرن كانت قبيلة جاف من القبائل المهمة في كوردستان الجنوبية وكغيرها من القبائل الكبيرة كانت مؤلفة من مجتمع تراتبي متزمت مؤلف من عدد من القبائل الثانوية التي تعتبر من ممتلكات جاف إضافة الى قبائل أخرى من مرتبة أدنى كانت تابعة لها . سيطر رجال القبائل هؤلاء على طبقة من الفلاحين غير القبليين والذين كانوا بدورهم تابعين لفخذ حاكم يعرف بأسم بكزاده ( 2 )
المثير في الأمر إن الشخص الذي يتسنم قمة هذا الهرم الإجتماعي لم يكن رجلاً بل إمرأة تدعى عادلة خان وهي زوجة عثمان باشا زعيم بكزادة الذي كانت الحكومة العثمانية قد عينته قائمقام لمنطقة شهرزور ( 3 ) كلها .
وقد بدأت عادلة خان بتولي السلطة بشكل فعلي حتى عندما كان زوجها على قيد الحياة . عند وفاة عثمان باشا في 1909 بقت عادلة خان مسيطرة بقوة وأصبحت سلطتها دون منازع حتى وفاتها في 1924 .
كانت عادلة خان من دون أدنى شك أبرز إمرأة وقد كتب عنها أهم كاتبين كلاسيكيين عن كوردستان الجنوبية ي.ب.( صون ) وسي . جي ( إدموندز ) بأشد العبارات تعبيراً عن الإعجاب .
لم تولد عادلة خان في قبيلةجاف لكنها تنحدر من العائلة الكوردية الحاكمة لإمارة أردلان السابقة في إيران المجاورة . ولطالما كانت أردلان وعاصمتها سنه ( سنندج ) المركز الرئيسي للثقافة والفنون والأدب في البلاط الكوردي بحلول منتصف القرن التاسع عشر فقدت الإمارة آخر بقايا الإستقلال وعزل الشاه العائلة الكوردية التي حكمتها لوقت طويل وحل محلها حاكم معين من قبل المركز .
لكن عائلة نبيلة كوردية أخرى من وزراء حكام أردلان كانت قادرة على الحفاظ بمكانتها وعادلة خانم تنحدر من تلك العائلة من الوزراء حيث كان والدها موظفاً رفيع المستوى في طهران . كانت قبيلة جاف وإمارة أردلان أبرز القوى المحلية على جانبي حدود الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية وتم عقد العديد من عمليات الزواج السياسية بين العائلتين الرئيسيتين .
كان عثمان باشا قائمقاماً لشهرزور وأرملاً عندما تزوج من عادلة خان التي لحقت بزوجها في حلبجة . القرية الرئيسية في ربوع جاف حيث أقامت منزلها وفق الطراز الإرستقراطي الفارسي وهو شيئ غير مؤلوف لنمط الحياة القروية غير المتطورة التي كانت حلبجة قد ألفتها . بعد دعوتها لحرفيين من ” سنه ” قامت عادلة خان ببناء قصرين جميلين في القرية مالم يكن له نظير حتى في السليمانية . وحدائق مشجرة وفق الطراز الفارسي مما حول حلبجة من مكان مغبر كئيب الى بلدة خضراء جميلة . وأقامت كذلك سوقاً من تصميمها في حلبجة وأستدرجت إليها تجاراً من البلدة الكثير منهم يهود وبذلك حولت حلبجة الى مركز تجاري هام
بفضل جهود عادلة خان تجاوزت شهرة حلبجة الحدود . وغيرت كذلك نمط الحياة اليومية لمحيطها بأستخدامها من يقوم بالترحيب بأي زائر قادم من خارج الحدود .
زار ” صون ” الذي ندين له بمعظم معلوماتنا عن “عادلة خانم” حلبجة في السنوات الأخيرة من الحكم العثماني أي في 1909. بعد أن عمل لعدة سنوات مع بنك بريطاني في إيران. بدأ صون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر كوردستان متنكراً بهيئة رجل فارسي ( 4 ) في رحلته براً من القسطنطينية أختار حلبجة محطة أخيرة لرحلته مفتتناً بشهرة عادلة خان وسمعتها . ولم يخب ظنه . إذ بحكم ضلوعه باللغة الفارسية ومهارات اخرى طلبت منه عادلة خان أن يمكث عندها وأن يصبح كاتباً لديها . لهذا كان على دراية تامة بالموقف في حلبجة وبالسيدة الأولى فيها . وقد أوضح أن طموح عادلة خان لم يكن يتوقف عند إعادة تشكيل البيئة المادية والبشرية بل لعبت أيضاً دور سياسي قيادي وتدريجيا انتقلت السلطة إليها . كان عثمان باشا يستدعى غالباً لبحث مسائل تخص الحكومة وكان ينبغي عليه أحياناً ان يقوم برحلات الى السليمانية وكركوك والموصل . لذلك فإن السيدة عادلة خان كانت تحكم بغيابه . قامت ببناء سجن جديد وأنشأت محكمة كانت هي رئيسة فيها وهكذا عززت من سلطتها بحيث عندما كان الباشا في حلبجة كان يمضي معظم وقته وهو يدخن الشيشة ويبني حمامات جديدة ويجري إصلاحات محلية . وكانت زوجته تقوم بالحكم (صون 1926 , 219 ) التوكيد من عنده )
يبدو ان زوج ” عادلة خان ” “عثمان باشا ” قد أستحسن بسعادة إصرار زوجته ولابد ان أتباعه قد أنبهروا بتلك السيدة القوية الإرادة والشخصية المتمدنة بين ظهرانيهم .
لم تكن السلطات العثمانية وهي تتلمس التأثير الفارسي على أقاليمها تستسيغ ذلك ولكن لم يكن لديها الكثير لتفعله .
لقد مدت السلطات العثمانية خط تلغراف الى حلبجة كي تقوي سلطتها على المكان لكن قبيلة جاف رفضت ذلك وقطعت الخط واخبرت عادلة خان الموظفين العثمانييين بألا يقوموا بصيانته وهددت من أن الأسلاك ستقطع مرة اخرى وبذلك أستطاعت أن تبعد وسيلة الإتصالات المتطورة تلك وكذلك السيطرة العثمانية . ( صون 1926 , 220 )
رجل انكليزي آخر هو ” سيسل جي إدموندز ” الموظف السياسي الأنكليزي خلال الإحتلال البريطاني للعراق تعرف على ” عادلة خانم ” بشكل جيد كانت عادلة خانم أرملة ولكنها بقيت كما قال إدموندز ملكة شهرزور غير المتوجة ( 5 ) كانت من بين الزعماء الذين كان البريطانيون يسمونهم بالمخلصين .
في عام 1919 عندما ثار الشيخ محمود من السليمانية وأعلن نفسه ملكاً لكوردستان وقفت عادلة خان وقبيلتها جاف الى جانب البريطانيين ولم يفسد ذلك من ود الشيخ محمود لقبيلة جاف وقد قلدتها السلطات البريطانية فيما بعد بلقب هندي (خان باهدور ) ولكن من غير الواضح فيما إذا كانت قد أولعت بقيمته كما أولع بها الكتاب البريطانيون .
عين البريطانيون ابنها ” أحمد بك ” قائمقام لشهرزور من خلاله أستمرت في ممارسة نفوذها .
لقد تم تقليص النفوذ بعدها بشكل كبير لأن البريطانيون تركوا القليل للحكم الذاتي الكوردي حيث كان كل الموظفون المحليون يتلقون أوامرهم ليس من القائمقام بل مباشرة من سياسي بريطاني معاون موظف متمركز في حلبجة .
لابد ان ” إدموندز ” وهو يطلق على عادلة خان لقب ” الملكة غير المتوجة ” يفكر بالملكية الدستورية الرسمية في بلاده . ومن الواضح ان الحد من سلطات عادلة خان لم ترق لها كثيراً وغدت علاقاتها متكلفة مع البريطانيين في نهاية المطاف .
في عام 1924 توفيت ” عادلة خان ” ولكنها تذكر حتى اليوم من قبل أهالي شهرزور بصورة زاهية

د.فيان النجار
25/5/2019
يتبع

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات