شامة و الجحيـم

425

شامة و الجحيــم

الداودي الخالدي

 

عاد الرعاة في المساء يقودون قطعانهم..
ومع اصفرار الغروب تنتابك رغبة في معرفة إذا ما كان الزمن قد بدأ أم انتهى ..وحدها “شامة” تدرك السر المدفون في قفاطينها المنسوجة ببياض الليالي وسواد الأيام الخوالي..الرعاة الحالمون بجلباب صوفي ايام الشتاء والزمهرير القاسي حين تصطك
الأسنان وتجف الأنامل وتبرد الأوصال..
ينتعلون أحذيتهم البلاستيكية ويحملون معاولهم فوق أكتافهم يخطبون ود الأرض..تمدد على بطنه وأصغى بكل جوارحه..إنه ينبض…للأرض قلب ينبض كقلبي تماما الحامل لكل وجع السنين وصهد الظهيرة …تراءت له “شامة” تمرر المغزل على ساقها.. تغزل الصوف…ألم ينته بعد قفطانك يا “شامة”؟؟
الرعاة ينفخون شباباتهم النائحة أمجاد الشاوية ورجالات العلوة (الجحيم الذي لا يحرق سوى الأحرار)..
سبعة أعوام من المجاعة أكلت الناس الجيفة ..وراحوا يحفرون أعماق الأرض عن “إيرني والعسلوج”..أقحطت الأرض وماتت البهائم وجاعت الناس..وساحت في أرض الله الواسعة تبحث عن الخبز..وحين لا تجده تستسلم للموت البارد…أكنت تخيطين قفطانا أم اكفانا يا “شامة”؟..أم تعجنين للناس خبزا من الأوهام المملحة بغبار الأنسحاقات اليومية؟!..
وتشرق الشمس حارة كالعادة ..تصطف الدواب المتعبة جنب الحيطان المبنية بالطوب والتراب..وتسرد “أمي عيشه”سيرة الرجل الذي خطب “شامة”وأنها اشترطت أن تقيس عليه “القفطان” فإن كان مقاسه قبلته وإن ليس كذلك يبقى خادما في القبيلة حتى يشاء سراحه رجالات العلوة…
وٱستمرت “شامة” في نسج قفاطينها ونسي الناس أو تناسوا ذلك فكبروا وتزوجوا وولدوا وماتوا..ونسيت الأجيال ذلك ..حتى تلبدت السماءبالغيوم ذات مساء وأمطرت ماء باردا…”أبتاه ما هذا الذي ينزل بارداََ من السماء..؟!”
حرث الناس وحصدوا وطبخوا الخبز..”ماهذا الذي نأكله يا أماه..؟إنه مرير.إن أوراق الشجر أحلى منه ..؟”
حقا يا “شامة”….لأنه عجن بذموع شهداء سبع سنين…..!

الداودي الخالدي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع