خلف متراس كورونا…قصص وحكايا

171

1

الشوارع خالية …

السماء زرقاء لا أثر لتدرجات لونية فقط الأزرق يحيط بالمساحات ..

الشمس تشع نضارة كم جميل هذا النجم وكم رائع أن ترى هذا الضوء اللامع كليوم غيوم ناعمة تمر بهدوء وأحيانا أشعر أنها توقفت عن الحركة ربما تلتقط صورة معالمدينة

2

من الأشياء الجيدة التي حصلت لي في زمن كورونا …

النوم دون قيد أو شرط الأستغلال الأمثل للوقت اللعب والمزاح والشقلبةوالنطنطة مع أبنائي وبناتي وإستراحة مفتوحة من الوظيفة الحكومية مدفوعة الثمن أقرأالكتب التي وضعتها في رف الفراغ الرف الذي يحمل الكتب التي لم أبدأ بقراءتها بعد وأعيدقراءة كتاب ما لعلي أحصل على بعض الاجابات الاضافية أو أكمل قراءة كتاب وضعت فيإحدى صفحاته حاجزا ورقيا أكتب أكثر أشاهد أفلاما أكثر وأستمع للموسيقى بشكل أوضحأساعد رفيقة الدرب في شوؤن البيت بشكل حماسي ومنتظم من غرفة النوم وغرفة الأولادوغرفة البنات وغرفة الخطار والهول الى المطبخ أقوم بترتيب مكتبة غرفة الأبعاد ومكتبةغرفة الصور والوجوه

كسرت الملل والروتين اليومي ..

حيث الفوضى والعمل ورؤية الأموات الأحياء

3

السهر ونهايات الليل

قبل كورونا …

وبعد كورونا ..

العالم الذي أعيش فيه وأختفي فيه

العالم الذي منحني العزلة

مع القلم والأوراق وكأس الملح والرقص مع التبغ

4

في زمن كورونا أصبح الخروج جهة من جهات المجهول

بين الحين والآخر أخرج للتبضع لشراء حاجات البيت سيارتي تتحول الى متجرمتنقل لا أتوقف عن عملية الشراء الى بعد نفاذ المال من محفظتي الحمراء يتغير شكلسيارتي فقبل خروجي كانت رشيقة الان هي سمينة لا مكان سوى لي ولعلبة سجائريوالولاعة رغم الفرح الذي يغمرني كوني أودي واجباتي بكفاءة وإنضباط تجاه أسرتي

لكن لهذا الفرح حزن كبير …

هناك من لا يملك ثمن تفاحة في هذا العالم القاسي

هناك من يرى البرتقالات من بعيد

هناك من يحلم بالخبز

تظهر تلك الدمعة من جديد كأنها تريد أن تقول لي شكرا لأنك تفكر بنا شكرالأنك أرسلت بعض الدموع لجراحنا

أنظر للسماء ..

وأقول الى متى يبقى الجوع ولما كل هذا الوجع

5

في الطريق خلف متراس كورونا …

أضع وشاحي الأحمر حول عنقي أخرج إحدى نظارتي الشمسية أدير السيارة أفتح كلالنوافذ وفتحة السقف أشعل سيجارة أضغط على زر قارىء الأقراص المضغوطة وأستمعللموسيقى في هذا الجو المشمس المزدحم بالصمت لا أصدقاء لي سوى الأوتار موسيقىالملحن المصري محمد سلطان ترافقني

تلك النغمات الحنونة تصقل مشاعري وأحاسيسي بالسكينة والراحة بالسعادةوالأمل …

أبحث في الشوارع عن من أحب لكن لا أحد هنا

رجل يحمل بضع أكياس لأطفاله

إمراة تمسك يد صغيرها وفي يدها علبة حليب وسلة من الخضروات

عربة تمضي مسرعة

من يعرف ربما هنالك من يشكو من الألم أو لقاء بين الأم وعشق كبير في الرحم

أحاول أن أتصل بمن أحب

لكن ..

أرى إشعارات وتنبيهات وأرقام

من أحبهم قد أتصلوا ورحلوا

لم أعد قادرا على الاجابة على مكالماتهم ولا طاقة لي للرد على رسائلهم

كورونا قضى على أشيائي الجميلة على من أحب

لست مستعدا ان أتنازل عنهم نظير مكالمات هاتفية خرساء

لا بديل عن اللقاء الحر

6

كنت أمارس الرياضة

أحببت لعبة الكاراتيه تعلمت فنونها وحركاتها

وقضيت أوقاتا ممتعة مع الكرة كنت العب في مركز الدفاع وأحيانا كحارس مرمىفصد الكرات عملية ممتعة وشيقة

كورونا جعلني أعيد حساباتي فقررت البدء مجددا بممارسة الرياضة

بدأت بالمشي لمسافات طويلة

في الحي الذي أسكن فيه لي صديق من كل بيت صغار وكبار

لا أحد يخرج بسبب الحظر الذي فرض بسبب كورونا وإن فعلها فالحديقة المنزليةهي اخر نقاط التفتيش

بإستثناء أحدهم

رجل بعمر أبي العظيم وأحد أصدقائه القدامى يخرج ويتمشى

رجل عاش بحرية مثل أبي العظيم عمل ناجح وأسرة سعيدة بيته عبارة عن قصر مصغريملك عدة مطاعم أحداهن في تونس رجل يحمل جواز سفر دسم عبارة عن متحف وسجلللتأشيرات

كجواز أبي العظيم

أستمتع بالحديث والمشي معه يعرف تفاصيل المدينة وبين سطر واخر يذكر أبيالعظيم

وحينما ينتهي من سرد أحد قصصه وحكاياه يقول

الله يرحمه كان رجلا ذو قيمة وقامة متواضع كريم لطالما قدم خدمات للناسالابتسامة لم تكن تفارقه خفيف الظل كل من عرفه أحبه وأحترمه

قال لي

الخير الذي تعيش فيه سببه هذا الأنسان الرائع والإحترام الذي تحظى به بين أصدقائه ومعارفهتكريم لروحه الجميلة

أبوك خلص ناس من الإعدام وساعد الكثير من الناس في قضايا معقدة

ما يقوله هذا الرجل صديق أبي العظيم صحيح

في عديد المرات قابلت أناسا بالصدفة

يقولون

أنت ايفان أبن علي بابا ( لقب يشتهر به أبي العظيم )

ألف رحمة ونور تنزل على روحه

أتفضل أأمر بشنو أخدمك يا أبن الغالي بس كول واللي أتريده يصير

يعطوني عناوينهم وأرقام تلفوناتهم ويطلبون مني الإتصال في أي وقت أذا ماأحتجت شيئا

أزورهم وأتصل بهم هاتفيا بغرض السؤال والتحية

لم أطلب منهم شيئا ولا أريد شيئا فأبي العظيم قدم لي الكثير

لا يوجد في قاموسي عناوين وأرقام تلفونات أبي العظيم علمني المواجهة وحل المشاكلوتجاوز الصعاب

لم الجأ لطلب المساعدة لا من قريب ولا من صاحب رغم العراقيل التي واجهتهافي الكثير من الأمور والقضايا

أبكي وحيدا أصرخ وحيدا أكتب وحيدا أعمل وحيدا أكافح وحيدا أناضل وحيدا

وحيدا أواجه هذا العالم فقد علمني أبي العظيم قيم الإرادة وتحدي الذات

عناوين وأرقام تهز بلد

لكن اخر ما أفكر فيه أن أستخدمها للحصول على خدمة أو مصلحة

ما أطلبه أن يتذكروه ويدعوا له بالرحمة

الذكرى والرحمة هي ما أطلب لا شيء اخر

يوم زفافي توقفت عن العد بسبب الرقم الهائل الذي وصلت اليه

أقرباء أبي العظيم وأمي كانوا حاضرين لكن لم يصل العدد لنصف العدد الذيوصلت له

أصدقائه معارفه حضروا كمجاميع بشرية كنت ارى بداية الطابور لكن النهايةكانت بعيدة بعيدة جدا

يوم رحل صعقت وأنا أرى قوافل من السيارات تقف يخرج منها رجال

من كل الجهات حضروا ليودعوه

شخصيات اغوات شيوخ ضباط عساكر بسطاء مثقفون

كنت سأختنق في تلك الأيام فلقد نفذ الهواء في تلك القاعة الكبيرة بسببالتدفق البشري

قبل الان كنت اعرف هذا الرجل صديق أبي العظيم فهو من جيراني بالحي منذ عدةسنوات

بعد كورونا عرفته عن قرب وحصلت على الكثير من القصص والحكايا من أعماقذاكرته

عدت للرياضة للمشي للمسافات الطويلة تحركت عظامي وبدأ العرق يتصبب وأختفىألم مفاصلي

ودخلت لتاريخ أبي العظيم من باب اخر

 

ايفان علي عثمان/شاعر وكاتب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع