من أوجدنا هنا ؟ و لماذا نحن هنا ؟

328

محمد الدباسي/

سؤال لا أعتقد أن هنالك ما هو أهم من الإجابة عليه و نحن نبحث في هذا الكون عن حاجاتنا .
بالتأكيد لهذا الكون صانع هو الله عز و جل الذي خلقنا و أوجدنا هنا لعبادته و هذا أمر لابد من أن نؤمن به .
حتى لو لم نؤمن بوجود الله عز وجل معاذ الله فلا بد أن نقر بأن هذا الكون و بكل تفاصيله و ما فيه من إبداع لا بد له من صانع مبدع رتب فيه كل شيء لأنه لن يكون هذا الإبداع بأي حال من الأحوال انفجاراً عشوائياً .
لكن قبل أن نتكلم عن من صنع الكون لنعرف بدايةً من نحن ؟
نحن بشر بالتأكيد لكن من هم البشر ؟
من هو الإنسان ؟
لو قلنا بأن الإنسان هو كائن حي عاقل فهل معنى ذلك أن الإنسان الذي أصابه الجنون ليس بإنسان ؟
هل نقول بأن الإنسان النائم فقد إنسانيته أثناء نومه ؟
هل نقول على هذا المعنى بأن الجان إنسان ؟
ما مفهوم العقل ؟
هل له مقدار ؟
العقل هو قوة إدراكية جعلها الله في الكائنات الحية لتدرك الأشياء و لتتصرف من خلال ذلك الإدراك و قوة العقل هنا تختلف من كائن إلى كائن آخر فهي مثلاً محدودة جداً لدى الحيوانات لتعيش حياتها بالقدرات التي يملكها عقلها و هي قدرات تساعدها على البقاء في الحياة لا على أن تقود الحياة و الذي يبقي الحيوانات على قيد الحياة ليس الغذاء و التكاثر فقط لكن كذلك الأمن فهي لها من القوة العقلية ما يعينها لتحقيق أمنها و حماية نفسها إما بالاختباء أو المواجهة أو الهرب و هذا هو الفرق بين عقل الإنسان و الجان و غيرهما من الكائنات الحية و لذلك نقول بأن العقل موجود في كل الكائنات الحية أو لنقل أغلبها لكنه يختلف بحسب الهدف الذي خُلقت من أجله .
لكن هل معنى ذلك بأن العقل موجود في النباتات طالما أنها من الكائنات الحية ؟
الجواب لا ..
لنعلم بأن العقل في النباتات معدوم لأنها تعتمد على عنصر خارجي لطلب الغذاء و الحماية و إن كان لها جذور تبحث بها عن المياه حال فقدانه بسبب ذلك العنصر الخارجي حتى عملية اللقاح يقوم بها عنصر خارجي مثل الرياح أو الإنسان و لذلك رسالة الله و التي سنتكلم عنها خلال رحلتنا في هذا الكتاب كانت للإنس و للجان صاحبا العقل الأكبر و لذلك هما من أُمرا بالعبادة .
قد يقول قائل بأن بعض النباتات تأكل الحشرات و بالتالي هي تخطط لاصطياد فريستها و التخطيط قطعاً بحاجة إلى عقل حتى و لو كان ذلك العقل محدود الفكر فلماذا نلغي عنها صفة العقل ؟
حسناً .. النباتات هنا لها مقومات تجعلها قابلة لجذب الحشرات ثم إذا وقعت الحشرة على النبتة فإن هنالك سائلاً لزجاً يجعل الحشرة تنزلق لجوف النبتة ثم تبدأ عملية هضمها و لو تأملنا لوجدنا أن النبتة هنا ليس لها دور في عملية استدراج الحشرة تماماً مثل عدة الصيد التي يعدها الصياد لتقع الفريسة فهل نقول هنا بأن لعدة الصيد عقل ؟
هنا قد يكون سؤالاً و هو :
هل يُرى العقل بالعين المجردة ؟
الإجابة لا .. و هنا يكون سؤالاً آخر :
هل كل شيء نستطيع أن نراه بالعين المجردة ؟
بالتأكيد لا .. لأن الله قادر على صنع ما لا تراه العين أو ما لا قد يكون مادي و لو قلت لي بأنك لا تؤمن بقدرة الله و أنه الصانع فسنتحدث عن ذلك خلال رحلتنا في هذا الكتاب .
إذاً نستنتج مما سبق من أن وجود العقل لا يعني أنك إنسان .
إذاً من هو الإنسان ؟
قد نقول بأن الإنسان هو كائن حي عاقل مُكلَف خُلق من طين .
و قلنا خُلق من طين للتفريق بين الإنس و الجان فكلاهما مكلف و التكليف بالعبادة هو بعد البلوغ لكنه ذُكر في التعريف لأنه مطالب به و لو بعد حين .
هنا كذلك سؤال آخر :
هل نعتبر الإنسان الآلي إنساناً ؟
الجواب لا ، لأنه ليس كائن حي فهو آلة بطبيعته مثله مثل خط الإنتاج في أحد المصانع لا يملك عقلاً و لا يستطيع التصرف بل إنه يتصرف بفعل مؤثر خارجي و المؤثر الخارجي هو الإنسان الذي برمجه على نظام معين مثل الكمبيوتر ليس له حق في تقرير مصيره و كذلك لا تدب فيه الحياة و الحياة هنا ليس المقصود بها الحركة بل الحياة هي في القدرة على البقاء فيها و النمو و الموت و هذه قطعاً لن تكون في المسمى الإنسان الآلي .
إن الإنسان و بقية الكائنات الحية لها أدوار في هذه الحياة فهل يستطيع المسمى الإنسان الآلي تحقيق بعض تلك الأدوار فضلاً على أن يكون خليفة الله في أرضه ؟
لماذا لم نقل عن الإنسان بأنه كائن حي ناطق ؟
ذُكرت تعاريف كثيرة بأن الإنسان كائن حي ناطق لأن الحيوانات لا تنطق و هذا خلاف الصحة فالحيوانات تنطق بما يفهمه بعضها عن بعض و ليس شرطاً أن نفهم ما تقول فهم كذلك لا يفهمون ما نقول و لذلك ذُكر في كتاب الله بأن النملة خاطبت النمل عندما مر بجوار قريتها النبي سليمان عليه السلام و سليمان هو النبي الذي علمه الله منطق الطير و الحيوانات كما جاء في كتاب الله :
 وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ 16 وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ 17 حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 18  
فكيف نقول بأن الإنسان هو الكائن الناطق الوحيد ؟
هنا قد يأتي سؤال آخر :
لو فقد الإنسان عقله هل يخرج من إنسانيته ؟
بالتأكيد لا .. لأن الفقد هنا لا يعني عدم وجوده لكن نقول هنا بأن عقله أصبح ضعيفاً جداً أو فقد قوة العقل لأن الأصل في الإنسان وجود العقل .
حسناً … لنعد الآن إلى هذا الكون و للحديث بأنه ليس انفجاراً عشوائياً .
نعم .. لن يكون انفجاراً عشوائياً .
و لنتأمل ..
الليل .. النهار .. الشمس .. القمر .. الأوقات .. المخلوقات .. الهواء .. الأكسجين و ثاني أكسيد الكربون .. التحللات .. المطر .. الجينات .
كل ذلك و غير ذلك هو تنظيم رائع و تناسق بديع يستحيل أن يكون بدون صانع فهل من المعقول و الحكمة أن يكون كل هذا التنظيم و الإبداع و التناغم انفجاراً ؟
بالتأكيد لا .. لأن الانفجار يولد العشوائية لا التنظيم ثم هو بحاجة إلى قوة فهل تملك الطبيعة هذه القوة الخارقة ؟
هل الطبيعة التي قالوا أنها ولدت هذا الانفجار هي من يدير الكون الآن بكل ما فيه من استمرارية الحياة و توالد الكائنات و تعاقب السنين ؟
لو سلمنا الآن أن الطبيعة هي من أوجد الكون و أن هنالك انفجاراً عشوائياً فلا يعني ذلك أن الأمر انتهى هنا لأن كل ما حولنا من استمرارية يدل على وجود الصانع و لو أقررنا بوجوده لا بد أن يتردد في مخيلتنا السؤال التالي :
من يكون الصانع ؟
هل ما حولنا ما يدلنا على صانع بعينه ؟
هل هنالك من ادعى أنه هو الصانع ؟ و هل يستطيع الإجابة على التفسيرات العالقة في مخيلاتنا عن حقيقة ما صنع ؟
إن الله عز وجل قد قال ذلك عن نفسه بأنه خلق كل شيء و أرسل رسلاً للبشر مثلنا ليبينوا لنا ذلك بالأدلة و البراهين و ذكر في كتبه التي أنزلها على رسله الكثير من العلامات و الدلالات التي تدل على أنه خلق هذا الكون و التي إلى عصرنا الحاضر و منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من نزول آخر الكتب ما زال العلماء يكتشفون من العلامات ما تزيدنا يقيناً من صحتها ومن موافقة الطبيعة و كل شيء في هذا الكون لهذا الكتاب الذي أخبر بالكثير من الأمور التي لم يكن يُعلم عنها و تلك كلها اثباتات و عندما يأتي من يقول بأن هنالك صانعاً آخر فلا بد له من اثبات و لذلك عندما يُثبت لنا بأن الله عز وجل هو الصانع الحقيقي ينبغي لنا أن نؤمن بما يخبرنا به عن طريقة صنعه للكون .
سأذكر هنا مثالاً لأمور تكلم فيها الفلاسفة سابقاً و هي نظرية التطور أو نظرية داروين و هي التي تقول بأن الكائنات الحية تولدت من بعضها البعض و تطورت و استدل على ذلك بعدة أشياء يرى أنها استدلالات منها التشابه في الصفات فهل يعقل بأن التشابه في الصفات الخَلقية يدل على التطور ؟
ألا يدل ذلك على أن الصانع واحد و أن ليس هنالك صانعاً غيره ؟
هل يمكن تطبيق نظرية التطور على الحشرات و التي تمثل حوالي 80% من الحيوانات ؟
ثم لو سلمنا مثلاً بأن بداية الإنسان قرداً أو شيئاً آخراً فلن نصدق ذلك أو نبدأ في الحديث عنه إلا إذا كنا نجهل الصانع أو أن الصانع لم يخبرنا بحقيقة ذلك لكن طالما أن الصانع الذي أثبت بالدليل أنه الصانع ثم بين لنا كيف استطاع أن يصنع و أن يخلق الإنسان فعندها لا بد لنا من أن نقر بصحة بيانه لما صنع .
لنعلم بأن الأمور بحاجة إلى براهين و طالما أن البراهين موجودة فلما نسلك طرقاً ملتوية نقول بأننا نبحث عن نتائج من خلالها ؟
لماذا أحياناً نغالط من أجل أننا نريد أن نكذب أموراً نعرف أنها حقائق ؟
إن نظرية داروين لا شك أنها تخدم في مجالات كثيرة أهمها استخلاص العلاجات للأمراض لكن حتماً لن تجدي أمام أمر أثبته الصانع طالما أن الصانع ليس داروين .
هنا تساؤلات :
لماذا لا يؤمن بعضنا بأن الله هو الصانع ؟
لماذا يصر بعضنا على أنه انفجار كوني أو أنه أي شيء آخر ؟
هل يخشون وجود الله بذاته أم هم يكرهون أصلاً وجود الرب ؟
باستثناء الملحدين و الذين هم نسبة ضئيلة جداً في هذا العالم لا تتجاوز 8% حسب استطلاع لهيئة الإذاعة البريطانية عام 2004م فإن تلك النسبة تدلنا على أن البشر على هذا الكوكب يعبدون آلهة اختاروها لأنفسهم أو وجدوا أنفسهم يعبدونها و ينتمون لأديان و هذا يدل على أن البشر في هذا العالم لا يكرهون وجود الرب في حياتهم و هذا الأمر ليس حديثاً الآن بل هو منذ القدم فقد قال المؤرخ الإغريقي بلوتارك : ( لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون و مدن بلا قصور و مدن بلا مدارس لكن لم توجد مدن بلا معابد ) و إن كانت ظاهرة الإلحاد بدأت بالانتشار في هذه الأيام أو لنقل هنالك محاولات لنشرها .
إن البشر بطبيعتهم يميلون إلى اتباع دين و رب يلجئون إليه بسبب أنه إذا ضاقت بهم الدنيا و شعروا أنهم بحاجة إلى روحانية تبعد عنهم كدر الحياة و إن كانت هذه الروحانية بالنسبة للديانات الباطلة مزيفة في حقيقتها .
نعم .. فلن تكون تلك الروحانية حقيقية طالما أنها بعيدة عن الإله الحق رب العالمين الذي يستطيع أن يغير ما تعاني منه حقيقةً لا توهماً لكننا هنا نتحدث عن كره أو حب البشر لوجود إله في حياتهم و هذا مضمون حديثنا الأن و هنا نسأل :
لماذا لا يتبعون الله الإله الحق طالما أنهم يحبون وجوده في حياتهم ؟
لماذا الناس في حياتهم يبحثون عن الأجود لكن لا يكون الأمر كذلك عند اختيار دياناتهم ؟
هل ضلوا الطريق ؟
أم أنهم اقتنعوا بباطلهم ؟
هل ترى عقولهم أنهم على الحق ؟
هل أقنعتهم دياناتهم التي هم عليها بذلك أم أن الأمر لا يتعدى الاقتداء بالسابقين ؟
أم هو الخوف من تحمل مسؤولية فكان إما إلحاد أو اتباع دين لا يجبرك على أمر ما ؟
أم بسبب وجود طاغية أجبرهم على دين معين ؟
في الفصل القادم سنجيب على هذه التساؤلات لكن قبل أن ننتهي هنا هنالك سؤال أخير و هو :
ماذا لو اكتشفنا أننا في عالم غير حقيقي ؟
سؤال بالتأكيد غريب جداً .
هل نحن في حُلم مثلاً ؟
هل هذا عالم خيالي ؟
إذا كنا نحلم و أن هذا العالم غير حقيقي ففي أي عالم نحن ننام الآن و نحلم من خلاله ؟
متى سنستيقظ و كيف سيكون حالنا بعد ذلك ؟
أين حقيقتنا ؟
بل أين واقعنا ؟
يقولون كذلك بأن الألم الذي يصيبنا لا يصيب أعضاؤنا بل عقولنا .
كيف ذلك ؟
لماذا إذاً عندما نتألم نعالج العضو المصاب لا العقل ؟
إنه هراء بحاجة إلى أن نستيقظ منه .

محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي
رئيس التطوير في اتحاد الكتاب و المثقفين العرب
maldubasi@gmail.com

تعليق 1
  1. avatar
    زكية الصالح يقول

    أبدعت….. بنتظار الأجابات الأخرى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع