محطة رقم 7 الفرزة التاسعة

232
محطة رقم 7 الفرزة التاسعة
عطا يوسف المنصور/ 

ومما تقدم عن الاحزاب ونشأتها وما تبين لنا من الاغراض المبيّتة وراءها لمؤسسيها والدول الداعمة لها الا
اني سأتغاضى عنها وسأتناول في مقارنتي بين مفاهيم الاحزاب وهي الشيوعي والبعث العربي والاشتراكي العربي
وبين ما طرحه الدين الاسلامي من مفاهيم اقتصادية وانسانية متحريًا مدى المنفعة الاجتماعية بينهما :
الكل يعلم ان اهم وابرز ركيزتين في هذه الاحزاب الثلاثة هي الحرية والثانية الاشتراكية وأبدأ بمفهوم الحرية
على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع ففي هذه الاحزاب لا نجد لها اثرًا ملموسًا والدليل هو ما جاء
ولمسناه داخل تنظيماتها ففي حالة توجيه اي امر من القيادة لا يحق للأدنى مناقشته وما عليه الا تنفيذ الامر 
حسب المصطلح المعمول به حزبيًّا نفذ ثم ناقش وهذا التعامل مع المنتمي لها . 
وأمّا اذا ما اختلف فرد او جماعة معها في الفكر فالويل والثبور للمخالف والاحداث التي ذكرتُها تشهد بذلك 
وزادها حزب البعث في ارهابه ليشمل العوائل والاقارب الى الدرجة الرابعة واما في منشأ الشيوعية الام زمن 
ستالين فضحاياه فاقت المليون حتى طالت اقرب الناس واخلصهم ومنهم الصديق الحميم صاحب الادب
الواقعي الاشتراكي مكسيم غوركي والقيادي البارز في الثورة البلشفية تروتسكي وهذان كانا من ضحايا الراي . 
وأما عن حرية المجتمع فلا وجود لها بما في ذلك المعتقد الديني ولا عقيدة للشعب غير الشيوعية واما 
الاتحاد العربي الاشتراكي الذي اسسه جمال عبد الناصر الذي بنحدر من عائلة يهودية يمنية والحائز على
عضوية الاخوان المسلمين والمنفصل عنهم فلا وجود لأي حزب غير حزبه الذي اسسه في مصر العربية .
واما حزب البعث العراقي فلا يوجد حزب له رأي حتى في جبهته مع الشيوعيين وهي جبهة لها أبعاد سأتطرق
اليها وقد ركز حربه على طائفة الشيعة وعلمائها وهي الاكثرية في العراق وعَمِلَ على الغاء وجودها إمّا
بقتل شخصياتها البارزة الدينية وغير الدينية أوبالسجن أو بالتسفير بدعوى انهم من اصول ايرانية وكما 
نعلم أن هذه الاحزاب فرضت أفكارها دون الرجوع الى رأي الشعب الذي استغلته لتحقيق غرضها وعندما 
وصولت الى السلطة ذاب الثلج وبان المرج . 
في حين يذكر لنا التأريخ عند دخول الاسلام الى الاقطار التي فتحها المسلمون أنه ترك الناس على عباداتهم 
وحدد الموقف بأخذ الجزية مقابل حمايتهم وهذا تشريع وقد اعفائهم من الزكاة وقد حَثّ على تحرير 
العبيد وترك الساحة الى الافكار والفلسفات على اختلافها وطرح الافكار على تنوعها لكن ما حصل من تكفير
وقتل لبعض الفلاسفة مَرَدُّهُ الى تصرف فردي يكون اما من الخليفة او من الوالي ولا يتحمل الدينُ وِزرَهُ وقد
ذكرتُ ذلك عن المأمون وأخيه المعتصم وأخوهما المتوكل واليوم تعود الاحداث بظهور جماعات متطرفة لها 
أجنداتُها فالواجهة دينية اسلامية كداعش وجيش الاسلام وبوكوحرام وطالبان وجيش النصرة اللواتي تُمَوّلُ من
السعودية والامارات وقطر بتوجيه غربي امريكي الهدف منه هو تدمير المجتمعات العربية والاسلامية بعد ان 
أنهت هذه الدول مرحلةَ التأسيس لقواعدها وتجهيزها بالمال والرجال والسلاح . 
امّا عن الاقتصاد والمفهومين الاشتراكي والاسلامي فلو رجعنا الى التأريخ لوجدنا المفهوم الاشتراكي ليس 
بالجديد وقد كان يدور في اذهان الناس على انه تعاون ومنطلق انساني على شكل فردي أومجتمعي وقد صورها 
لنا الشاعر الجاهلي وهو شاعر من الصعاليك والصعلوك معناه الفقير الذي يقطع الطريق لاستحصال مورد 
مالي ليعتاش به وفي مصطلحنا نسميه [ المسلبجي ] هذا الصعلوك صوّر الاشتراكية في بيتين من الشعر 
مخاطبًا فيهما شخصًا غنيّا فقال :
وإنّي امرِئٌ عافى انائيَ شِركةٌ ....... وأنتَ امرئٌ عافى انائكَ واحـدُ 
أتهزءُ مني إنْ هَزِلتُ وأنْ ترى ..... بجسمي شحوبَ الحقِّ والحقُّ جاهِدُ 
فالاشتراكية على بساطة هذا الانسان هي روح انسانية تعاونية الا ان ماركس الذي سرق المفهوم الاشتراكي
من هيجل بنى افكاره بعد قطع ساقها اللاهوتية وأسس عليها فكرًا و اقتصادًا ماديًّا ونهجًا اسماه بدكتاتورية 
البروليتاريا اعتبرا ارباح اصحاب المعامل هي فائض القيمة وهي حقُّ العمال المسلوب منهم وصال وجال في
ثورتين قد فشلتا متناقضًا مع رأيه الذي يقول بالحتمية التأريخية للتحول الاشتراكي وهذا ان دل على شيء
فانما يدلُّ على عدم ايمانه بما يُنظّر اليه وتبينت الغاية التي تختفي وراء افكاره الا وهي الاستيلاء على السلطة
وقد مات ماركس ورفيقه انجلز ولم يصلا لها وقد ترك انجلز تركةً ماليةً تُعدُّ بملايين الدولارات وهي فائض
القيمة التي تباكيا عليها كونها حقوق العمال المغتصبة . 
وتشاء الاقدار أن يتحقق النظام الاشتراكي على يد لينين زعيم حزب البلاشفة في روسيا القيصرية وبعد سبعين
سنة من القتل وتكميم الافواه لشعوب الجمهوريات السوفياتية يظهر هذا الصرح الذي بُني على الدماء خاويًّا 
وتبقى الصين وكوريا الشمالية والفيتنام التي ما زالت تطبق المفهوم الاشتراكي وفق النظرية الماوية التي طرحها 
ماوسي تونغ الزعيم الصيني والتي لا تختلف عن الماركسية بمفهومها العام فهيمنة الحزب على مرافق الدولة 
من الفها الى يائها هي السائدة حتى انجاب الاطفال اصبح محددًا وضمن هيمنة الحزب الشيوعي ولو احصينا
تعداد الشيوعيين في الصين كنسبة لتعداد الشعب فلا يتجاوز الا بضعة ملايين من مليار وثلاثمئة صيني 
ينتظرون الفرج . 
اما حزب البعث فقد استلف ميشيل عفلق اشتراكيتَهُ من اكرم الحوراني باندماج حزبهما البعث والاشتراكي 
ثم انفصل عن الحوراني وسار على النهج الشيوعي في التأميم واسس دولة البعث في العراق وسوريا وشعاره 
وحدة وحرية واشتراكية وبقي حزب البعث العراقي من 1968 الى سقوطه عام 2003 لم يلمس الشعب من
شعاره ايًّا من هذه الاهداف على ارض الواقع سوى التامر بين قياداته على السلطة وجر البلد الى الويلات.
الا ان ميشيل عفلق في بداية الستينات اعلن مع جمال عبد الناصر الوحدة فجمعت هذه الوحدة مصر وسوريا
بقيادة جمال عبد الناصر وصار اسمها بالجمهورية العربية المتحدة وكان جمال عبد الناصر قد تبنّى الفكرة 
الاشتراكية والبسها الزي العربي فصارت الاشتراكية العربية بشكل اخر وجعل الشعار حرية واشتراكية ووحدة 
واسس حزبًا يحمل اسم الاتحاد الاشتراكي العربي ولهيمنة المصريين على مرافق الحياة في سوريا انهارت هذه
الوحدة بانقلاب عسكري بعثي سوري في اذار 1963 طُرِدَ على اثره الاستاذ المؤسس ميشيل عفلق بسبب 
تصرفه الفردي في تشكيل الوحدة الاندماجية وحلِّ حزب البعث ولا ادري كيف تجاوب ميشيل عفلق مع
جمال عبد الناصر على هذا الشرط الذي لا يقبل به اي سياسي له شيء من بعد النظر . 
وهناك احتمالان إمّا أن ميشيل اخذ الضوء الاخضر من أسياده الفرنسيين او انه كان في حالة من الانهيار .
وبهذا التصرف للأستاذ المؤسس دون الرجوع الى القيادة القطرية في سوريا حكم على نفسه فهرب الى لبنان
ومنه الى فرنسا امّا حزب البعث العراقي فبعد سقوطه في 18 تشرين الثاني 1963 على يد حليفهم العقيد 
/ المشير عبد السلام عارف عاد الى واجهة الحُكم في 17 تموز 1968 بانقلاب عسكري واسقط حكومة 
عبد الرحمن عارف بتحالفه مع الفريقين عبد الرزاق النايف وابراهيم عبد الرحمن الداوود ثم طُرِدا بانقلاب 
اخر في 30 تموز 1968 اي بعد ستة عشر يومًا وصار احمد حسن البكر رئيسًا وكانت له رغبةٌ بالتقارب
لتشكيل الوحدة مع سوريا الا أن صدام قضى على هذه الفكرة وأزاح سيده البكر وسأتناول تفاصيلها . 
من خلال هذا العرض الموجز يتبن لنا ان مفهوم الاشتراكية العربيه للحزبين البعث والعربي الاشتراكي ما 
هو الا مصادرة اموال الناس وتأميم البنوك والمصانع والمرافق التجارية والاستحواذ على موارد البلد والتحكم
بمصائر الناس بحكم فردي دكتاتوري . 
اما عن الفكر الاقتصادي الاسلامي فهو اقتصاد لا يتعارض وطبيعة الحياة حارب التعامل الربوي وحَرَّمَهُ شرعًا
وحارب تكدس الاموال عند فئة من الناس بتحديد مفهومين هما في قوله تعالى // ما أفاءَ اللهُ على رسوله من
أهل القُرى فلله ولرسوله ولذي القريى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا تكون دُولةً بين الاغنياءِ منكم //
صدق الله العلي العظيم ويقول سبحانه وتعالى في سورة اخرى // انما الصدقات للفقراء والمسكين والعاملين 
عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله // صدق الله العلي 
العظيم ولتوضيح المفهوم الاول وهو الفيء فقد أراد به الباري سبحانه الاموالَ التي تُجبى من البلاد التي دخلها 
المسلمون من غير قتال واما عن الاية الاخرى فهي ضريبة على اغنياء المسلمين وهي الزكاة وحدد الباري عزّ 
وجلّ ابواب صرفها وعلى الدولة واجب دفعها الى مستحقيها وقد حفّز الميسورين على الصدقة الفردية
باسلوب انساني تعاوني وذلك في قوله تعالى // إنّ المُصّدّيقين والمُصّدّقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يُضاعَفُ 
لهم ولهم أجرٌ كريمٌ // صدق الله العلي العظيم فهذا هو المفهوم الاشتراكي الحقيقي وليس مصادرةَ اموالٍ
واحتكارَ الدولةِ لمرافق التجارة وتقنين الارزاق وانما هو مفهوم مشترك بين الدولة وبين الشعب للوصول الى 
مستوى افضل من العيش بحرية وبكرامة . 
الا أنّ حكام المسلمين لفسادهم إستأثروا بهذه الاموال وصارت لجيوبهم فأكلوا الاخضر واليابس .
وما نراه اليوم في عراق دولة الاحزاب والهيمنة الامريكية هو نموذج من حكام المسلمين الذين لا يردعهم
قانون سماوي ولا قانون وضعي عن سرقة اموال الشعب لانحطاط القِيَمِ لدى الحكام والمسؤلين. 
************
الدنمارك / كوبنهاجن الاربعاء في 24 / شباط / 2021 
الحاج عطاالحاج يوسف منصور 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع