حوار مع الشاعرة الأستاذة تحية بوراوي من الجزائر 

حاورتها: الأستاذة سامية بن أحمد /الجزائر 

550
حوار مع الشاعرة الأستاذة تحية بوراوي من الجزائر  
حاورتها: الأستاذة سامية بن أحمد /الجزائر  
س1/ من هي الشاعرة تحية بوراوي ؟ 
ج1:
بداية أشكر لك سيدتي هذه الالتفاتة الطيبة و هذا الاهتمام الجميل الذي يهدف إلى التعريف بأسماء مختلفة تتفاعل و القلم في هذا الوطن العظيم.
_ تحية بوراوي ، ابنة هذا البلد الطيّب و أهله الكرام.وُلدت في مدينة البليدة و بها نشأت و ترعرعت . لكن جذوري تمتد إلى شرقنا الجميل ، و بالضبط إلى مدينتي جيجل و قسنطينة . دراستي الجامعية كانت في الجزائر العاصمة بمعهد اللغة و الأدب العربي ، في الوقت الذي حظينا فيه بالأديب الكبير الراحل ( رحمه الله ) أبو العيد دودو مديرا للمعهد. كما تشرفت بالدراسة على يد أساتذة و دكاترة كبار من أمثال د.محمد الهادي الحسني ، د.واسيني الاعرج و زوجته د. زينب الاعوج ، د. عثمان بدري ، د.فارس من سوريا الشقيقة ، د.محمد حسين الأعرجي من العراق الجميل ، الشاعر السوداني الرائع عبد الرحمن جيلي رحمهم الله، و غيرهم حفظهم الله.كان لهؤلاء و لغيرهم من الأساتذة و الدكاترة الكرام الفضل في صقل شخصيتي و تنمية الجانب الأدبي. فترة الجامعة من أجمل الفترات في حياتي .
اشتغلت بالتدريس في الطور الثانوي طيلة 27سنة . منحته من نفسي الكثير ، و في المقابل شكّل الاحتكاك بالطلاب و الزملاء الأفاضل دفعا قويا في مساري ككل ، لازلت أذكره إلى اليوم.
س2/ متى كانت أولى البدايات مع البوح والحرف؟
ج2 : نشأت في بيت خصص فيه الوالد ركنا للمكتبة ، كان شغوفا بالقراءة حفيا بها ، ينوّع في الكتب ، و كذا كانت الوالدة رحمها الله ، علما أنها كانت تقرأ بالفرنسية أيضا .فمن الطبيعي أن أهتم بالكتب و أنا بعد صبية. .فكنت ، و أنا بالطور المتوسط ثم بالطور الثانوي ، أحاول أن أكتب ، لكن بيني و بيني ، لم أكن أطلع أحدا على محاولاتي التي كثيرا ما كنت أمزقها حين لا تروق لي… رافقني حب الكتابة لاحقا ، فكنت أكتب بين الفينة و الأخرى ، حتى أن بعض الرسائل التي كنت أبعث بها إلى صديقتي المقربة – و نحن ننتظر ظهور نتائج البكالوريا-كانت تستغرق الصفحات الطوال لكأنها قصص لما فيها من سرد و وصف و حوار أحيانا..
س3/ لمن تقرأ ولمن تكتب الشاعرة تحية بوراوي؟
ج3:
قرأت و لا زلت أقرأ الشعر و النثر كليهما.كنت معجبة بشخصية المتنبي ، لا سيما و قد تابعت في صباي ، كغيري ربما ، مسلسلا تلفزيونيا تعرض لحياته ، جسد الدور فيه الممثل اللبناني عبد المجيد مجدوب.و كلما سمعت قصيدة إلا و عدت إلى ديوان المتنبي في مكتبة الوالد ، أبحث عنها و أعيد قراءتها و أحاول حفظها.كما قرأت لمحمد العيد آل خليفة ، مفدي زكريا ، الشابي ..ثم للسياب ، نازك الملائكة، سميح القاسم ، محمود درويش ، عبد الوهاب البياتي ، نزار قباني و غيرهم في الشعر .
_كما أقرأ لأبناء وطني اليوم من أمثال/ ياسين بوذراع نوري ، عادل بلغيث ، منيرة سعدة خلخال ، نصيرة بن ساسي ، سميرة بوركبة… أما النثر فمتنوع بين القصص و الروايات و التتراجم و الدراسات .قرأت لجرجي زيدان ، غادة السمان ، نجيب محفوظ ، عباس محمود العقاد ، توفيق الحكيم ، مي زيادة ، رضوى عاشور ، الطاهر وطار ، عبد الحميد بن هدوڨة ، ياسمينة خضرة ، محمد بورحلة ،مالك بن نبي ، طارق لحمادي ،عائشة بنور ، رتيبة بودلال ، صالحة الاعرجي ، إلهام بورابة ، رزيقة بوسواليم ، أسماء بن نويوة ، ليلى عامر… و غيرهم كثير…إضافة إلى الأدب الأجنبي.
_لمن أكتب ؟بداية ، أكتب لنفسي.
فالكتابة بالنسبة لي متنفس ، أفرغ من خلاله الكثير من الانفعال و الكثير من الشحنات ، فما دمنا على قيد الحياة لا شك أننا نتأثر و ربما استطعنا التأثير أيضا .لذا ، أجدني أشاطر غيري مناحي الحياة ، فأكتب لهذا الغير الذي أستشعر فيه روح الحياة و منعرجاتها.الكتابة عالم مختلف عن الواقع أحيانا . و قد تكون ناقلة له بشكل أو بآخر . بمعنى قد تكون الكتابة ( شعرا أو نثرا ) تحاكي الواقع المعاش ، كما قد تكون وليدة الخيال .و هذا أمر معروف. و عليه ، فكتابتي وليدة
لحظة انفعال و تأثر بشكل عام.
س4/ ما رأيك بالنقد الأدبي بالجزائر؟
ج 4 :
أثناء فترة الدراسة بالجامعة المركزية ، زمن ثمانينيات القرن الماضي ، كانت الحياة الأدبية مزدهرة بشكل رائع . كنا نشهد الأمسيات الشعرية و الأدبية بقاعة ابن باديس ( في معهد اللغة و الأدب العربي ) في قاعة النفق الجامعي ، في قاعة ابن خلدون ، يحضرها كبار الشعراء و الأدباء من أمثال البياتي ، محمود درويش ، الطاهر وطار ، رشيد بوجدرة و غيرهم ..كان النقاش ثريا ، و كان التواصل جادا و راقيا ، يحضره الأساتذة الجامعيون و الصحافيون و الطلبة و كل المهتمين بالشأن الثقافي ، و هذا في نظري من أهم أشكال النقد : عندما يتناول الحضور نصا ما بالدراسة و المناقشة مع صاحبه على المباشر.أين هي هذه الأمسيات اليوم ؟َ غابت عن المشهد الثقافي ، فأضحى النقد مجرد دراسات أكاديمية و كأنها حكر على
الجامعة فقط .تلك النقاشات التي ذكرتها كانت تُنشر على صفحات الجرائد و المجلات..ما شأنها اليوم؟
مجال النقد واسع فسيح ، لكن حبذا لو خرج من جدران قاعات الدراسة إلى فضاء الحياة الرحيب كما هو معمول به في الكثير من البلدان . و أول خطوات النقد هو لقاء المبدع مع المتلقي مباشرة .حينها يزدهر النقاش و يرتقي الأدب و النقد كلاهما. و أرى في ظاهرة انتشار بعض المقاهي الثقافية في بعض من مدننا بمبادرة من الأديب و الصحافي المعطاء عبد الرزاق بوكبة ظاهرة صحية ممتازة ، حبذا لو تٌعمم على بقية المدن.فلا نقد دون قراءة.
س5/ ما رأيك بدور النشر والطباعة بالجزائر؟
ج 5 :
في غياب المساهمة الفعلية للدوائر الحكومية المسؤولة عن النشر ، أُصيب الكثير من المبدعين بالغبن . فالنشر يقتضي دفع المقابل المادي لدور النشر الخاصة ، نظير طبع عدد معين من النسخ ، كثيرا ما تبقى حبيسة البيوت طالما نشهد غياب سياسة واضحة للتوزيع.فالتوزيع كما هو معلوم يتعلق بعدد النسخ التي تحتفظ بها دار النشر ، و التي توزعها بمعرفتها وفق برنامجها. و هو أمر مختلف بين دار نشر و أخرى. كما أننا نلاحظ أن الدعم الرسمي إنما يمس أسماء معروفة ، في حين لا يحظى أصحاب الأسماء المجهولة بذات النصيب.. و عليه ، فالعائد المادي و كأنه أُسقط من حسابات الكاتب تماما ، إذ يعلم مسبقا مسار العملية .لذا ، نلاحظ أن البعض يلجأ إلى النشر خارج الجزائر لهذه الاعتبارات المجحفة.
س6/كيف تختار الشاعرة تحية بوراوي عناوين لقصائدها؟
ج :
أختار العناوين وفق الدفق الشعوري ، ذاك الذي يطغى على روح النص بشكل عام.
س7/احتفاء باليوم العالمي للشعر في مارس من كل عام ، برأيك هل الشعر يقيم بعدد إصدارات الشاعر أو بماذا؟
ج 7 :
شخصيا ، لا أعتقد أن التقييم يصلح أن يكون تبعا لعدد الإصدارات..فكم من مبدع لم ينشر كتاباته ، سواء أكانت شعرا أو نثرا ، و هو متمرس في الكتابة حقيقة ..ربما لم تسعفه ظروف الحياة لأن يخرجها إلى العامة ، أو لبعض الأسباب المذكورة آنفا..في حين تعج الساحة بكتابات و أسماء كرسها النشر السريع و المبكر. أشجع الشباب ..إي نعم..لكن التروي و المراجعة و التنقيح أمر واجب حتى لا نؤسس للردئ بدل الحسن .
س8/ هل هناك مسمى بأدب نسوي؟
ج 8:
صراحة ، أرى الأدب أدبا إنسانيا بحتا. فالرجل و المرأة يكملان بعضهما البعض ، و الدليل على ذلك أن كثيرا من الأدباء الرجال كتبوا عن المرأة و عن قضاياها المختلفة ، و كذا الشأن بالنسبة للعديد من الأديبات كثير منهن تناولن قضايا الرجل و الشباب و الطفل بشكل عام. حصر الأدب وفق التجنيس عملية تقصيه من دنيا الإنسان إلى ركن ضيق لا متنفس فيه لهذا الكائن البشري إلا ضمن نطاق محدد مسبقا ، و ذاك أمر يقتل الأدب بدل أن يجعل منه نبراس حياة و شعلة و جود.
س9/ ماذا تختار لنا الشاعرة تحية بوراوي من قصائدها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للشعر من هذا الشهر مارس 2021؟
ج 09 :
بمناسبة هذا الحوار الجميل ، أُسمع صوتي لكل مهتم ، من خلال قصيدتين من مجموعتي الموسومة:
( بعثرة على رصيف الكلمات ) :
قصيدة بعنوان / عفوا..سيادة الضمير
العفو منك أرتجي
سيادة الضمير!
أشلاؤنا ..تبعثرت
أرواحنا..تكسّرت
مرآتها
و انشطرت
إلى ألف أجير
تحدق عيونهم
في غابر الزمان
و سالف الأوان
حكايا صدق أبحرت
في يمّ الأمنيات
لكنها قد أُغرقت
مع كلّ أسير..
موعدنا الصباح
هل الصبح قريب ؟
أيا ضميرا قد غفا
و نام للهجير
أطيافنا مسلوخة !
أشعارنا مبحوحة!
تراقب الغفير
و أنت يا أمير صمتنا المبجّل
ترفل في الحرير
تنتظر النفير
و تقنع أصواتنا
بالصمت و الهدوء
بحجة اللجوء
إلى قرار صائب
يغيّر المصير!
أخطأتُ في البداية :
يحقُّ لي أن أصرخ
و أرفض المسير!
يا سيدي الضمير!
لا عفو منك أرتجي
ألهبني السعير
إليك عني
إنني
أفضل البقاء
و زرقةَ السماء
و إنّك… يا حسرتي
لا تتقن الزفير!
بقلم الشاعرة الجزائرية تحية بوراوي
***********
قصيدة بعنوان/ لا صوت اليوم !
هذه الضفادع التي تقفز بنقيقها
في طبلة الأذن
تلقي بها ..في وجوهنا الباهتة
تتبعها مجاميع المومياء
تفرد أشرطتها التاريخية
في بلاهة و عناد
تسطّر خطوطا
من مُبهم الحديث
تتوشحه بترانيم الشهادات
المثيرة للموت
تترنّح قاب قوسين أو أدنى
على باب ربيع آخر
لم يختر المجيء
أُحضر عنوة
خدمة لسيد البئر السحيقة
و التلال الحائرة..
يفتّش الظّل عن امتداده
يصدمه الهلال المُخضّب بالعراك
يشطره
يمرّغ أنفه
في تراب البحث المستمر
ينحت صخور الوجع الضرير
تصهل مساحات السكون المُفترى عليه
فيتردد الصدى في جنبات الروح :
لا صوت اليوم!
و لا صوت غدا!
شحّت النجوم
في سماء الهزيع الأول و الأخير
من فتيل الحلم
تمطّت الأرض اليباب
تبحث عن زمهرير البياض المُسجى!
عصية هي المدامع
حين بؤس السؤال
جليلة هي نظرات العابرين
على مسالك التاريخ
ترقب الأمس
بوجل الحراك المتشعب
في تضاريس الوعود
لتزداد يقينا
بانسداد الشرايين
لا صوت اليوم!
الصمت حكمة
و قليل فاعله..
***
بقلم الشاعرة تحية بوراوي
س10/هل هناك كلمة أخيرة تودين قولها؟
ج10/
كلمة أخيرة : أحييك سيدتي على هذا العطاء الجميل من وقتك و جهدك ، أحيي كل المارين من هنا و أزف لهم أطيب التحيات ، كم أحيي كل نساء بلادي أينما كن ، العاملات منهن خارج البيت و داخله أو داخله فقط ، كما أبعث بسلامي لكل الإخوة ورالأحبة في واقع الحياة و في هذا الفضاء الأزرق دون استثناء ، و المجال لا يتسع لذكر الجميع.
أملي أن تسترجع بلادي الجزائر كل أمنها على كافة الأصعدة ، كما أتمنى انفراجا سريعا لكل الأزمات حتى يشرق مستقبل أبنائنا في أرض ارتوت بدم الأجداد ، و حتى نسترجع المكانة اللائقة بنا و التي عصفت بها يد الغدر . هدانا الله جميعا لما فيه خير البلاد و العباد.
تحياتي و السلام.
****
الحوار تحت اشراف واعداد الشاعرة سامية بن أحمد
من الجزائر
بتاريخ // 04مارس2021
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات