سطور عن رواية سمية العبيدي الثالثة( الأرض سَنة ….)

207

سمية العبيدي/

سطور عن رواية سمية العبيدي الثالثة
( الأرض سَنة …. )


مع إن مقدمة هذه الرواية لا تكاد تختلف عن كل ما كتبت العبيدي في بدايات روايتيها السابقتين … حيث تُوظف البدايات عندها لتوضيح النص

وإلقاء الضوء عليه , كما إنها تكون جزءاً مهماً منه . غير أن المقدمة هنا تتميز عن المقدمة في روايتيها السابقتين في أنها لم تُستق من واقع الحياة ولا من مجريات الرواية كما يحدث في تلكما الروايتين بل المقدمة هنا رأي في الحروب والمعارك وما يتبعهما من تغيير على النظم الاجتماعية و الانعكاسات الضارة والسلبية التي تنطوي عليها سواء أكانت نتائج الحروب سلبية أم ايجابية – وذلك ما لا يحدث الا نادراً – وقد أشار اليها بعض القراء والمتابعين بأنها دفق من تشاؤم وعلى النقيض من ذلك أنا أرى إنها تنطوي على نوع من التحذير يستبق الأحداث التراجيدية التي يمكن أن تتبع الحروب التي لا فكاك منها والتي بسطت راحتيها بقوة في جوانب وربوع الشرق الأدنى , كما تفعل ذلك الآن في الشرق الأوسط .
كما إنها تختلف عن سابقتيها في طريقة طرح الفكرة وترتيب أحداث الرواية وتسلسل أحداثها , في هذه الرواية تنقسم الأحداث الى قصص منفردة مفصولة تلم المقدمة شتاتها وتنظمها عقداً واحداً لا انفراط فيه . ولولا هذه المقدمة لقلنا إن هذا الكتاب ما هو الا بضع وعشرة من القصص القصيرة . وسبق للكاتبة نفسها ان شبهت هذه الرواية – في مقال آخر -بالاخطبوط إذ تقوم المقدمة مكان الرأس منه أما القصص الفرعية فما هي الا أطرافه العديدة .
وهذه الفصول التي تبين طوايا البشر ونزعاتهم وأهواءهم وترصد طرقهم وآلياتهم في سبيل تحقيق أمانيهم ورغباتهم وتوضح التفرد البشري والإنساني في اختيار دروب وسبل النجاة بأرواحهم من عواصف الإبحار في الشر والخير ومنعطفات وزوايا الممكن والمستحيل حتى يناقض بعضهم بعضاً في طرق الهروب من الأذى والتشتت والفوضى الى أحلامهم أو الى واقع بديل نابذين واقعهم المرفوض الى ما قد يكون أسوأ منه أو متربصين في أماكنهم لا يريمون عنها بانتظار أن تطرق النهاية أبوابهم بهدوء وصمت . فركوب الطوف مغامرة خطيرة لا حدود لها غير إن الشاب سامر يخاطر وكلنا يعرف اندفاع الشباب وتهوره غير إن سامر درس الأمر من مختلف جوانبه ورأى الممكن والمستحيل ولذا وظف كل ما يعرفه لخدمة هدفه فحققه ولو بعد انقضاء عدة سنوات قضاها مفكراً في كل ما يمكن أن يخدم هدفه ويؤدي الى نجاح تجربته ووصوله الى البر الذي ينشده سالماً معافى .
وعلى النقيض من هذا نرى الفيلسوف يجزع من نهايته لذا يضع حداً لحياته فيهرب من تشوفه وانتظاره لهذه النهاية المفترضة بالانتحار . في حين تتشبث المرأة بالأمل وتنتظر من أولادها ما لم تربهم عليه وهو النجدة والاهتمام بالغير . أما سعاد فتفني نفسها في سبيل الواجب تجاه أطفالها – ومع إنها فقدت اتزانها ورشدها – غير إنها لم تزل متمسكة بذلك الواجب الذي يلزمها به مجتمع تخلى عن الأواصر التي تشد بعضه الى بعض بالود والمحبة حتى داخل اللبنة الصغيرة الأُسرة . وفي حين نرى العسكري يرفض أن يتنازل عن عرشه الوهمي أو يشارك به أحداً يحاول سامح أن يثرى دون تفكير أين سيستعمل وينفق هذه الثروة ويظل يجهد نفسه بلا جدوى . ونرى المرأة تنظر ببلاهة للجزيرة ( الحقل ) التي انشطرت لتبتعد بها عن زوجها مع إنها في غاية الحاجة لهذا الزوج فهي حامل . كما نرى الأب ينظر ببلاهة ويصطبر على فراق ابنه الذي لا يزال طفلاً ويرضى بتسليمه الى مستقبل مجهول لا ملمح من نور فيه .
ومع كل الطرق التي انتهجها أبطال القصص ومنهم سامر الا إن النهاية أدركته وهو يحاول جاهداّ الوصول الى مكان لا زالت الحضارة ترتع في أحضانه والكيان المتماسك يشده بقوة فهو يمثل إرتكاساً في الزمن الى الأحسن ونزوعاً الى الموروث الذي انقطعت أسبابه فهو هنا يعترف بلسان جيله بالخطأ المتعمد الذي ارتكبته الأجيال المتأخرة بهجرة أصولها وعادات أجدادها وملاحمهم ومشاعرهم التي خلدتها التواريخ المكتوبة على الورق فقط والتي نزعتها الأجيال المتأخرة من نفوسهم وعن جلودهم مثل ثياب رثة .
ونلاحظ بلا ريب إن الرواية تنتهج أُسلوب السرد من بعيد فلا سؤال ولا جواب ولا رد ولا تعليق وبذلك توحي لنا الكاتبة أن الرواية حدث غير متحقق واقعياً حتى الآن ولكنه يمكن أن يقع فهو عقوبة للموغلين في طرق الشر وانتهاج القوة والعنف وسيلة لاقتياد العنصر البشري الى الموت وتدمير الذات .
————
سمية العبيدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع