ذكرى العاقل و تنبيه الغافل..للأمير عبد القادر الجزائري

521

ما قيل أن الإنسان مدنيٌّ بالطبع، و لو وُجِدَ وحده فيهذا الكون لهلك،  فهو في حاجة إلى أمورأخرى غير التي توجد في الطبيعة التي يصنع منها غذاءه و ملبسه و يشكل منها مأواه، وهو  وحده لا يستطيع فعل شيئ، و لذا فهو(أيالإنسان)  في حاجة إلى من يشاركه الحياةالإجتماعية، أي إلى من يتواصل معه و يخاطبه ، و كلاهما في حاجة إلى أن يصل النسيمإلى قلبيهما ساعة بعد ساعة ، إلا أنه في عصرنا هذا  أضحى الإنسان عدو لأخيه في ظل الحروب والثورات، و انتشار الأعمال الإرهابية فحدثت الإنقسامية، ووقع الصراع بين الأنا والآخر و هي ظاهرة حبست فيها المجتمعات العربية نفسها بفعل الإنسداد الذي آلت إليهاليوم، انسداد عالم تطبعه المادية، عالم يفتقر للإنطلاقة الروحية الموحدة.

تقودنا هذه المقدمة القصيرة  إلى أن نسترجع آثار الأمير عبد القادر الجزائريالتي تركها أثناء إقامته ببروسا – تركيا- و هي عبارة عن رسالة تحت عنوان:”ذكرى العاقل و تنبيه الغافل” ألفها في يوم الإثنين من رمضان سنة 1271هجرية الموافق لسنة 1855 ميلادية، و ترجمت إلى الفرنسية على لسان غسطاف ديغا قنصلفرنسا بدمشق سنة 1858، ثم ترجمها رونيه خوام سنة 1977 و غير عنوانها لتصبح: من “ذكرى العاقل و تنبيه الغافل”إلى “رسالة إلى الفرنسيين”،  وتوجد مخطوطة من هذه الرسالة بمكتبة الشيخ عبد القادر المجاوي، كما حصل على نسخةمنها الدكتور عمار طالبي ، الذي اشار أنه تحصل عليها  بدوره من الدكتور عبد الرزاق قسوم ، و هو الذيصورها له من المكتبة الوطنية بباريس، كما طبعت نسخة منها من طرف الدكتور ممدوح حقيسنة 1966، أما النسخة التي بين أيدينا و هي في شكل كتاب من الحجم الصغير بعنوانرسالة إلى الفرنسيينن فقد كانت بتصدير من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

لقد وضع الأمير عبد القادر بالتلميح و بصفة ضمنية  المعالم الأساسية لحداثة إنسية قادرة على اطرادتكوير ملكات التجديد و الإبداع، و هو بهذا  يعدُّ واحدًا من رواد نهضة الحضارة الإسلامية التيلا تزال في أولى بداياتها، تعتريها غالبا الإختلاجات، و التي تعتزم الجزائر أنتكون حلقة من حلقاتها الفعالة في الحوار الجاد و السخي مع سائر الحضارات، فقد  تحدث الأمير عبد القادر الجزائري  في هذه الرسالة عن فضل العلم و العلماء، و أسهبفي الحديث عن العقل و دوره في حياة الإنسان، فهو كما قال منبع العلم و أساسه ، وإذا حصلت هذه القوة يسمى صاحبها عاقلا، و لما كانت معرفة النفوس مركوزة في النفوسبالخلقة، انقسم الناس إلى من أعرض فنسي، و هم ” الجُهَّالُ “، و إلى منأجال خاطره فتذكّر، وهم ” العلماء ” فكان هذا القسم كمن حمل شهادةفنسيها بسبب الغفلة، ثم تذكرها، ثم قال إن العقول متفاوتة بحسب خلقة الله تعالى، فعقول الأنبياء ليست كعقول سائر الناس.

و مما جاء فيالرسالة أن الإنسان مدني بطبعه فهو محتاج إلى التمدن و الإجتماع مع ابناء جنسه، ولكن مهما اجتمع الناس في المنازل و البلاد، و تواصلوا و تعاملوا، تولدت بينهمخصومات، و لذا جاءت صناعة الحُكْمِ لفصل الخصومات و غيرها من العلوم لاسيما علمالقانون وعلم الجندية لحراسة البلد بالسيف، و هذه أمور مخصوصة، لا يقوم بها إلامخصوصون بالعلم و التمييز، و قال الأمير عبد القادر الجزائري أن العقلاء في حاجةإلى علوم الأنبياء ، و تحدث في فصل عن إثبات النبوة ، عندما أشار إلى أن بعضالعقلاء استبعدوا  مدركات النبوة و لميعملوا بها، و أثبت أن وراء كمال العقل كمال آخر أعلى من كمال العقل،  و أراد الأمير عبد القادر بالنبوة “النوم”، لأن النائم يدرك أمورا تكون في المستقبل، إما صريحا، و إمّا بإشارةيعرفها المعبرون  للرؤيا.

و في فصل آخرتحدث الأمير عبد القادر عن الكتابة و اعتبرها عين العيون بها يبصر الشاهد الغائب،و في الكتابة تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسان، و لذا قيل القلم أحداللسانين، بل الكتابة ابلغ من اللسان، و قد خصّ صاحب الرسالة فصلا كاملا عن عددكتابات الأمم من سكان المشرق و المغرب و قال أن عددها 12 كتابة و هي: (الفارسية والعربية و اليونانية و السريانية و العبرانية و الرومية و القبطية و البربرية (التيفيناغ) و الأندلسية و الهندية و الصينية، و أضاف أن 05 منها  بطل استعمالها و هي: الحميرية  و اليونانية و القبطية و البربرية و الأندلسية،و ركز على الكتابة  الفارسية، حيث قال: وإن كان جنسها واحد  ففيها  ستة (06 ) أنواع من الخطوط، و حروفها مركبةمن  أبجد هوزكلمن سفارش تخذغ فالثاءالمثلثة و الحاء المهملة و الصاد و الضاد و الطاء و الظاء و العين المهملة أيضا والقاف سواقط عندهم، و قال أن أول من وضع الكتابة الفارسية كهمورث أو كيمورث بنأميم ثالث ملوك الفرس الأولى، و يقال أنه أول من تكلم بالفارسية.

و حول انقسامالناس تكلم الأمير عبد القادر الجزائري عن الفرنج و العرب و يقول أن جدهم واحد، إذيقول: و أما الفرنج فهم من ولد يافث بن نوح ( كما في التوراة) و يقال لهم فرنسوس وقاعدة بلادهم أَفْرَنْسْ ( سين مهملة)، و أما العرب فهم من ولد سام بن نوح، و همالأمّة الرحالة، يسكنون الخيام، و يركبون الخيل و يكسبون الأنعام و يقومون عليها ويقتاتوت بألبانها و يصنعون  اللباس والأثاث من أوبارها و اشعارها، و يبتغون الرزق من الصيد و قطع الطرق و الغارات علىمن جاورهم من الأمم، و ذكر طبيعة عيشهم و الألهة التي كانوا يعبدونها ايامالجاهلية و منهم من كان يميل إلى اليهودية، و ما يتميزون به من علوم و تعبير الرؤيا و نظم الأشعار و الخطب.

علجية عيش

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات