صحافة النقد.. حديث في العلاقة بين الصحفي و المسؤول
علجية عيش
يكثرالحديث عن الصحافة و تطورها كلما احتفل العالم بحرية الصحافة المصادف للثالث منماي من كل سنة في ظل التعددية الإعلامية و في ظل الثورات الشعبية فيماعرف بالربيع العربي ، برزت فيها الصحافة الإلكترونية بقوة بعدما قطعت شوطا كبيرالا يستهان به بحيث أضحت أكبر منافس للصحافة الورقية، ذون أن ننسىالبروز القوي للقنوات الفضائية، و هذا بفضل التطور التكنولوجي الذي حَوَّلَ العالمإلى قرية صغيرة من السهل جدا الإطلاع على ما يحدث في الجوار، و في ظلهذا التطور و ما يشهده العالم من تغيرات و تحولات على كل الأصعدة، بات من الضروريرفع كل التحديات خاصة بعد مجيء الربيع العربي و”الحَرَاك ” الذي حركمشاعر الشعوب التي خرجت في مسيرات شعبية تنادي بالتغيير و تحقيق الديمقراطية، فيهذه الورقة الصغيرة لا يسعنا الحديث عن الصحافة الحُرَّة أو ما يسمى بصحافة النقدو كشف العلاقة بين الصحفي و المسؤول، هذه العلاقة التي لا تخرج عن حدود المهنة هيفي الحقيقة علاقة تكامل بينهما، فالصحفي في الصحافة المستقلة أو القطاع الخاص كماهو عين المواطن التي يرى بها و تحرس مصالحه، فهو كذلك عين المسؤول، لأنه بواسطةالنقد يصحح أخطاءً و يكشف مواقع الخلل عندما يرافق المسؤولين و يقف على النقائص أوالعيوب في المشاريع التنموية.
هذا الخلل أوالعيوب قد لا ينتبه لها المسؤول، أو قد يتجاهلها لكثرة انشغالاته، و إن كان هذاالدور يتقاسمه الصحفي في القطاع العمومي إلا أن الصحفي العامل في مؤسسة إعلاميةمستقلة له هامش صغير من الحرية في النقد، النقد البناء و ليس النقد الهدام، عكسالصحفي في القطاع العمومي الذي لا يمكنه أن ينتقد برامج الحكومة، و لذلك يلاحظ أنبعض المسؤولين يفضلون التعامل مع صحافيي القطاع العمومي و يستثنون القطاع الخاص،رغم أن الاثنان مكلفان بنفس المهمة، فأن ينتقد صحفي لا يعني أنه ضد مسؤول ما ويريد الطعن فيه، إلا أن بعض المسؤولين ينظرون إلى الصحفي بنظرة الخصم، لأن هذاالصحفي و بكل بساطة لا يجامل و لا يغفل عن النقائص التي يقف عليها في مشروع منالمشاريع، فهو قبل كل شيئ “مُلاحِظٌ ” observateur ومن واجبه أن ينقل ما يلاحظه للمسؤولين وللرأي العام، كما من واجبه أن ينقل انشغالات المواطن، فلا يقتصر دوره على المجاملةأو كتابة “كل شيء على ما يرام” tout va bien ، و إنكان للصحفي المستقل هامش الحرية فهذا لا يعني كذلك أن يضرب أخلاقية المهنة عرضالحائط، فالنقد لا يعني السّب و الشتم و القذف في الآخر و الطعن في شرفه و عرضهفهو يعمل وفق ما يمليه عليه الضمير أولا، ثم القانون.
من واجب الصحفي الالتزامبأخلاقية المهنة لأنه قبل كل شيء فهو يحافظ على صورته كصحفي، و الثانية أنه يمثلالمؤسسة الإعلامية التي يتعامل معها و من واجبه أن يحافظ على سمعتها، نتحدث هنا عنالمؤسسات الإعلامية الملتزمة التي تحترم الرأي و الرأي المخالف، لا عن الصحف التيحولت مكاتبها إلى دكاكين أو سوق تبيع و تشتري في المبادئ الإعلامية، و على رأسهاالنزاهة و المصداقية في نشر الأخبار و طرح المشكلات الاجتماعية، صحفتقودها عصابات أو مافيا من أجل الوصول إلى السلطة، أو أنها تلمع صورة مسؤول منالمسؤولين من أجل الحصول على امتيازات، وجب هنا أن نفتح قوس (…) بأن الصحفيالنزيه ، كما ينظر إلى النقاط السلبية في المسؤول، من واجبه أيضا أن ينظر إلىالنقاط الإيجابية التي يراها في المسؤول، الذي بجهده يكون قد حقق الأهداف المرجوة،فليس كل مسؤول توجه له تهمة اللامبالاة و سوء التسيير و خيانة الأمانة.
ما يمكن الإشارة إليه و بلغة الصراحة أن هناك هُوَّةٌواسعة بين الصحفي و المسؤول، و غالبا ما تتسم العلاقة بينهما بالخصومة،تنعدم فيها روح التناغم الذي يحدث التكامل، رغم أن جل الصحف ترتبط برامجها ومناهجها مع الإدارة و المشاريع التي تقام هنا و هناك من أجل خدمة الصالح العام والتطلع إلى طموحات المواطن بالدرجة الأولى ثم المشاريع التي تساهم في تحريك عجلةالتنمية و ما يحدث في الساحة السياسية أيضا و العلاقة القائمة بين الإدارة والأحزاب السياسية و النقابات و علاقة الإدارة بالطبقة المثقفة، لاسيما و هذهالأخيرة تعتبر العين الساهرة التي تحرس مكتسبات الدولة و حماية القيمالثقافية و الهوية الوطنية من التفسخ ، ما يمكن قوله أنه وجب اليومإعادة النظر في العلاقة المهنية بين الصحفي و المسؤول و غياب الآليات لربط خيوط الاتصالبينهما، حتى يلعب كل منهما دوره كما ينبغي لتحقيق المصلحةالعامة و ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح و العقلاني، يكون ذلك بالتخلي عنالنظرة الضيقة لكل طرف و وضع حد للبيروقراطية و تحقيق التوازن بين القيم الإداريةو القيم الإعلامية المرتكزة أساسا على الثوابت الوطنية لا على الجهوية و المحسوبية.
علجية عيش