سنوات الحب والدموع

272

هدى حجاجى احمد/

هل اختفى بريق الحب والأيام حتى أن عيناي ما عادت تبصر من هو أعز على من نفسي؟ أم من هو عدوي الذي يتربص بي الدوائر ويتصيد لي الأخطاء؟ حتى أني ما عدت أميز بين من يتفانى في وبين من يذيقني مر الأيام! نعم لقد اختفى بريق الأيام فما عدت أرى حولي سوى أشباح؛ هل ستظل حياتي تتلقف حيرة الماضي وأوجاع الحاضر الذي ابتلاني الله به؟ من هم أقرب الناس لي؟ كنت دائما ما أسأل نفسي هل استطاعت السنين الماضية أن تصلح ما أفسده الزمن بيني وبين زوجي الذي ارتسمت عليه علامات الحيرة والاستفهام في فهم نفس دائمة التقلب وقليلا ما تثبت على حال واحد؟ هجرت الاستقرار وهجرت بيتي وعشت عاما كاملا في بيت الطالبات أعزي نفسي بعائد اللحظات المجهولة بحثا عن الهدوء والراحة والسكينة وربما الوحدة. أعلى درجات الوحدة أن تعيش غريبا في بيتك لا أحد يفهمك ولا يحاول فهمك، وكل يوم يمر عليك هو بمثابة عام من الحزن والألم، لغتك الوحيدة هو الصمت وعمق المسافة التي تفصل بينك وبين من تحب. كنت أبحث فيها عن كلمة حب أو اشتياق تراقص روحي المنصهرة في تلابيب الغياب، حتى (يوسف) لم أعد أسمع له صوتا ولا همسا بعد أن أغلقت هاتفي في وجهه آخر مرة، واستبدلت شريحتي بشريحة أخرى هربا منه. ربما كنت أشهر له هزيمتي وأرفع له راية الاستسلام، لكني جبنت وتماديت في صمتي وقطعت كل الأسلاك المرئية واللامرئية بيننا. لماذا لا يريد أن يفهم أن النجم قد تغير مساره؟ بقي على الامتحانات شهرين، ثمة وجع هو لا يفهمه ولن يفهمه، الحقيقة لا يمكن أن يمتلكها كاملة.. يكفيه نصفها ليعيش بقية عمره نادما على تلك اللحظات التي ضاعت منه، لم يكن وحده هو السجان فقد كان من قبله أبي وزوجي وأخي الأكبر الذي هاجر مصر عند أول صدمة عاطفية واجهته. زوجي الحنون لماذا تصر على حياتي.. لماذا لا تفرغ كل رصاص مسدسك في رأسي وتريحني من ذنب لم أقترفه يوما غير أني أنثى الحياة.. ولدت لأموت وأموت لأولد من جديد.. لماذا لا تقتلني في زمن كل يوم تغتال فيه البراءة على أيدي السفاحين والمجرمين وقطاعي الطرق؟! وتجار الدم في فلسطين والعراق واليمن.. لماذا تحاول معي؟! اعتراف واحد كفيل أن ينهي حياتك ويحيلها إلى رماد.. لن أنس ذلك اليوم الذي دعوتني فيه للعشاء على مائدة الاحتمالات أن يكون هناك … فقد خاب ظنك ووصل ابن عمي القادم من بلجيكا وبصحبته بعضا من أصدقائه من رجال الأعمال وعندما تقدم نحونا وسلم علينا.. تغير لون وجهك مئة لون وظللت مرتبكا طوال الوقت كأن صاعقة من السماء قد نزلت عليك خلف الأبواب المغلقة كانت تعيش معه زوجته كغريبة.. تخفي آلامها وانكسارات الروح تاركة خلفي كل هموم الأمس، حتى أني ما بقي لي غير أن أنتزع قلبي من بين أضلعي حتى أرتاح من كل معاناتي ومعاناة البشر، أصبحت أعمل جاهدة في قهر ذاكراتي لعلها تكون ذاكرة النسيان التي تقودني إلى عالم مجهول اسمه النسيان أو الهذيان، سميه كما شئت أن تسميه، في زمن جريح استحالت فيه الحياة والموت معا، والحمد لله الذي أعطانا ألا نختار رسم الأقدار، فلو اخترنا لاخترنا أخطاء أكبر وحياة أقسى وأمر وقتلنا أنفسنا ندما ثمن الحرية.. ما دمنا أحرار أدركت اليوم أن الحياة والمرأة مثل الكرة والمضرب والصدمة تكون أقسى ما فيها صوت الفزع لم أدر ماذا يحدث؟ لكن الكرة تطير في الهواء تصطدم بقوة وبقسوة بشيء ما وتسقط سريعا ثم تصطدم ثانية الكرة على أرض خضراء ناعمة ..وعلى الجانبين يقف كلاهما ممسكا بمضرب كبير مخصص لقذف الكرة وأصبحت أنا الكرة، وكلاهما زوجي وأستاذي الذي أتقن فن اللعب بالكرة على أرض صلبة جامدة، يلعب وهو لا يدرك أن اللعب على أوتار قلبي، وزوجي يتلقى الضربات حتى يصدها عني بكل قوته واندفاعه نحوي وهو لا يدرك أيضا أن الضربة تؤلمني أكثر وأكثر فأنا (أسيل وجدي) لا ثمن لها إلا من خلال ضربات كل منهما كنت أبتعد وأنا في نفسي كلمة وأنا أعيش ترددا وأعلم أنه لم يفتقدني كلاهما إلا من يلحظ كبر الفراغ بعدي ويوم ما سيفهم كلاهما جيدا أن الأشياء ترحل إذا لم تجد الاحتواء، وأن الصبر لابد له من حدود وأن للطريق نهاية يوما ما سيفهم كلاهما أن الحياة لا تقف على عتبة أحد تركت كل الأشياء معلقة بعدي، حتى إن ما عاد صمتي يمثل شيئا ولا كلماتي يسمع لها صدى .. في هذا الكون الواسع الفسيح من وجهة نظر العالم.. الضيق المحدود في نظري.. تركت بيتي وحياتي تركت كل من لي هو رفيق عمري حتى أعيش وحدي في ركن معزول عن العالم ، قريبة وبعيدة علمتني رحلة الضياع أن الحب مثل فنجان القهوة له نكهته الخاصة واللذيذة التي تشتاق إليه من آن إلى آخر فأنت لا تستطيع أن تتركه ولا تستطيع في الوقت ذاته أن تملكه طويلا تمضي الأيام دون أن تترك بصمة فهذا محال، الحب في قانون المحبين لا عقل له ولا أذن فنترك كل ما لدينا ولننظر ليوم تكون فيه الأيام فيه أشد رحمة بنا .. توالت الأيام .. وذهبت إلى بيت أبى لزيارة أبي الذي أقسم ألا أعود إلى بيت زوجي حتى ترد كرامتي التي أهدرها بجنونه أويقضي الله أمرا كان مقضيا ..أعرف نفسي امرأة قليلة الحيلة أعيتها الأحزان طويلا ..امرأة مجزأة ما بين حنيني لطفلي الوحيد، وما بين عناد أبيه الذي لا يرى سعادته إلا في دموعي وذلي ،الأيام أقسمت ألا تنصفني إلا بعد أن تأخذ منا ومن الحب ذاته أجمل ما فيه، اكتمل حمل لم يكن برغبتي ..ربما أرادت الحياة لي الا تقطع الخيط الرفيع الذي بيني وبينه لكن الحياة في تواصل ،الاحساس والعاطفة كنا على بعد مسافات لا أكاد أسمع لك صوت واحد يقول أخبرني عن أيامك … لم يبق على سفر (يوسف) سوى يومين إلى الاسكندرية بعد أن نقل عمله هناك بالجامعة واشتدت بي الحيرة .. لكن هكذا تقسو الأيام وتتعالى حتى صارت القسوة هي القانون الأوحد الذي يحكم مشاعرنا لقد تجاوزت العالم، لكنه كان إنتصاراً حزيناً للغاية …!! العالم، تغير كثيراً وأصبح لزاما علينا أن نتغير، ولكن طعم الحياة أصبح ، علينا أن نتباعد كي ننجو، أن نتلثم أن نحذر من بعضنا بعضا، أن نغيب، أن نعي بسوء الواقع، حتى الأحلام الوردية صارت عصية… و الحقيقة، من معاناة عاشت بين جدران عازلة في موطن حزين اسمه القلب…..التقينا مصادفة وكنا على بعد خطوات أو سنتيمترات عز علي ألا أنظر إليه فبعد أن تقدمت خطوات ..عدت ثانية أتلفت خلفي كانت حقيبة يدى وأحمل بعضا من مذاكرتي تضاعف الحمل على يدي ..لم أدر غير خطوات مسرعة خطوات رشيقة تحمل عني وأصابع قوية اقتربت من يدى تمسك بها وتحاول أن تلملم ما تساقط منها على الارض كان وجهه الأسمر في مقابلة وجهى اقتربت عيناه حتى شعرت ان العالم كله تلاشى من حولي أو يكاد يتلاشى فما أن نظرت اليه حتى وجدته يرفع عن وجهي برقة خصلات شعرى المسترسل … وها هو أمامي رجل الإعصار الأوحد مرة أخرى قال : ما كان يجب أن أسافر قبل أن أودعك ، حرمتني قربك واليوم القدر الذي حرمني منك هو ذاته يجعلني قريبا منك حتى أرى ما بداخل عينيك قالت: دكتور يوسف لا تنسى أننا في حرم الجامعة أنت لا تبالي الناس حولنا !!!

أيها الفرحُ المُسّجى في نعش روحي فقيداً , مَتى تُبعثُ حيّا ؟

كانت الابتسامات العذبة المنطبعة على شفاههم صدى للأحلام السماوية التي يسبحون فيها ، وربما كانت الملائكة في هذا الوقت تهمس في آذانهم . قال أنا لا أبالي إلا لشيء واحد هو أنت أسيل ..كفراشة نبت لها جناحان … قلت لكن أنا لست لك .. وضع يده على فمي قائلا أنا لا أريد أن أسمع كلمات الأمس قلت الأمس ما زال موجودا بيننا لم يغرب بعد ولم تشرق شمس آمالك بعد يا يوسف قال هذة أول مرة أسمع اسمي مجرد بلا ألقاب .. وربما أنها الأخيرة تسمعه!! قال: أنت تحاولين خداعي و استملت مشاعري نحوك. قلت لا لست بحاجة إلى خداعك ولن أستطيع ذلك ..فلست أنت ذاك الرجل ..لم أنس أنني أمام رجل صاحب تجارب ، صاحب صولات وجولات .. وأنا تلميذتك الواعية لكل مدارك . ولهذا أنا هنا الآن أودعك وعزائي أن تجد في سفرك سلوى وراحة من كل معاناتك .. وجراحك أنا (أسيل وجدي )حاول تنسى كل ما فرضته علينا الظروف ..أيامنا وكل ما حذفته أحلامنا من سجل دفاترك التي أوهمت بها نفسك الكثير أنسى لحظات الفراق وأيام مرت كالسحاب كنت تحادثني فيها بنبرة فيها برود وكنت أحادثك بنبرة مليئة بالكبرياء وكلانا يقتل الآخر ولتكون الأيام سندا لك لاعبا عليك ولا تدع الأمل يخدعك ثانية في لقاء لن يحدث أبدا فالحلم لا يحدث إلا مرة واحدة في العمر إما تحقق وإما تلاشى فلا تدع الأمنيات تخدعك ببريقها الزائف، قال كانت لي أمنية واحدة وأملا واحد لكن اليأس الذي علمتني إياه هو الحقيقة الوحيدة التي أقسمت عليها أنت تبدأين حياتك وأنا أنهيها وهذا هو العدل المنصف في قانون ((أسيل وجدي)).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع