شخصيات غامضة

322

سردار محمد سعيد

هذا مقال ليست غايته التصدي لأمور دينية فهذه له مجالها ولها من يختص بها ويبحث فيها
غيرانه مقال يدرس شخصيات غامضة لادليل مادي أو غيبي على وجودها ،أو شخصيات لها دورها في المجتمعات ، واخترعت قصص حولها وزيفت روايات وحكايا، ورب قائل يقول وكيف كيف ستتصدى لشيء مجهول ؟ فأقول هذا هو ديدن العلم يكتشف ويخترع ما سُترعن الأنظار بالتحليل والتجربة إن توافرت لها شروط معينة، ولكن في هذه الدراسة يتم التحدث عن شخصيات قضت منذ أزمان وصارت في ذمة تعالى ، وليس لدي سوى الوثائق التاريخية التي سأعتمدها دون الأخذ بالتفسيرات التي تجافي العقل على وفق ما نفهمه ونعلمه اليوم .

1 أبو النبي موسى
جاء في الذكر الحكيم ذكر النبي موسى عليه السلام أكث من مئة مرّة ، واتخذ حيزاً لم يتخذه نبي أخر، وشغل مساحة واسعة وقصته من يوم ولد إلى يوم بعث وما بعدها قصة من احسن القصص تخلب الألباب وفيها كما أتصور أكثر من ذروة .
بالإمعان في القصة نتذكر الحاكم الطاغية المتجبرفرعون الزمان ، والذي خشي على نفسه وحكمه من وليد آت فأمر بذبح أو قتل كل مولود جديد ، وفي ذلك الوقت في الأزمة التي سلطت على الشعب المصري المسكين ولد الصبي موسى ، ومن البدهي أن يحرص الأب قبل الأم والأخت على الطفل الوليد كما هو معروف على مر العصور لا سيما في المجتمعات الأبوية والعقول الذكورية والتي تأمل في الذكور مالا تأمله في البنات .
يحدثنا التاريخ ويؤكدة التنزيل الحكيم عن اسماء الأنبياء وأسماء أولادهم مثلاً النبي ابراهيم الذي ذكر اسم ابيه آزر، ” وإذ قال ابراهيم لأبيه آزرأتتخذ أصناماً آلهة …” الأنعام 74 .وقد وجد المفسرون تبريراً غير مقنع البتة وهو (مافائدة ذلك ولا نفع له ) فلنؤكد على مسألة مهمه وما نفع ذكر الأم والأخت وليس المقصود الأسماء ،واوحي لهما – وحي علم وليس نبوة – بفعل ما أمرن به في الحفاظ على حياة موسى الرضيع وليس الأب الذي لا دور له في الموضوع ، ثم لنسأل ما نفع ذكر اسم يحيى واسم ابيه زكريا .وما نفع ذكر اسم عمران في سورة آل عمران 35 وفي التحريم 12 ، فهل معرفة اسم أب مريم يفضل معرفة اسم اب موسى علما ً ان موسى نبي ومريم ليست نبية .
أنا لا أشكك بالمُفسَر ابداً ولكني أشكك بالمُفَسِر فهو غير مقدس بل انسان عادي . ولي الحق في تساؤلات منطقية كما أراها فوجدت آباء الأنبياء لهم دور في حياة النبي فلأضرب أمثلة ، النبي نوح سأل نصح ولدة ” …. ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ” هود 42 ، وحديث ابراهيم عليه السلام مع أبيه الكافر الذي يعبد الأصنام ، كذلك الحوار بين ابراهيم وولده اسماعيل ” فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظرماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمرستجدني إن شاء الله من الصابرين ” الصافات 102
وتربى موسى في بيت فرعون فنشأ قويَّ البنية متينها بحيث أنه قتل رجلاً بضربة واحدة “…. فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ….”القصص 15
وهنا لم يكن أي دور لأب موسى ولا نعرف أكان مؤمناً بالله مثل ولدة موسى قبل الرسالة ، في حين نرى أن رجلاً آخر هو النبي شعيب قيضه الله ليكون له مساعداً وبمثابة الأب ” .. فلما جاءه وقص عليه القصصص قال لاتخف نجوت من القوم الظالمينن ” القصص 25
ولما أحبته حباً شريفاً عفيفاً ابنة شعيب وأرادته أن يبقى إلى جانبها ” قالت احداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ” القصص 26 . فأحس شعيب بهذا فكان بيده الحل النقي فاخبره أنه يريد أن ينكحه ابنته ” قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هانين على أن تأجرني ثماني حجج …. ” القصص 27 . فبدلاً كما هو متعارف عليه أن يخطب الرجل لإبنه ولكن شعيب خطبه لإبنته وهنا نلاحظ نقطة مهمة أن موسى علية السلام وصف بالأمانة ، وهذا يذكر بالوصف الذي أطلق على محمد صلى الله عليه وسلم ، كون أن الأمانة لها عند لله منزلة كبيرة فسبحان من قال ” إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ….” الأحزاب 72 وحمل هذه الصفة كل من النبي موسى والنبي محمد عليهما السلام .

2 العبد الصالح
هو الخَضِر كما يروى ويخطأ الناس بلفظ الإسم فيقولون الخضربضم الخاء وكسر الضاد،ويعتقد بعض الناس أنه حي ويزورهم في السنة في يوم محدد فيعدون له مائدة خاصة ويتركونها في غرفة مغلقة لئلا يُرى فياتي ويأكل منها . وبعض الناس يعدون في ما يطفو على الماء انواعا من الطعام وحلوى وأوراقاً خضروشموعاً وتجعل في الماء .
والأسم مرافق للخضرة فهل كان بلون أخضر فالطبع لا وإلا لكان التعرف عليه يسيراً بسبب وجود انسان مائزاللون يختلف عن الوان البشرالمعروفة التي تتراوح بين الأبيض والأسود مروراً بالأصفر والأحمردون وجود الأخضر بينها وقد استغلت هذه الألوان لتمييزالأعراق ، وهناك بحوث معروفة علمية تشيرإلى صبغات وهرمونات تكسب الجلد البشري الألوان ، والخضره ناتجة من وجود الكلوروفيل كما هو من صفات لون النباتات عامة ، وتطلق الناس صفة الزرقة والسواد عليها ، فمن أين جاءت صفة الخضرة فسمي الخضرفهناك روايات منهاا أنه حيثما جلس يزهر ماتحته ويخضر ،ومنها أنه جلس على فروة بيضاء فاهنزت تحته خضراء وأرى أن هذه النظرية أقرب ما تكون علميّة لأن وجود الإهتزاز هو الفكرة الأساس في تعريف اللون ، فاللون صفة للضوء تعتمد على تردده والتردد هو عدد الهزات أوالذبذبات في الثانية الواحدة وكل لون هو صفة الضوء التي تعتمد على تردد معين .

3 مسيلمة الكذّاب
مسيلمة كذّاب وكذاب أشر وهذا لا اختلاف فيه ، بل وأزيد أنه مجرم بدعوته الزائفة كان يريد شق كيان انساني أنزله رب العزّة أولاً ومجرم قتل الكثير ورمل نساء ويتم أبناء ثانياً .
ويقول الزمخشري أن مسيلمة من بني حذيفة باليمامة وهورئيسهم ،وروى الواقدي أنه ادعى النبوة في حياة محمد صلى الله عليه وسلم .
من أقواله كتابه إلى الرسول ” أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك “.
بوفاة الرسول وبعدها ارتدت قبائل ومجاميع منهم أسد وغطفان وعليهم طليحة الأسدي ، وكندة وعليهم الأشعث بن قيس ،وربيعة وعليهم مسيلمة ، وسُليم مع الفجأة وتميم مع سجاح الكاهنة .
وعلى وفق رواية الواقدي أنه قال لقومه بعد ادعائه النبوة ” يا معشر بني حنيفة ما الذي جعل قريشاً أحق بالنبوة منكم وليسوا بأكثر منكم ولا أعد ، والله إن بلادكم لأوسع من بلادهم ،وإن جبريل ينزل علي كما ينزل على محمد” .
ومن أقواله لقومه عند حصارهم في حديقة الموت ” اليوم يوم الغيرة إن هزمتم تستنكح النساء سبيات ، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم ” .
وهذا لا يتناسب مع كتابه من فج الكلام وأرذله ، ويبدوا أن الرواة تسابقوا ليظهروا ما هم عليه من حرص على الإسلام فراحوا يحطّوامن شأن مسيلمة إلى حدود فاقت التصور متناسين أن الإسلام لا يحتاج أن يكون المقابل واطئاً وقصيراً لكي يعلي شأنه ويكون الأعلى والأقوى ، إنما هو قوي متين لأنه قول وكلام الخالق سبحانه ، وليس من خُلق الإسلام تسفيه الآخرحتى مسيلمة وإن كان كافراً ملحداً أو زنديقاً ، أرى أن شخصاً يقدر على أن يسنقطب آلاف من الناس ويجعلهم يفدون أنفسهم ويقاتلون بشراسة معه هو شخص يمتلك من المقومات ما أهّله لذاك ، إن أقل فكرة عن ضراوة قتالهم ومدته لدليل على أنه ليس هيّنا، وهناك شعر بذيء يروى عن الرفث بينه وبين سجاح التميمية ليلة العرس ومن الواضح أنه من وضع الرواة البعيدين عن ثقافة الإسلام وعليه مآخذ أولها كيف استطاعوا الوصول إلى مخدع الزوجية بحيث سمعوا هذا الشعر بين العروسين وثانيها كما أسلفت أي خُلق هذا في التنصت على زوجين ليلة الزفاف ، ولا أذكر هنا هذا الشعر ويمكن الرجوع إليه في المصادر : المرقصات والمطربات – ابو الحسن الأندلسي ، محمد بن عمر الواقدي ، البدء والتاريخ ، وغيرها كثير.

4 العاشقان طل الخادم وعلية الأميرة

“علية “ابنة المهدي الخليفة العباسي من جاريته مكنونة والتي كانت الخيزران الجارية تغار منها ، ووصفت بالجمال والتدين وأظن هذا من الرواة والمحاباة للسلاطين ، فهم يطلقون عليهم الصفا ت الخلقية الحسنة والجمال والخُلقية البهية ،فيسرفوا بالمديح والثناء الجارف حتى لو كان غير موجود ولا يمت للحقيقة والواقع بصلة فمن يستطيع أن ينكر جمال الوجة ورشيق القدود ،لقد الذي حباهم به الخالق وسندهم في هذا الله أعلم فيمن يضع الخلافة ويعطي الحكم والقيادة ، وعلى هذا لابد تنزيه “علية ” واسباغ الجمال والكياسة والوقار والحكمة والتدين فهي قارئة القرآن والمتمسكة بتعاليم الإسلام وشرائعه ،كذلك لابد لها من العودة لنهج جدها الرسول محمد ويتناسى هؤلاء الرواة وأقلامهم المسخرة لخدمة السلاطين الطبيعة البشرية والمتطلبات الإنسانية والفسلجية والحا جات الجسدية ، فوصلوا بها حالة التقديس وما قالته وما فعلته مع خادم القصر ” طل ” مجرد عبث ولهو في الكلام ،- راجع مثلاً المنتظم في تاري الأمم والملوك – جمال الدين الجوزي – .
ويبدو أن طل هذا يمتلك مقومات الرجولة والحسن جعل من أميرة تقع في غرامه ولِم لا أليس هو انسان خلقه تعالى ، وعلية انسان من جارية من سبايا النساء.
اتقدت المشاعر حين غاب عنها فتسللت اليه على ميزاب وقالت :
قد كان ما كلفته زمناً بك ياطل من وجد بكم يكفي
حتى أتيتك زائراً عجلاً أمشي على حتف إلى حتفي
ولها
اليأس بين جوانحي يتردد ودموع عيني تستهل وتفتقد
إني لأطمع ثم انهض بالمنى واليأس يجذبني إليه فأقعد
ثم فاضت الهوى فقالت :
اصابني بعدك ضر الهوى واعتادني شوق واقلاق
قد يعلم الله وحسبي به إني إلى وجهك مشتاق

ورويت عن حادثة موتها رواية لا يصدقها عقل طفل فقيل أن المأمون ضمها وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى فتأذت وسعلت وحمت أياماً فماتت .
وقد سبق وأن حلف عليها الرشيد بأن لا تكلم طلاّ ولا تسمي باسمه فضمنت له ذلك ويدل
هذا الطلب على أن الطبقة الحاكمة كلها معنية بهذا الحب الجارف فالأب يطلب وينصح والأخ يوكل إليه التخلص منها .بعد أن خاب ظن الخليفة الكبيرالرشيد إذ احتالت وقرأت ” فإن لم يصبها وابل فطل ” فقالت يصبها وابل فـ الذي نهى عنه أميرالمؤمنين .
كانت علية تجيد الغناء وبذلك هي مبدعة شعراً وفناً ،وسمعت أم جعفرزبيدة بنت جعفر علية تغني للعباس بن الأحنف ، فأمرت أم جعفر بصنع لعبة من عاج كتب على صدرها وأهدتها :
للرشيد ولما أخبرته بقصتها ،فأحضر علية وغنته بالشعر،فجدد الصبوح :
إشرب على ذكر الغزا ل الأغيد الحلو الدلال
وبلغت مني غاية لم أدر فيها ما احتيالي
وشعر العباس بن الأحنف الذي غنته علية للرشيد:
عندي مثالك لعبة عاجية لو كان يقنع بالشبيه متيم
فإن فقدتك ساعة أكلمها لكنها خرساء لا تتكلم
ويروى عن اسحاق الموصلي ان علية غير شغوفة بالشراب ولكنها تتناول شيء منه .
ولأنها عشقت طلاً وأرادت ان لا تذكر اسمه وهو المراقب عمدت إلى الكناية ، فسمته ” ظل ” على أساس أنه جارية :
يا رب إني غرضت بحبها فإليك أشكو ذاك يا رباه
” ظل ” ولكني حرمت نعيمه وهواءه إن لم يغثني الله

والحديث عن طل وما كنه ايامه وموقفه من الأميرة علية فلا وجود لها أوذكر ،وفي نور الطرف ونور الظرفف لأبراهيم بن علي الأنصاري أنه قتله وهو المرجح عندي ، وسبق أن الرشيد قد حجب طل عنها لحظة احساسه بما بينهما ،

أيا سروة البستان طال تشوقي فهل لي إلى ظل إليك سبيل .

رحم الله طل الخادم البسيط المعشوق وعلية الأميرة العاشقة .
قضيا في سبيل الحب والعشق والهيام .
ولا يخفى على الناس سلوك بيت الخلافة العباسي تجاه معارضيهم سواء الأقرباء أو الأغراب .

5 البانوقة

هذه الفتاة العباسية التي منذ صغر سنها في مراهقتها برزت عندها موهبة القيادة، فتصرفت كالذكورفي هيئتها الملفتة للنظرومشيتها وحملها السلاح ،وتنامى ذاك ، فكان لابد من القضاء على هكذا بذرة في خطورتها على مستقبل الخلافة العباسية فهذا المظهرلم يعهد به ، ولا بد هنا كيف حصلت على ملابس الغلمان ومن اعطاها السيف بل من الذي سمح لها بالسيرفي مقدمة موكب الخليفة وبجواره.
قتلت ، وأشاعوا بأنها ماتت ولا يعرف كيف ودون سابق انذار ، وطرق الموت الرهيب في العصر العباسي مضحكة فعليّة قضت بضمة ، والمؤرخون والأقلام المسخّرة لخدمة الخلفاء أمراء المؤمنين لم يذكروا سوى شذرات لا تفي ولا يستطاع الحصول منها على معلومات تفي الباحث أو الدارس ، فكل ما جاءوا به:
البانوقة ابنة الخليفة العباسي المهدي ، وقد فات كتبة التاريخ أنها أخت علية غيرالشقيقة المرأة الشاعرة والمغنية ، أقول الذي فاتهم ان الفتاتين هما ابنتا الخليفة نفسه وتربتا في القصر نفسه، واحدة رومانسية الهوى رقيقة المشاعرمرهفة الحس تحمل الحب الذي يبطش بالقلوب، والأخرى عنيفة مسترجلة تحمل السلاح الذي يبطش بالأجساد ، وهنا المفارقة والعلم وليس السرد و الإنشاء وأتأمل أن يقوم أحد المتخصصين في التصدي لهذه الدراسة .
فقد ذكر الطبري عن أحدهم أنه رأى المهدي وفد دخل البصرة من سكة قريش يسيروالبانوقة بين يديه وبين صاحب الشرطة عليها قباء أسود ، متقلدة سيفاً في هيئة الغلمان ،”لاحظوا معي العقل الذكوري ” قال : وإني لأرى في صدرها شيئاً من ثدييها .
ويروي الطبري : وكانت الباقونة سمراء حسنة القد حلوة فلما ماتت أظهر المهدي عليها جزعاً ، وأمها الخيزران وهي شقيقة هارون الرشيد ، ماتت وهي صغيرة، ومما يلفت الإنتباه القول بأن المهدي ليس كأبيه بل الغيرة كانت أضعف نواحيه ، جاء ذلك في كتاب المرأة العربية في اسلامها وجاهليتها لعبد الله الباجوري .وهذه العبارة يمكن أن تكون مفتاح الحل لسؤل يطرح نفسه وهو لِمَ في خلافة المهدي ظهرن بناته وأقصد الباقونة وعلية مائزات دون سائر بنات امراء المؤمنين العباسيين ؟
لم يقل عن موت البانوقة سوى كلمة ماتت .
الرحمة لكل من قضت شهيدة الفكر النيّر، الباقونة المجهولة طريقة موتها وعلية التي قضت بقبلات ومن قبل في عهد الأمويين حبابة التي غصت بحبة رمان ؟

سردار محمد سعيد
اربيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع