حكاية في أواخر القرن العشرين

حدثت وقائعها خلال (عاصفة الصحراء)

89

حكاية في أواخر القرن العشرين
حدثت وقائعها خلال (عاصفة الصحراء)

لطفي شفيق سعيد

ملاحظة: هذه الخواطر كنت قد كتبتها قبل ثلاثة عقود من الزمن عندما كان الوطن يرزخ تحت سطوة دكتاتور واحد وارتأيت أن يعاد نشرها الآن حيث لم يتغير شيء سوى وجود العديد من الدكتاتوريات بدلا من دكتاتور واحد.

نحن في أواخر القرن العشرين
نركض هذبا للقرن الغابر
للحظ العاثر لأسفل سافلين
نبصق في وجوهنا مرتين
عند بزوغ الشمس
وعندما ننام كالميتين
يلعننا آباؤنا في قبورهم
وتظهر العلامة كالضياء
وفوق قمة المنائر
وفي المجالس والمنابر
نندب تاريخنا الغابر
نلعق خزينا كاللبان
نكشف عن عورتنا بلا حياء
تقتل أرواحنا بالمجان
فتسخر من جهلنا الاوطان
ويهزأ الزمان من حقارة الإنسان
حين يعبث في مخدعه المارينز
وغراب البين والخصيان
…………………………………..
فهل سمعتم أو رأيتم غابة
يحكمها صرصار؟
يقطع الأشجار ويقطف الثمار
يدوس ببسطاله زهرة النرجس والجلنار
ويلعب بالنرد ويخسر الوطن بالقمار
وتنقل الأخبار
للداني وللبعيد
بأنه سيلعب لعبته
(من جدة وجديد)
كأنما لم يكن ولم يصار
ولم تحل في حقولنا
مواسم الجفاف والصبار
ويملأ نفوسنا
الخزي والعار
……………………………………
أيها القادمون من رحلة بعيدة
سأحكي لكم حكاية غريبة عجيبة
هي كالقصص السقيمة
كان ياما كان
في سالف العصر والأوان
كانت في هذه المعمورة
مدينة مغمورة مسحورة
هجرها التاريخ والرجال
نساؤها عقرن في مرض عضال
وكان أهلها أحياء
لكنهم بلا حياء
في الليل يحكي لهم عرابهم سالوفة
ممجوجة مألوفة
ما أنزل الله بها من سلطان
فينصت لقوله الأنس والجان
ويدركون في سرهم
إن للحيطان آذان
فيصمتون ويسقطوا نيام
وفي الصباح ينهضون
من عتبة دارهم يركضون
لهمهم وغمهم يهرعون
وفي القمامة عن لقمة يفتشون
فيشترون ويبيعون وينهبون
ويلهثون ويعرقون ويتعبون
بل يضحكون ثم يرقصون
من فرط ما اصابهم جنون
………………………………..
في واحد من الأعوام
أنتشر الخوف كالجذام
في كل حارة وبيت
فصار يسلب العقول
وينشر الغباء والذهول
وظهر الأعور الدجال
وخلفه قارئة الفنجان والفال
وجوقة تحرق له البخور
وتقرع الطبول وتنشر الزهور
فتركض من خلفه الجموع
من كل حارة وصوب
وكل من هب ودب
وعند موكبه الحافل
يختلط الحابل بالنابل
وعلى حس الطبل
يهرع الشيخ والطفل والمرأة الحامل
لكي تنالهم من عطفه الميمون
مكرمة من شخصه الحنون
لكنما بأخمص البنادق يدفعون
وبجزم الجنود يرفسون
…………….
يا ايها القادمون
من غدنا المبهم
ستقرأون وتفهمون
سبب السقوط والعدم
لكنكم لن تقرأوها في العلن
بل تجدونها بالكفن
وبعد أن يكشف النقاب
عن المقابر والأسلاب
لكنني أدلكم عن تميمه
تفتح كل باب من الأبواب
يا أيها الآتون
من غدنا البعيد
من كل زنزانة
موصدة بالحديد
لعلكم ستجدون
كتابة أو جملة مسطورة
في كتب مستورة
تقص سيرة العذاب
من الباب للمحراب
………………
أواه يا وطنا أصبح بلا حضارة
تملأه الأنقاض والأزبال والحجارة
يبول فوقه الغزاة بعد كل سكرة
ويختفي المافوق في حفرة
وعندما تحين ساعة الدعاء
يقسم بمائه وأرضه والسماء
……………………………..ز
في ليلة ليلاء
وقبل أن يرحل عن مدينتي الشتاء
انطفأت الشمس ونورها الوضاء
واختفت الأحياء والأنام
في سحب الدخان والسخام
وفزع الناس وفزت الأبل والأغنام
ومر فوقهم طائر الحديد
أحال ليلهم نهارا وصبحهم قارا
ومنذ ذلك الحين
وبعد سالف السنين
انكفأ القوم في جحورهم نيام
لايعبهون بدورة الزمان والايام
وفي توالى الليل مع النهار
تنفث رئاتهم السم والنار
وزفرة الذل والعار
……………..
ياآجوج ويأ ماجوج
الحسوا سور مدينتنا العمياء
من غبش الصبح لآخر المساء
ومن يشارك باللحس يصبه الأعياء
وينام تحت الحجارة الصماء
ومن جديد وعند أول الضياء
يعاودوا رحلة العناء والغباء
فليس لسور المدينة أن ينهار
ولا أناسها تمل أو تخجل في حياء
………….
ومر عام وقبل سوء الختام
سيمر أكثر من عام
ويبقى الحال من المحال في العباد
فيا حسرتاه على عساكر البلاد
سيقوا الى القضاء والقدر
من ساحة الوغى لساعة الغدر
وكان مصيرهم الخذلان والردى
يلوح فوق هاماتهم الهم والأسى
…………………
وبعد ذاك سقط الوطن
مضرجا بالدماء
ملقى يكابد المحن

لطفي شفيق سعيد من دفاتري المخفية بغداد في عام 1992

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع