رواية ” الهوارية” للكاتبة إنعام بيوض ، السقوط الحر

64

رواية ” الهوارية” للكاتبة إنعام بيوض ، السقوط الحر

بوخلاط نادية

موجة من الجدل الواسع النطاق صنعها تتويج رواية ” الهوارية” للكاتبة و الأكاديمية إنعام بيوض بعد تتويجها و حصدها جائزة أسيا جبار” الكبرى للرواية باللغة العربية لعام 2024 مؤخرا بسبب ما تضمنته من ألفاظ نابية و مشينة خلفت موجة استهجان واسعة النطاق في الوسط الثقافي وكل من اضطلع على صفحات تلك الرواية التي اختارت صاحبتها التعبير باللهجة العامية الجزائرية ، قد يبدو هذا النسق الروائي في حد ذاته أمرا جديدا حيث أن استخدام العامية في الكتابة الروائية و ان وجد فهو نادر الحدوث و ان استخدمه بعض الكتاب بشكل أو بآخر ، لكن المفارقة و الغريب في الأمر هو النسق الذي اتخذته رواية ” الهوارية” و التي كانت عاصمة الغرب الجزائري وهران مسرحا لأحداثها و الشيء الغير مفهوم و الذي ظل لغزا حير كل من تصفح هذه الرواية هو إقحام ألفاظ غير لائقة و صادمة في أحايين كثيرة للقارئ و تعداه الى الحديث عن الجنس بشكل صريح و هو الأمر الذي لم يتعود على هذا الكم الهائل من الشتائم و الابتذال في نص روائي لمثقفة و أكاديمية و فوق ذلك امرأة في مجتمع تعود على أن تكون المرأة رمزا للرقة و اختيار تعابير تتماشى مع طبيعتها كامرأة في مجتمع لا يتوقع منها الا الكلام الطيب و الرقيق لأن الأنثى هي منبع الحنان و المشاعر الدافقة و الدافئة و عنوان للحياء و العفة قد لا يحاسب الرجل ان تلفظ بكلام بذيئ لأنه رجل كثيرا ما يوصف بصاحب المشاعر الباردة المنبعثة من تكوينته كرجل.


لقد سقطت الروائية إنعام بيوض سقوطا حرا بهذه الخرجة الغير متوقعة و التي وصفت بضرب مقومات المجتمع برمته و تفاجئ الجميع بعد إعلان افتكاك هذه الرواية لجائزة تحمل اسم الكاتبة و الأكاديمية “آسيا جبار” و التي تعد إحدى أبرز الروائيات الجزائريات اللواتي تركن بصمتهن في الأدب الجزائري و كن علامة فارقة فيه، و طرحت تساؤلات و احتدم الجدل و صب جل المثقفين و الأدباء غضبهم على اللجنة التي جعلت من عمل روائي يسقط في براثن الابتذال و القذارة بل تعدته إلى ان وصف بالوقاحة الغير مبررة و فوق ذلك يتوج بجائزة لها وزنها و قيمتها ، جائزة عرف عنها الصرامة في انتقاء الأعمال الروائية و تصنيفها ، و اعتبروا هذا التتويج سقطة و ضربا للقيم و الأخلاق المجتمعية المتعارف عليها و طالبوا بسحب الجائزة منها و أنشأوا عريضة لذلك الغرض، كما ضجت منصات التواصل الاجتماعي هي الأخرى حيث طالب روادها ايضا بضرورة سحب الجائزة من هذه الكاتبة التي لم تمس الأخلاق و القيم فحسب بل اعتبروها تعمدت تشويه سمعة إحدى ولايات القطر الوطني و المساس بسكانها بشكل مشين و بدافع مريب لغاية في نفسها و هذا ما أثار حفيظة سكان وهران الذين استهجنوا تصرفا اعتبروه جهويا نابع من حقد و كراهية لمدينتهم و مساسا بها و بسكانها ، فيما استغرب البعض و تساءل عن الأسس التي بني عليها تتويج رواية ” الهوارية” رغم ذلك الكم الهائل من الشتائم التي حملتها جل صفحات هذا العمل الروائي إن صح بالفعل تسميته بهذا المسمى .
من المتعارف عليه أن الروائي يكتب لجمهور عريض و هو مسؤول أمامه عن ما يكتبه و يخاطبهم من خلال ما يتضمنه نصه الروائي و هذا في حد ذاته مسؤولية أخلاقية كبيرة ، فأنت كروائي تخاطب جمهور يرى صورتك و يقيمك على أساس ما تكتب و قد يحيلك إن أنت تجرأت و انحرفت عن المسار إلى محكمة الضمير و الأخلاق معا ، قد يضر الكاتب بنفسه و تهتز صورته لدى المتلقي بمجرد أن يعلن تجاوز الخطوط الحمراء رغبة منه في كسر الطابوهات و المسكوت عنه مجتمعيا و أخلاقيا ، فيما يبقى الكاتب أولا و أخيرا مسؤولا عن ما يكتب أمام قراءه و المجتمع .
و اعتبر البعض أن الروائية إنعام بيوض تعمدت الكتابة بهذا الأسلوب رغم أنها في غنى عن الشهرة كونها أكاديمية و رئيسة قسم الترجمة بالجامعة فيما دافعت الروائية بيوض عن موقفها و صرحت عقب موجة الانتقادات التي كانت أشبه بزلزال اهتزت له أركان البلاد مدافعة عن نفسها و عن عملها الروائي قائلة : “لقد استحقت الرواية جائزة مرموقة تقديرًا لقدرتها على كسر الطابوهات ونقل الواقع بشكل صادق وصريح، وقد أعربت ذات المتحدثة عن استخدامها الصريح للغة لنقل صورة حية عن الناس البسطاء والمجتمع الوهراني و من خلاله صورة للمجتمع الجزائري ككل ، مشيرة إلى أنها أرادت إيصال رسائل اجتماعية وتاريخية وثقافية متعددة الأبعاد مؤكدتا بأن من أثار زوبعة هذا الجدل يريد أدبا منافقا معتبرا أن كل ما نقلته في روايتها من مظاهر و شتائم هو موجود مجتمعيا ولا يستهجنه الأفراد “.
من الجيد تسليط الضوء على بعض الأمور الممنوع الخوض فيها بجرأة و رباطة جأش و لكن شريطة أن لا يكون ذلك على حساب الأخلاق و القيم و إن كانت تلك الأشياء التي ذكرتها الروائية إنعام بيوض في الرواية جزء من الواقع الذي نعيشه و نتعايش معه و لكن تعريته بتلك الصورة ” المخزية” و الجارحة للأحاسيس و الآداب العامة شيء لا يمكن قبوله ليس لأننا كلنا أتقياء أو أنبياء لكن الأدب ان تجرد من عباءة القيم و الأخلاق فيصير معولا يهدم أسس الأخلاق و يمس بمقومات المجتمع ، فالرواية قد تقع بين يدي الشاب ، المرأة و الرجل و قد يستحي المرء و هو يرى ذلك الحشو المكثف للكلام الفاحش و الساقط الذي قد لا يستطيع أن يقرأه الفرد بينه و بين نفسه فكيف له أن يرى عملا أدبيا بين يسدي ابن ، أخ أخت أو زوجة ، في النهاية فاءن الأدب أدب و لن يكون أبدا قلة أدب .

 

بوخلاط نادية / الجزائر

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات