عربة عشتار (رواية1-5) /1

306

عربة عشتار
سردار محمد سعيد
(رواية )
1
الطموح
وقفت عند ساحله متربصة فأغرقها بلذته .
آه من الطموح لو صار هدفاً
وآه منه لو ارتقى إلى مصاف الغيرة
هكذا تصرفت “هناء” مع زميلتنا ” راحيل ” التي فضلتُها دون سواها من فتيا ت معهد الفنون ، وكنا ندرس تقنية رسم الحروف المسمارية .
هناء فتنة وجمال لايدانى ولا تملكها حتى راحيل .
لكن الجمال والفتنة لاتزيد المرء مهارة في شد انتباه المتلقي الباحث عن الإبداع فهو يبحث عمّا في الدواخل ، ويشد انتباه الباحث عن الإغراء الخارجي القشورإذ يُفتن بها لا اللباب ،على أن الباحث عن الفتنة والجمال لايهمل الخوارج فهي تثيرالدواخل إذا كان هناك خزين داخلي وإلا فماذا تثير.
الزملاء في المعهد كغيرهم من الشباب المكبوت يقضون أيامهم بممارسة العادة السرّية ويتخيلون خلالها أقرب واحدة تمر ببالهم والأقرب هنا زميلاتهم هناء وراحيل .
في نقاش مؤطر بالعلم والأدب المفتعل قالت هناء :
نحن مجتمع له قيمه وأخلاقه فلا يحق لأنثى ممارسة الجنس إلا مع زوجها
ومن تفعل عكس هذا فهي عاهرة ويجوز معاقبتها ,
ردت راحيل :
وكيف يستدل على عدم ممارسة أنثى الجنس .
أجابت هناء : غشاء البكارة دليل شرف الفتاة
فضحكت راحيل :
وهل يوجد للدبر غشاء بكارة ؟
فأضافت زميلة : ولا للفم ولا للأثداء ولا للسيقان المضمومة
أردفت راحيل :
كاذبة من تدعي أنها لا تفكر برجل عندما تختلي بنفسها ولا تتخيل شتى أنواع الممارسة وهذا حقها الطبيعي إلا إذا كانت غير سويّة
قالت احداهن :
أنا ابنة الحمارس الشيخ الأزبْ محطوطة المتنين كبداء الركبْ
أدل من يدب بي على العجبْ يدارك ………………….وقبْ
إذن هذا هو سر تمسكي براحيل ،عقل متفتح و مهارات فنية وليس لكونها مطلّقة
ذلك ما أثار الريبة في العقول الذكورية
أحدهم أكد على أنها مطلّقة وأكبر مني عمراً
عرفت مابغيته فقلت :
ما شأنك ………أحب المحترفات لا الهاويات
وراحوا يبحثون عن زلّة أو شطط فقال قائل منهم
شاهدو الوشم الأزرق على ساعدها الأيمن
لا شك أنه اسم حبيبها الأول
فأجبت بسرعة : وليكن
لا يمسح إلا بماء النار ويخلف تشوهاً وأردف مستفسراً بتهكم
لا ندري متى ستنتقل إلى الساعد الأيسر فتوشمه
رد أحدهم أو ربما تنتقل إلى …………….؟؟؟؟
سمعت يوماً صراخ ابنة جا رنا وكان يوم زفافها وعرفت أن نسوة من الأقارب تحلّقن حولها وهي مستلقية على بجاد فُرش أرضاً ومسكنها بقوة وراحت أكبرهن
عمراً تنقش جلدها وخزاً بإبرة وبعد كل وخزة تنثر فوق الجلد رمادَ سيجارة مشتعلة فيمتزج مع الدم فيتلون بلون أزرق وتظل تصرخ والنسوة يضحكن والأم تقول : لا يدرين أن العروس الملساء غصن أجرد
هناء ليست بحاجة لإبرة لتشم الذكور
نظراتها إبر في أفئدة الزملاء
أحداقهم لا تفتأ متسمّرة في قوامها اللين عندما تتحرك
تحملق في تفاصيل جسدها تاركين ماهو أجدر بالتركيز
راحيل صلبة كعود القصب لكن أصابعها مفعمة ليونة ومهارة
صَنعت من أجل دراستنا عشرات الأقلام ذات النهايات الذربة التي تترك أثراً في ألواح الطين يشبه ما يتركه ضغط مسمار
ويشبه ما تتركه إبرة وشم في جسد عروس .
2
طلبت مني راحيل مرافقتها لزيارة آثاربابل لملاحظة أشكال الحروف المسمارية عن كثب فقبلت لفوري
عندما سمعت هناء جن جنونها
إذن تأجج تنور الغيرة ,
إنفرادها معي والإختلاء بي في موقع شبه مهجورأثار خيالات وأوهام كانت قاسية على نفسها وراحت تتخيلنا في أوضاع مثيرة ضماً وعناقاً والتصاقاً وكل مايمكن أن يجري بين مطقة وشاب قادر على تلبية حاجة أنثى تعودت عليها زمنا ً مضى.
وشوهدت في اليوم الثاني وهالات سوداء تطوق أحداقها وشحوب في وجهها يوحي بأرق إنقض فأمضت ليلتها في سهر مضن وأوهام لا مبرر لها .
عند اجتيازنا مدخل شارع المواكب من خلال الباب الذي وزعت على جانبيه رسومات لحيوانات ذات خلقة لم يعدها عقل ولم تألفها عين
قلت هذا هو الإبداع فأجابت : لي رؤية مختلفة فهذه الحيوانات نتيجة ممارسة أنثى حيوان واحدة مع عدد من الذكور من أنواع تختلف عن نوعها , وهذا ما تدعو إليه عشتار
كأننا وسط زحام الحشود يوم نصر عظيم
تسلقنا مرتفعات وصعدنا سلالما وحين تكون على وشك النهاية تمد يدها و تقول: خذ بيدي .
لو كانت هناء تعلم كم هو عدد المرات التي تشابكت فيها أصابعنا لجنّت , وكانت ستقول ,هي فرصة لراحيل تهتبلها كي تلمس فيها كفي .
خذ بيدي , حجة ليست لبلوغ النهايات بأمان ولكنها حجة لبلوغ نهايا ت أخرى .
قالت ونحن قرابة نهاية الشارع ,
– ألا يعجبك رؤية البئرالذي عشتار تستحم بمائه ؟
-أعتقد أنه نضب
– تعال وشاهد
وعلى حافة البئر قلت :
– صدق حدسي .
ولم أكمل الجملة حتى دفعتني فهويت في قرار سحيق وغرقت في ماء لجّي وشعرت بالنهاية اقتربت وسأموت اختناقاً لولا ثمة حوت رمادي حملني على ظهره فتمسكت بزعانفه ونبذني عند الساحل ,وكان قد جعل رأسي أعلى من سطح الماء لأستنشق الهواء
هواء نقي وماء رقراق ، حقيقة وليس من وحي الخيال .
وإذا بيد تمتد
لفاتنة من القرب تقول :
– خذ بيدي ,
مددت لك يداً فامدد يدك .
يفال أن مروزياً وكانوا يوصفون بالشح والبخل سقط في بئر فقال له أحدهم ها ت يدك ففضل الموت على أن يعطي يده ففهم الرجل فقال له خذ يدي فتمسك بها سريعاً .
ثلاث فاتنات أحطن بي ,قالت إحداهن : نحن خادمات عشتار أرسلتنا لنستقبلك ونعلمك ما يجب أن تكون عليه قبل لقائها
هذه رضاب خبيرة القبل
وهذة لفّاء خبيرة الضم والشم
وأنا امتزاج ستعرفني لحظة رؤية عشتار
نحن في جوار مخدع عشتار تنتظر
وبعد وصولي برفقتهن إلى فتحة في صخرة عند سفح وهدة تبدو لناظرها مهجورة لمحت في كف امتزاج مجموعة أقلام قصبية وقالت بصوت رقيق:
أقبل , فبرز وشم أزر ق على الساعد ,هذا الساعد أعرفه , أقبل ولا توجل
أنا زميلتك راحيل , ولما تأهبت لصعود الوهدة قالت : خذ بيدي .

3
القصب الذي تشذبه راحيل يليق به الطين الذي برعت في إعدادة مذ كنت صبياً وكنت أنتظر انتهاء موسم الفيضان .
إيه دجلة الخير . لاشك أن سيولك جرفت الكثير من كتل الطين
طين أحمر قان لونه يسر النظر
سترته الرمال غلافاً اتقاء الحسد
لم يكتف الرمل بأن يكون دريئة فتغلغل في ثناياه
إذن علي إنجاز مهمتي لتوفير كمية لعام
الذهاب إلى ما يشبه الساحل أمين وسهل بوساطة دراجتي الهوائية لكن الإياب تكتنفه صعوبتان أولاهما ثقل كتلة الطين لذا علي دفع الدراجة راجلاً إذ تغدو عربة سالكاً طريق بستان النخيل القصير
والآخر الكلب السائب الذي لا بد من إغرائه ببعض العُظيمات لذا يجب أن لا أنسى مائدته
بعيد وفاة أبي تناولت أمي قبصة من الطين غيرالمعد وطلت به وجهها فتبسمت ضاحكاً فقالت ممتعضة
أتضحك ولم يمض أسبوع على رحيل والدك
قلت : إن الطين نياشين الكادحين تعرفة جباههم وجلودهم وثيابهم ومن اتشح به اتشح بأصل ومصير البشر
قصتي مع الطين لم تنته بعد
أضعه في طست عتيق وهبته لي أمي وأغرقه بالماء لليلة فيكتسي سطح الماء خبثاً من ملح ورمل ذائبين
وأعيد العمل لأيام مع عجنه بقدميّ ليكون الضغط شديداً فلا أترك لحبة رمل واحدة تغلغلاً
وبعد مُدة يصبح طيناً نقياً تتمنى كل عاتق إذا رأته أن حبيبها بهذا النقاء والصفاء واللين والتماسك .
4
أدخلتني في رواق طويل نحت من حجر مرمري أخضريتلألأ نوراً بسقف أزرق حسبته قبة السماء ثمةغانيات سوداوات الجلود مدججات برماح طويلة مقوّمة وعلى باب خرافي التصميم تحرسه حا رستان صامتتان لاتعرفان غير لغة الإشارات
هذا مدخل غرفة عرش عشتار, ولكن المدخل مغلق بجدارصلد من حديد مذهّب ليست فيه ندبة أو خدش ولا مزلاج أوعروة فقلت :
كيف أدخل ولا منفذ فيه ؟
قالت: مر من خلاله في ظل طائر سيقودك وإياك أن تتجاوز حدود ظله فستمر مرور الكرام ..ولو لم يؤمر لصاح بك : إنك لمقتول ولحمك مأكول
وهدر خفق جناح لطائر أسود الريش بستة رؤوس ومناقير صفرمخيف الهيئة لضخامة جثته وله ظل أشد سواداً من ريشه وتعجبت من ظل بدون ضوء ساقط فتلفتّ باحثا ً عن الضوء فضحكت راحيل وقالت :
ليس كل ما تعلمته في المدارس يصدق في المخدع الخرافي للربة عشتار.
ولك أن تعلم أن الليلة ليلة يختفي فيها القمرتجد فيها عشتارلذّة في مقابلة البشر لتبرهن لهم أن نور جسدها يفوق نور القمر.
نأتلق من شدة بياضه شفاف كأنه زجاج لايصدأ غيرقابل للكسر.
كنت أرتجف ورجلاي تصطفقان من رهبة ربّة متأنسنة جعلت قواي تنهار تُرى ماذا سيحل بنبي قال لربه أرني وجهك ؟؟؟ إلا أن تدك الجبال التي تحيطه دكاً
يالسعدك فرصة ماسيّة…………….إقتنصها فشتان بين من اقتنص رسم حرف بعميق نظراته وبين من يقتنص ربة بمقالته وهي التي طالما اقتنصت قلوب الرجال بحبال فتنتها وحلو كلامها
اليوم تتاح لقدمك وضع الخطوة الأولى في سلم الحياة
لاتدعها تهرب منك
قالت عشتار بغنج المراهقات وعشتاراقتاتت الدهور وازدردت السنوات :
لا توجل وتقدم .
لهجتها كانت متواضعة ولا تخلو من نبرة الأرباب .
أريد منك أن توثّق بدقة ما أخبرك به جلجامش فيما عشقت واحببت ,
لايفقه أن ذلك يفرحني بل يسعدني
وهذا مايميزني من طاغية جبار
وثّق ودع التاريخ يحكم أيما الأروع عاشقة الحياة والجمال أم حامي الأسوار الذ ي لا تهدأ شهواته إلا إذا افتض عذراء قبل زوجها
وثّق
أنني أحببت تموز الجميل .
وطائر الشقراق المرقش .
والأسد كامل القوة .
وحصان السباق .
وراعي القطيع الذي لم يستجب لنزواتي فمسخته ذئباً .
وإيشولا بستاني أبي .
ولم أترك أحداً إلا استمتعت بقوته سوى جلجامش الذي رفضني و شتمني.
جلجامش الوسيم الذي ذاق الثمرات كلها ’ المهووس بالأبكار فلم يترك بكراً لأمها .
إذا وثقت هذا أكون قد نلت قلمك وتشعرني بسعادة هي الخلود
الخلود عندي مغاير للخلود الذي يبتغية جلجامش
كن نداً له واجعله يدرك أن عشبة الخلود لن يحصل عليها
لقد فشلت معه ولم يقبل عربتي الفريدة هدية .
عربتي التي تجرها الصواعق .
خذها هدية نكاية به .
قبيل مغادرتي بهو عشتارالخرافي قالت :
هلم َّأقبّل جبينك وكما يطبع قلمك القصبي الطين أطبع رضاب شفاهي .
أوصتني براحيل
هي ابنتي وأكثر من نتاج بطن وُهبت بوفيّة كما وُهب جلجامش بإنكيدوتبنيتها يوم وجدتها ينهمر الدمع من أعينها النجل وبوجه يفيض براءة يتقلب يمنة ويسرة فلا يجد معيناً في زحمة السبي البابلي ولكونها لاتثرثر جعلتها خازنة أسراري , خذ بيدها .

5
أخذت منّي وعداً لتوثيق ما رغبت وكنت حريصاً على الوفاء لأن عشتار عُرفت بالعناد وخشيتي عدم الوفاء معي فلا تهبني عربتهنا النفيسة .
كم من رجل متمرس مع النساء فشل معها
قطفت ثمار شجرته وتركته غصناً أجرد.
تقول : قُسّم الشبق عشرة أقسام خصصت بتسعة وما بقي فلنساء العالمين .
وفّيت معها ووفّت معي .
في هدأة ليل كنت في محترفي منكباً على ختم أسطواني أنقشه
طرق الباب طارق بهون وكان من الواضح أنه لا يريد إثارة فضول الناس
راحيل ومعها العربة وآنية أشبه بالإبريق الصغير
هذا الإبريق فيه عقار رشفا ت منه تطيل العمر دهراً .
هدية من عشتار فاحرص عليه وخذ العربة وطف حيثما شئت وشاهد مالم يشاهد فمن يرى لا كمن يسمع وستجدني أبرز لك أنّى ذهبت إذا احتجتني
فخذ بيدي .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات