كيف وصل التشيُّعُ إلى القارة السمراء؟

572

(الإسلام الحضاري وحده يوحد بين المسلمين)

هو سُؤَالٌ مُحَيِّرٌ فعلا، لأن الظاهرة تعرفتوسعا كبيرا، فقد استطاع الفكر الشيعي أن يمدد جذوره و يعمقها في الأرض و يمدفروعه في السّماء، حلَّق في الأفق البعيد إلى أن وصل إلى قارة أفريقيا، ربما يعودذلك إلى الخطاب الديني و طريقة المعاملة مع الآخر، فالحوار الجيد و طريقة الإلقاءعامل مهم في إقناع الآخر و إيصال له الفكرة ، خاصة إذا تعلق الأمر بحب أهل  البيت و السير على نهج النبوة، على المسلموناليوم أن ينبذوا الفكر الإنقسامي و يواجهون العولمة بكل ما يتاح لهم من إمكانات، وأن يجتمعوا على كلمة واحدة يحبطون بها مخططات إسرائيل و بروتكولات حكماء صهيون  

     تمكن الفكر الشيعي من بسط نفوذه فيالمعمورة، و هو الآن بصدد دراسة النهضةالحسينية وأبعادها العقائدية وأهدافها السامية، و يسعى إلى استقطاب قلوب المسلمين من السنة، و حتى المعتنقين الإسلام منغير المسلمين لإحياء ذكريات ظلت تؤلم المجتمع الشيعي، لمقتل الحسين ابن بنت رسولالله فاطمة الزهراء، و لكن السؤال يظل يتجدد كيف يمكن أن يتخطى المسلمين هذهالخلافات فيما بينهم و يتفقون على منهج سليم ينصرون به الإسلام الذي يتربص بهالأعداء لدحره  ؟، ليس التطرق إلى هذا الموضوع دعوة لزرع الفتنةأو تحريض جماعة على أخرى، أو تغليب الأغبية على الأقلية، إذا قلنا أن الأقليةتكاثرت و أصبحت لها قوة و سلطان في ظل تعدد الأديان و المذاهب،  كما لا نريد منه العودة إلى ظروف نشاة التشيع ،اي إلى الصراع الأول و كيف انقسم المسلمون بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه و سلم،فيما اصطلح عليه بواقعة السقيفة، لكن الأهم هو معرفة كيف تمكنت جماعة من أن تحولالفكرة إلى مشروع و المشروح ترجم إلى فعل و ممارسة ، و بث روح المحبة والإنسجام  و الألفة في المجتمع ، و فرضكلمتهم على الناس، والتعايشوالتواصل بين كافة الشعوب والجماعات في العالم، وان يكونوا دعاة إلى التفاهموالحوار الهادئ والملتزم لخدمة الإنسانية، وبالعمل لإصلاح المجتمع.

الأمر  يسيرعلى الدعاة المسلمين الذين شربوا من بحر العقيدة الإسلامية و عملوا بالرسالة المحمدية، تبقى المشكلة في الطريقة ، و هذه قدتكون صعبة عند البعض، خاصة المتشددين و الذين يرون أن فكرهم هو الصحيح ، فيتشبثونبأفكارهم حتى لو اتسمت بالتطرف، دون محاورة من يخالفهم في الرأي، خاصة في المسائلالتي تحتاج إلى اجتهاد، فالثابت يبقى ثابت و لا يتغير مهما اختلفت العصور، و لايمكن أن يتعرض المقدس لأيِّ خدش لأنه مقدس ،  غير ان النقاش في هذه المسائل يتطلب التعقل والتدبر لتصحيح  أو تجديد ما يمكن تصحيحه أوتجديده، و لعل غياب ملتقيات الفكر الإسلامي، و المناظرات في المسائل المذهبية ساهمفي تعقد الأمور، فحدث الإنشقاق بين المسلمين و بالضبط بين أهل السنة و الشيعة، وليس غريبا أو جديدا إن قلنا أن النزاع الأموي الهاشمي في تاريخ الإسلام أدّى إلىتوسع الصراع بين السنة و الشيعة، و لعل الكثير من قرأ عن انقسام القبائل بين  معسكر العراق العلوي و الشّام الأموي في حروبالجمل و صفين، حتى اليمنيون ساروا في صف معسكر الإمام علي، ففي ظل صراع الأضداد والإضطرابات التي لا حصر لها،  تحفظ كثير منالدعاة و العلماء من الخوض في هذه المسألة بالذات و منهم الداعية  القرضاوي و الشيخ الغزالي رحمه الله، من أجل تكريسالوسطية و الإعتدال في مثل هذه القضايا،  وحل المشكلات بفكر مستنير  بعيدا عن استخداملغة العنف و التعصب و الشحن الذي يدفع بالمسلمين إلى التقاتل فيما بينهم .

  لم نعد نقرأ عن شيعة العراق و شيعة إيران،  أو شيعة لبنان و البحرين، و شيعة سوريا و مصر،  و حتى شيعة الجزائر و المغرب، لأن الفكر الشيعييشهد امتدادا واسعا ،  بحيث امتد جذوره إلىالقارة السمراء، و لذا فالمسألة حسب المحللين وجب أن تنتقل من نقد العقل إلى نقدالواقع، ليس كما هو في اللحظة الراهنة، و إنما بمعناه السايكو- سوسيولوجي، و معرفةالدوافع التي جعلت مسيحيي نيجيريا مثلا ( كنموذج) الذين اعتنقوا الإسلام  عن حب و قناعة يختارون النهج “الشيعي”كمذهب لهم، بل كمرجعية دينية؟ ، تجدر الإشارة أن نيجيريا، تعد أكبر الدول في إفريقيامن حيث عدد السكان، و  تقول التقارير أن نيجيريااليوم تحظى بنشاط شيعي عالي المستوى،  و لوأنهم في كل سنة يحيون الشعائر الحسينية، إلا أنهم لا يمارسون الطقوس الشيعية كالتطبيرمثلا و ما إلى ذلك، كما أننا لم نقرأ بعد أن شيعة نيجريا حجوا إلى كربلاء، أو أنهميستعملون تراب كربلاء أثناء الصلاة ، أي تحت جباههم حتى لا تلامس الأرض إن كانوا  خارج كربلاء ،لأنهم يتبعون الطريقة الإيرانية،و لو أن هذه المسائل فيها نوعا من المبالغة أو الغلو إن صح القول، لأن الأرضالإسلامية واحدة ،  و تراب كربلاء أو ترابقم ( إيران) أو تراب السعودية واحدٌ،  لأنالجميع يلتقون في مكان واحد هو بيت الله الكبير ( الكعبة) لأداء مناسك الحج الذيهو الركن الخامس من أركان الإسلام، و يقفون في صف واحد للصلاة، أليس هذا اللقاءرحمة من الله تنزل على الجميع؟ و أليس هو عنوان للتعايش الإسلامي؟.

و لا يختلفإثنان أن الإسلام تعايش مع المسيحية و تعايش مع اليهودية ، و حتى عندما ظهرت المذاهبالإسلامية على الصعيد الفقهي استطاعت أن تتعايش، يقدم الباحثون في الفكر الإسلامينموذج الإسلام الحضاري ممثلا في  جعفرالصادق الذي كان يحتك بالخلفاء العباسيين و يتعاطى معهم على الصعيدين الفكري والفقهي، في الوقت الذي كان مضطهدا سياسيا ، ما دفعه  إلى ترك السياسة و التفرغ للإبداع الحضاري، السببحسب المؤرخين هو أن التعايش السياسي كان منعدما تماما، و الواقع أن هذه الصراعاتالبيزنطية  بين السنة و الشيعة و الوهابيةو اليزيدية و الأكراد  و غيرهم ، لم تعدتجدي في وقتنا الحاضر، أمام دعوات البعض إلى وجوب التعايش مع الأديان و المذاهب وتحقيق السّلام ، و لا حل إذن إلا بتبني خطاب ديني معتدل و ليس بأسلوب جاف، كما أنهلا حل إلا بالمصالحة فكرا و ممارسة، و هذا من شأنه أن يتجنب المسلمون الهزائم التيمنيت بها الأمة الإسلامية.

علجية عيش

(للمقال مراجع)

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات