خلفية مشروع إقامة إمارة عربية مرتبطة بفرنسا في طرابلس

157

خلفية مشروع إقامة إمارة عربية مرتبطة بفرنسا في طرابلس

فرنسا أرادت أن تفرق بين المشرق و المغرب وأمريكا استغلت الصراع لتحسين وضعا ليهود في شمال افريقيا

(في جوان 1940 عقدت فرنسا اتفاقية الهدنة مع الزعماءالسياسيين للمغرب العربي)

(أمريكا استغلت دعوة روزفلت للقاء الملك محمد الخامسلتحسين وضع اليهود في شمال افريقيا)

(الحرب فيالصحراء الغربية بين إيطاليا و بريطانيا)

كتاب “العرب و الحرب العالمية الثانية” للدكتور صلاح العقاد يسلط الضوء على ما جرى في المشرق العربي والمغرب العربي و معاناة سكانه مع الإستعمار، و وضع الصحراء الغربية، هي أطماع أرادالإستعمار استغلاها و ثرواتها تداخلت فيها الجيوش العسكرية لدول كـ: ( إيطاليا،بريطانيا، اسبانيا و فرنسا و كذا الولايات المتحدة الأمريكية) ، أراد الغرب انيكون هو العظيم و يجعل من الإنسان العربي عبدا له يستغله ايّما استغلال و يكون فينظره مخلوق حقير، لكن الإنسان العربي استطاع بنضاله و كفاحه أن يضع نفسه في مرتبةاجتماعية يساهم هو في صنعها قسرا و طوعا و اختيارا، يجبر مرة، و في النهاية تكون لهحرية الإقتراح و القرار، فهل ما زالالإنسان العربي يقترح و يقرر؟ وأين نجده؟، و من هذا المنطلق قد نقف مع مقولةماركس الشهيرة: “إذا كان الإنسان قد تكوّن بفضل الظروف فينبغي صنع الظروفبواسطة الإنسان”، ثمّة فرد عبقري، و ليس ثمة جماعة عبقرية و لذا فالشعوب في حاجةإلى شخص عبقري، أي زعيم يقودها

يعتقد البعضأن الحرب في الصحراء الغربية دارت فقط بينالمغرب و البوليساريو، و هي الحرب التي امتدت 16 سنة، إلى أن تم الإتفاق على وقف النار بينهما فيبداية التسعينيات، و الحقيقة و مثلما جاء في العديد من الدراسات أن الصحراءالغربية شهدت عدة معارك اشتركت فيها الجيوش الإيطالية و البريطانية، كانت الأولىفي ليبيا أكثر تفوقا من الثانية التي كانت في مصر من حيث العدد و الإستعداداتالحربية الأخرى، إلا أن تحرك الجيشين نحو الصحراء الغربية جاء متأخرا، لأن كلمنهما كان ينتظر احتلال مصر و السودان كغنيمة، كما ان إيطاليا كانت تريد نقلقواتها العسكرية إلى ليبيا قبل بدء الهجوم عند سيدي براني شمال غرب مصر ، ( تقع على بعد 95 كلم من الحدود الليبية المصرية) إلا أن التدخل السريع لألمانيا أعجزهاعن الإستيلاء على قناة السويس، أمابريطانيا فقد تمكنت من التقدم عبر الحدود المصرية و اجتياح ليبيا ثم الإستيلاء علىبن غازي، المؤسف له هو أن مؤرخين تحفظوا في تناول هذه المسائل التاريخية وربط الموقف العربي بالأحداث الدولية، رغم أن هذه القضايا لم تعد سرا خفيا، أمام التطور التكنولوجي و ظهور الإنترنت ، خاصةما تعلق بالعالم العربي فالكتابات كما يقول صاحب الكتاب نادرة جدا، ماعدا مذكراتأنجزها قادة غربيون كتشرشل و شيانو و غيرهما من الساسة الغربيون،في حين لا توجد مذكرات أرخت هذه الأحداث من قبل قادة عرب شاركوا في الحكم اثناءالحرب العالمية الثانية، لولا كتابات محمد حسين هيكل في مصر و رشيد عالي الكيلانيفي العراق لظلت هذه الأحداث طي الكتمان و النسيان.

تقول هذهالكتابات أنه بعد فتح جبهة الصحراء الغربية أقيم معسكر بمصر لتدريب الليبيين ضم نحو 04 آلاف جندي، و اشترك هؤلاء الجنودفي معركة الصحراء الغربية سنة 1940 حتى تم تحرير ليبيا في جانفي 1943 في هذه السنةكانت بريطانيا قد عقدت تحالف مع السنوسي، بحكم أنليبيا كانت خاضعة للحكم العسكريالبريطاني و مقسمة إداريا إلى ثلاث مناطق ( برقة طرابلس و فزان) و أخضع إقليم فزانللإدارة العسكرية الفرنسية، ذلك أن قوة فرنسية كانت قد عبرت الصحراء الكبرى قادمةمن تشاد و احتلت إقليم فزان عام 1943 و سيطرت على قدامس أهم واحات فزان و عملتفرنسا على نسق ما كان معمولا به في الصحراء الجزائرية و طبقت على السكان القانونالعسكري الفرنسي، و لما اكتشفت بريطانيا نوايا فرنسا مهدت لعودة محمد إدريسالسنوسي زعيم برقة الديني المشهور، و شجع ذلك الهيئات الإجتماعية الناشئة لاسيما “ناديعمر المختار” الذي نشأ في الظاهر كهيئة رياضية ثقافية ثم تحول إلى هيئةسياسية، و كان من المؤيدين للسنوسي.

كان مقابلذلك تشكيل وحدات بكل من برقة و طرابلس مع تعيين على رأسها ضابط بريطاني و إبعاد الحكم الفرنسي فيها، رغمأن فرنسا كانت مترددة بين مقترح تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ تكون بريطانيا فيهاشريك و جعل طرابلس منطقة محايدة بين الفرنسيين و البريطانيين، كان هذا المقترح قدقدمه أحد المختصين في شؤون ليبيا و هو جان بشون الذي قدم المقترح اثناء عقد مؤتمرالصلح مع إيطاليا في سنة 1947، وضم المقترح أن تخضع فزان للحكم الفرنسي المباشرعلى الطريقة المتبعة في الصحراء الجزائرية و تقام إمارة عربية في طرابلس تكونمرتبطة بفرنسا، في حين تحتفظ بريطانيا بطبرقة كقاعدة بحرية تخضع لسيادتها كجبلطارق، لسببين: الأول لكونها تقع بين الجنوب الجزائري و بين مشارف المشرق العربي، والسبب الثاني لأنها تشكل حلقة اتصال بين شمال افريقيا، أما عن فزّان فقد كانت تمثلسبل الإتصال بين مصر و الجزائر لتمرير قوافل الأسلحة للثوار الجزائريين خلال حربالجزائر مع فرنسا، لذلك كان الشغل الشاغل لفرنسا أن تجعل من ليبيا حاجزا بينالمشرق و المغرب، و هنا لعب الجنرال ديغول دوره لإستغلال منطقة فزان ، حيث أقام فيعام 1944 عدة مشاريع عمرانية بمنطقة فزان.

فما يعرف عنليبيا أنها كانت مستعمرة لإحدى دول المحور، و كان الحلفاء “الأنجلوساكسون” يرون أن الحركات الوطنية في المغربالعربي لم تنضج بعد، حينها بادر الأمريكيون بعد 06 أشهر من احتلال شمال افريقيا إلىتسليح السلطات العسكرية الفرنسية، و كانت العلاقات بين فرنسا و الإنجلوساكسونمتينة للغاية بحيث لم يحدث بينهما خلافات كما وقع في سوريا و لبنان، في هذه الفترةكانت الجمهورية الثالثة قد شنّت حربا على الزعماء المغاربة (علال الفاسي عن مراكش،الحبيب بورقيبة عن تونس و مصالي الحاج عن الجزائر) و أصدرت ضدهم أحكاما بالسجنخارج بلادهم مع حل الأحزاب التي أسّسوها، و لكونهم كانوا مسلوبي السلطة اتفقالمسؤولين المغاربة على التعاون مع الجمهورية الثالثة تعاونا صادقا، ما دفع بفرنساإلى التوقيع على عقد الهدنة في جوان 1940 لكي تنتقل السلطة إلى الماريشال بيتان والحفاظ على الإمبراطورية، لم يكن هذا الأخير متساهلا مع الوطنيين المغاربة، بل كانيعاملهم بقسوة شديدة إلى حد أن اعتبرواحكم فيشي بالعهد الذهبي لولا اسبانيا التي دعمت الوطنيين المغاربة الذين فرّوا من السلطات الفرنسية بجنوب منطقة طنجة.

ديغول يرفض مقترح فرحات عباس في تشكيل حكومة جزائرية

تقولالكتابات أن صراعا كان يدور بينه و بين جيرو، الذي جند عددا من المغاربة و ضمهم للقوات الفرنسية، و كانوا يشكلون70 بالمائة من القوات الفرنسية التي حاربت مع الحلفاء في إيطاليا و في معركة تحريرفرنسا، أما ديغول فقد جمع حوله الأنصار و كوّن في جوان 1943 قيادة عرفت باسم لجنة التحرير الوطني الفرنسية، تسلمت هذه اللجنةالقيادة الإدارية و العسكرية في شمال افريقيا، و في ظل هذا الصراع بين فرنسا والمغاربة، يذكر أحد المؤرخين المنشورات العربية التي أصدرتها أمريكا تحتوي علىمبادئ ميثاق الأطلس و نظرية روزفلت في الحريات الأربع ، كان روزفلت قد حاول لقاء الملك محمد الخامس لإحداث تغييرفي الموقف السياسي لأقطار المغرب، إلا أن الأمريكيون استغلوا هذه الورقة لتحسينحالة اليهود في شمال افريقيا، فقد تمثلت مطالب أمريكا في إلغاء الإجراءات التياتخذتها ضدهم حكومة فيشي، حينما قررت حرمانهم من الجنسية الفرنسية، كان الفرنسييونمرتاحين لقرار فيشي وإسقاط الجنسية عن اليهود، و حدثت نتيجة لهذا القرار صراعات واحتجاجات بين فرنسا و الجمعيات الصهيونية في الولايات المتحدة، إلى حين أنشأديغول اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني وتم إلغاء قرار فيشي و أعيد الإعتبار لليهود من خلال منحهم الجنسية الفرنسية.

عن محمدالخامس فقد عبّـر عن ولائه التام لفرنسا وصرح أنه تأثر بهزيمة فرنسا في صيف 1940 و بحكم علاقة المغرب بالمحور، قال أنه وجبتقديم لها الدعم، ثم ما لبث أن يغير من مواقفه تجاه فرنسا لمّا علم بالطريقة التيكان يعامل بها فيشي الوطنيين المغاربة، تشير الدراسات أن أنصار ديغول نصحوا الفاسيبالتفاهم مع القادة الفرنسيين من أجل مستقبل المغرب، إلا أن ديغول لما علم بمساعي الولايات المتحدة و بريطانيا بإطلاقصراحه تراجع عن خطته لكي لا تتعرض سياسته للضغط، و الحقيقة أن شهر جوان عرف الكثيرمن الأحداث، ففي هذا الشهر بالذات ( جوان 1942 ) عرض الألمان على الباي محمدالمنصف ضم إقليم قسنطينة إلى تونس و لكنه رفض، بعدما تولى السلطة، و قيل أن رفضالباي سببه تخوفه من أن يحدث له ما حدث لأبيه ، حيث أن السلطات الفرنسية خلعته عنالعرش في عام 1922 لأنه أبدى ميولا نحو الحركة الوطنية، الشيئ الذي يشهد له التونسيونأن المنصف حقق السيادة التونسية الكاملة ولم يترك للإحتلال الألماني أن يتدخل في شؤون التسيير، ثم أنه أنشأ وزارة دون استشارةالمقيم العام و عين على رأسها مسؤولين من أعضاء الحزب الدستوري بفرعيه القديم والجديد، كان يرأسها محمد شنيق من الدستوريين القدامى، في هذه الفترة كان الحبيببورقيبة زعيم الحزب الدستوري الجديد معتقلا في الأراضي الفرنسية، و رغمما قدمه الباي المنصف لتونس فقد كانت نهايته النفي بتهمة خروجه عن الطاعة ، خاصةبعد رفضه توقيع التنازل عن العرش، فنفي إلى واحة الأغواط الجزائرية، و وضع في الحبسالإنفرادي و قضى فيه ظروف مناخية سيئة للغاية .

أما عنالجزائر فقد قسمت فرنسا الجزائريين إلى طبقتين : المجندون الذين شاركوا في الحرب والذين حصلوا على المواطنة الكاملة بحكم ثقافتهم و معظمهم نادوا بإدماج الجزائر فيفرنسا و من بينهم فرحات عباس الذي تطوع في الجيش الفرنسي كصيدلي، إلا أنه رغمتفانيه في الخدمة فقد حرم من الأوسمة التي حصل عليها زملاءه، أما مصالي الحاج فقدعانى من اضطهاد فيشي له، و صدر ضده حكمابالسجن لمدة 16 سنة، و أرسل إلى إحدى واحات الجنوب الجزائر ليقضي العقوبة، و لميتمتع حزب الشعب بالشرعية إلا لفترة قصيرة منذ تأسيسه في 1936 ، بالنسبة للولاياتالمتحدة فقد نفضت يدها من المشاكل السياسية في شمال افريقيا و كأن العنصر الوطنيغير موجود في الجزائر، حينها غيّر فرحات عباس من مواقفه و أصدر بيانا يطالب فيهبالإستقلال التام بدلا من الإدماج، فدعا إلى إقامة حكومة جزائرية لكنها تتحدفدراليا مع فرنسا، و لقي مقترحه رفضالجنرال ديغول و “كاترو” الذي كان حاكما عاما للجزائر، بالرغم من أن كاترو كان أكثر تفهما للمطالبالوطنية في سوريا و لبنان، إلا أن موقفه من الجزائر كان مختلفا، لأنه لم يتحملقضية تمس السيادة الفرنسية، و أعلن رفضه للبيان الذي أصدره فرحت عباس، كما أنأعضاء حزب الشعب انتقدوا البيان و رفضوا فكرة إقامة حكومة جزائرية تتحد اتحادا فدراليامع فرنسا.

قراءة علجية عيش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات