قصيدةُ النّثِر : وجهةُ نطر..

132

بعض من اعتادوا على تثبيط الهمم و تيئيس العزائم ممن يحسنون التسلّق و لو على متن الحقيقة و هزائم غيرهم ..تراهم يحدثون صخبا كبيرا و ضجيجا ملفتا و يلقون بالأحكام القاطعة سالكين أساليب تحوي  الكثير من السّخرية و الاستهتار و التّهكم…ظانين بأنّهم أمسكوا الجمل بما حمل ..و خاصة إصدار أحكامهم على محترفي الشعر الحرّ أو القصيدة النثرية بضآلة بضاعتهم و قصورهم في صناعة الشعر الخليليّ الموزون المتغنّى به ..و يستدلون بأقوال علماء فطاحلة كالشيخين محمد البشير الإبراهيمي و محمد الغزالي رحمهما الله تعالى ..سمعا و طاعة عندما يقول ذلك أمثال الشيخين فهما من أعلام اللغة العربية و من روّادها و المنافحين عليها لخوفهما الشديد من ضمور اللغة العربية نفسها ..لغة القرآن و أهل الجنّة…

أمّا إذا تكلّم من لا يحسن التفريق بين متى يقطع و متى يوصل فتلك مصيبة عظيمة و يهرد نصوصه هردا فلا تكاد تفقه له فكرة و تحار في مفرداته الموظفة و كيف عاث في تركيبها فسادا و خرابا…

ممّا تعلمناه منذ نعومة أظافرنا أنّ البلاغة اقتضاء حال المخاطب ؛ فمتى بلغ المعنى ذهن السّامع أو القارئ ففهم منك و عقل فقد بلغت مرماك و حققت مرادك من القول… و لا يخفى على أحد أنّنا كمجتمع و أفراد قد فقدنا الكثير من لساننا العربي المبين لأسباب معروفة مبسوطة و تأثّرت مناهجنا التعليمية و أصبحت من الهشاشة و الضعف ما يشيب لها الولدان ..و غلبت أيضا اللهجات المحلية و الوافدة بقصد   أو بغير قصد جراء سياسة التغريب المنتهجة و المقصودة من عدّة دوائر داخلية و خارجية ..فكانت النتيجة من جنس المقدمات و لست مبررا لتلك السياسات و الوقائع بل و لا أخفي سرّا إذا أعلنت و لا فخر حبّي للغتي العربية و احتفائي بالشعر العمودي و لكنّني أعذر غيري ممن ضعفت همّته فاحترف كتابة الشعر الحرّ و برع فيه و بلّغ رسالته و أفكاره و ربما يصوغ لنا حرفه حللا جمالية و تحفا فنيّة تتناغم فيها أجراس القول مع سمو المعاني فتتحرّك أوتار النفوس و تُسحر الألباب و تُسرّ العيون  …

ثمّ إنّه لا خوف على الشعر العمودي ..ديوان العرب فهو محفوظ في الكتب و الدواوين و الرُّقع و الجلود و الألواح و الكهوف و النفوس و الضمائر فلما يحاول البعض إثارة مسائل مكانها الطبيعي أربعينيات هذا القرن ..لا أدري ما غاياتهم ؟.. أيعتقدون بأنّهم يدافعون عن اللسان العربي من الاندثار و الزوال …أم يظنّون بأنّهم يقطعون الطريق للشعر الحرّ و القصيدة النّثرية من استمرار مسارها في عالم الأدب و الشعر و الفنّ و الفكر…أم أنّ غرضهم فقط نحن هنا و فقط…سجّلْ يا تاريخ…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع