دور المدرسة في بعث مفهوم التّعايش وترقية المُوَاطَنَة في وقت الأزمات

158

مقترح فرضها في المقررات الدراسية تدرس للتلاميذ بدءًا من الطور المتوسط

دور المدرسة في بعث مفهوم التّعايش وترقية المُوَاطَنَة في وقت الأزمات

(مدرسة النبوّة شملت جميع شروط المواطنة)

كيف يمكن تحقيق الحكم الراشد بعيدا عن المدرسة التيتعتبر العمود الفقري التي تقوم عليه الأمة، و هي في اتجاهها نحو العولمة هذهالمدرسة التي تعمل على بناء مواطنا صالحا، و لذا وجب الربط بين ثلاثة عناصر أساسيةهي: ” المدرسة، العولمة و المواطنة” طالما الأمر متعلق بقضابا التنمية والإصلاح المؤسساتي، لقد حان الوقت للعودة إلى مدرسة النبوة التي تخرج على يديهاعلماء و فقهاء و عباقرة و مواطنون صالحون و العمل بنهجها و تكريس فكرة المواطنةداخل المؤسسات التربوية و جعلها مادة إجبارية في المقررات المدرسية، لأن العلم هوالطريق الوحيد الذي يوصل إلى الحضارة شرط استعماله لأغراض نبيلة، إن هذه الهبّاتالتي قام بها مواطنون لإنقاذ الناس من فيروس كورونا يدخل في باب المواطنة و مسايرةالأوضاع الراهنة

اعتادت الشعوب و الدول أن تظهر تضامنها مع الآخر الذي في حاجة إلى دعم ومساندة مهما كانت عقيدته أو إيديولوجيته خاصة في الكوارث الكبرى كالزلازل والفيضانات أو ظهور أمراض خطيرة يستعصي علاجها و مقاومتها ، و قد شهد العالم الكثيرمن الحالات التي استوجبت تظافر الجميع من أقصى الأرض إلى جنوبها، وتدخل الحكومات،و ضعت لها سياسات وقائية، و جندت لها جيشا عرمرم للقضاء على هذه الظواهر المرضيةالتي سجلت خسائل مادية و بشرية و أنهكت حتى القوى الكبرى، و قد شهد العالم كله وهو يعيش الكوارث الطبيعية و المصطنعة، ( أي التي من صنع المخربين من البشر) هبّاتجماعية لإنقاذ البشرية، كل هذا يدخل في باب التعايش السلمي مع الآخر، و يدخل أيضافي باب المواطنة lacitoyennete، والمواطنة لا تعني فقط أن يكون لنا الحق في التعبير عن الرأي و المشاركة السياسيةأو تلك الحقوق التي أوردها الدستور كالسكن و الشغل و حق التداوي و ما إلىذلك، و إنما ان يكون لنا الحِسُّ الوطنيُّ تجاه الآخر أو من يحيط بنا حتى لوكان على غير ديننا و مذهبنا أو ثقافتنا تختلف عن ثقافته.

لقد صاغتالمنظمة الدولية مفهوم “المواطنة” من خلال الإعلان العالمي لحقوقالإنسان، و ذلك في إطار التحول الديمقراطي الذي يعتبر وسيلة لتحقيق العديد منالأهداف السياسية، و لذا ربط الحقوقيون دولة المواطنة بحقوق الإنسان في العيش فيسلام، والمشاركة في الحكم من خلال العملية الديمقراطية، و المواطنة في المفهوم المعاصر تعني التعبيرعن علاقة الفرد بدولته، تلك العلاقة التييحكمها دستور الدولة و القوانين الصادرة عن سلطتها التشريعية لتنظيم تلك العلاقة،بتحديد حقوق الأفراد، و كيفية التمتع بها، إلا أن مفهوم المواطنة لم يحدد فيجانبه البيداغوجي التربوي، و كيف نغرس هذه الفكرة في أذهان الجيل الجديد، فمايعرفه العامة عن المواطنة سوى أنها تعني أن جميع أبناء الوطن يعيشون متساوونفي الحقوق بدون أدنى تمييز، يشعر فيها المواطن بالإنتماء و الولاء للوطن، وتأتي المواطنة من خلال وعي المواطن بأنه حرٌّ في بلاده و ليس مجرد مقيم يخضع لنظاممعين، دون أن يشارك في صنع القرارات.

في كتاب الأستاذ يحي اليحياوي من المغرب بعنوان: “العولمة في مجتمعالإعلام” كتب مقدمته المفكر المغربي مهدي المنجرة صدر عن منشوراتالزمن، تحدث عن فكرة العولمة و المواطنة هذه الأخيرة كثير من المفكرين والباحثين حصروها في مجال السوق و قالوا: لا مواطنة في زمن العولمة إلا مواطنةالسوق و لا مواطنة إلا لم يملك و يتملك و لا مواطنة إلا لمن يضع القوانين واللوائح، و في نهاية المطاف لا مواطنة إلا للأقوى ، و أهملوا الجانب الإجتماعي والتربوي في بناء المواطن الصالح، و في مقدمته المدرسة التي تعمل على التنشئةالإجتماعية، و تسليح العنصر البشري بسلاح المعرفة، وهذا ما أفرزته مواطنة السوقللأسف من بؤس و تفقير و تهميش و لا مساواة أمام المواطنة الحقيقية، فهذه الفلسفاتو السياسيات أنشأت مواطنا ماديا همّه سوى الكسب السريع، و أنشات جيلا سلبيا جعلته إمّا متكاسلا عاطلا لا يفكر، و إما مجرما يمتهن السرقات و تعاطيالمخدرات..الخ، و بذلك فقد حدد يحي اليحياوي مفهوم المواطنة بأنها وسيلة للإندماجالإجتماعي قبل الإندماج الإقتصادي، أي وسيلة للتحسيس بالعيش في المجتمع ( une manière d’etre ensemble) و قال أن المواطنة تاريخية، و لسيت وليدة الساعة و لها علاقةبالحاكمية و العولمة و هنا وجب حل اشكالية المواطنة بكل أبعادها ، و حلهايكمن في تفعيل منطق التشاركية و قيم المساهمة ثقافيا و اعلامياحتى يمكن لها أن تصمد أمام مد العولمة، و المدرسة تعتبر الأرضية لتجسيد هذاالمشروع على أرض الواقع.

والمتتبع للسيرة النبوية يقف على أن مدرسة النبوة شملت جميع شروط المواطنة، و حتى قبل النبيّ محمد ، و لنا في قصص الأنبياء خيرمثال، النبي ابراهيم، و النبي يوسف عليه السلام و النبي عيسى علي السلام ثم خاتمالأنبياء و كيف كانوا متسامحين متعاطفين متواضعين مع الناس، متواطنين معهم، والرسول (صلعم) كان يمارس هذا المفهوم في حياته و في تعامله مع الآخر، والجميع يعلم مجاورة النبي(ص)لأحد اليهود الذي كان يؤذي النبي و يضع القمامة عند بابه والشوك في طريقه، و قدزاره النبيّ لما مرض و كان يحسن إليه، فهذا السلوك يدخل في بابالتسامح و المواطنة، لقد استطاعت مدرسة النبوة أن تعطي المثل في التعايش معالآخر، ألا يحق الإقتداء إذن بمعلم البشرية و السير على نهجه؟، ذلك بخلق مدرسةرائدة تمتلك أسباب النجاح تقوي عزيمة الفرد و الجماعة و تدفعهم نحو التضحية و التفاني لخدمة الأمة، حيث استطاعت مدرسة النبوة أن تبعث و ترقي المواطنة الحقيقةلدى الفرد المتعلم، ليصبح عنصرا فاعلا و مبادرا و متجاوبا مع تطلعات الأمة، و هوما نشاهده الآن من مبادرات و قوافل لنجدة الناس و إنقاذهم من الهلاك، و لذا وجباليوم أن تدمج “المواطنة” كمادة بيداغوجية في المقررات الدراسية وتلقينها للتلاميذ بدءًا من الطور المتوسط، ليس كثقافة بل كقاعدة أساسية وجب الإلتزامبها، شأنها شأن المواد التعليمية الأخرى، لما لها من دور إيجابي ينعكس على حياةالفرد اليومية.

كما أن إدراج المواطنة كمادة تربوية من شأنها أن تساهم في القضاء علىالظواهر الخلقية الفاسدة المنتشرة ( كالتدخين و تعاطي المخدرات في الوسطالمدرسي)، كونها تعمل على اكتمال مقاصد أي عمل علمي، و تبعث في النشء الإعتزازبالهوية و ترقى به إلى مرتبة أعلى، و تمنحه القدرة على فهم الحقوق و الواجبات والتكيف و العطاء و المواجهة و الإستمرارية و المسؤولية و هو يتفاعل مع الآخرين،فمن هنا يبدأ مشروع بناء المواطن الصالح، المواطن الذي يحترم الخصوصيات الفردية والجماعية ، و بالتالي فإنجاح هذا المشروع يحتاج إلى من يغذي في النشء العاداتالفاضلة و صفات التعاون في المجتمع الإنساني، و هنا يدخل دور “المجتمعالمدني” في مواجهة العقبات و خلق بيئة مناسبة، يكون فيها المواطن مواطناصالحا يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه، حاضرا و مستقبلا، لكن اين هي هذهالمدرسة التي اسسها النبي و صحبه في زمن كثرت فيه الإرهاصات و التناقضات والصراعات.

لقد تسيّست المدرسة و لم تعد فضاء للتربية و التعليم و التثقيف، حيثأقحم التلاميذ في الممارسات السياسية و الدليل المسيرات الشعبية التي ينظمهاالطلبة و التلاميذ و هم يجهلون ما يحدث، يكفي ان توجه لهم أوامر و تعليماتفينفذونها بتلقائية و دون شعور بالمسؤولية، و وصل ببعض المعلمين و الأساتذة بأنيُحرّضوا التلاميذ على الإضراب و الخروج إلى الشارع و التوقف عن الدراسة مقابلتضخيم لهم العلامة و تحسين معدلهم السنوي في نهاية الموسم الدراسي، و هذه السلوكاتأدت حتما إلى التراجع في المدّ التربوي و الثقافي و الحضاري لهذه الوحدةالإجتماعية، و ساهم هذا الوضع كذلك في نشوء ظاهرة أخلاقية تتمثل في”الدروس الخصوصية”، فأربكت البناء التربوي، و أصبح التلميذ مشتتالأفكار، لأن ما يتلقاه في المدرسة يعكس ما يتلقاه في الدروس الخصوصية ، لأنالمنهجية و الطرائق تختلف من معلم لآخر، حيث لم يستقروا على اتباع مناهج وطرائق تضمن لهم الفهم و الوصول إلى الكفاية في التعليم، و في يوم الإمتحانيكون فكر التلميذ مشوشا، و هذا بسبب الضغوطات التي ولدها الكم من المعلومات، و وضعكهذا يبين قصور دور المدرسة، و غياب الرقابة جعلت المعلم و كذلك التلميذ منفصلانعن الوحدة المجتمعية و الإجتماعية التي ينتميان إليها.

علجية عيش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع