تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة

195

تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – العراق

يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثرفهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعرالعربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذاالشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراءكثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدةالنثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنابدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهومهندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب منضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لهاحسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ مايُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدةالسرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصورأنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاءوالتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّهالسرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّةالعظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّةفأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججةوالأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيرهالأحداث والأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّةالتعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عاليةوجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزانوالقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بينالفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضهاوكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلةبالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروحدون عناء أو مشقّة .

وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدةالسرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفي سبوك ) العام 2015,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضناالعربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانواأوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشاروأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدةالجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقياواميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتهاويحافظون على تطويرها .

سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبما يُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكنهذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السرديةالتعبيرية .

أولاً : اللغة التجريدية

اننا حينما نريد التعبيري عن مشهد معين فسوفنلجأ الى اللغة عن طريق فقرات نصّية لأيصال فكرة ما وهذه الفكرة تشتمل على زمنمعين ومكان معين , فهناك شيئية وفكرة وهناك تعبير يحاول ان يرسم لنا هذه الشيئيةويضع لها الملامح والحدود وهناك تصور عن هذه الشيئية عند الشاعر , اي أنّ هناكمشاهد تحتوي على الأفكار والأشياء وتجلّي واضح لهذه المشهدية والتركيز عليهاوالتعبير عنها برمزية واستعارات وخيال وانزياحات لغوية ودهشة تنتاب المتلقي ولغةمغايرة للغة الواقع ,ونعني بذلك انّ المشهد الشيئي يعتمد على مرجعية لغوية مرّتبةبمنطقيّة لغوية يحاول الشاعر من خلالها أيصال فكرة ما للمتلقي عن طريق الكلماتوالتعابير اللغوية , فهناك الفاظ تدلّ على هذه الفكرة وهناك نصّ دلالي ودلالةلغوية وغيرها , ولكننا لو القينا نظرة على نصّ الشاعر : نصيف عليّ وهيب – منالعراق , فلن نجد اي مشهدية ولا أدراك لشيئية معينة ولا جمال محمول ولا نصّ دلاليولا دلالة لغوية ولا تعبير دلالي ولا نسق لغوي , فهنا لايوجد وصف معين لمكان اوزمان أو فكرة معينة , ولكن مالذي نجده في هذا النصّ ..؟ .

/ الورود المبعثرة من الريح ، تزهر مكانها ورودا أكثر / ما نجده هنا هو عبارة عن مشهد شعوري حاول الشاعر أن يرسمه لنا فلانجد أي مشهد معين فلقد أختفى التصور الفكري وغاص الشاعر في أعماق نفسه ونسى ماحوله من الواقع ولم يعد يشعر الاّ بالناحية الشعورية احساسا وانفعالا , فلقد تخلّتالمفردات عن مرجعياتها الدلالية الى مرجعيات شعورية حسّية .. / مفردات النص تتغير بالحداثة ، بالحمية يندحر السكري لكن القهرأتعب بنكرياس صديقي / وهنالا نجد المقصدية لدى الشاعر باستخدامه المفردات اللغوية ولا نجد أي ملامح لفكرةمعينة يحاول الشاعر ان يوصلها لنا لا نجد سوى نظام شعوري حسّي , فهو لا يحتاج الىلغة مفخّمة ولا رمزية ولا خيال جامح , فلقد تخلّصت المفردات من دلالاتها الشيئيةالى دلالات شعورية مجرّدة ../ الضبابيتبدد الى ماء من ضوء ، يشرق على الأماكن ابتسامة ، بحجم اتساع العيون الى المدى / وهنا لا نجد أي مركزيّة للمشهد ولا أي أدراك معين لما يحصل فقط نجدنظام شعوري يتملّك الشاعر وتجريد المفردات من دلالاتها ورفض التقيّد يمشهديّةالحدث فقط إيماءات معينة تحوي المشاعر وهي تخترق النفس ../ لترَّ الأشياء بحتميتها ، كما في نصب الحرية / وهنا لا نجد أي صورة واضحة المعالم وطغيان واضح للأدراكات الحسيّةعلى حساب الدلالات الشيئية ../ أبياتالشعر استفزاز الجسد لأخذ الهواء النقي ، لا أن يرقص في الهواء الملوث على آهالوجع / فالشاعر هنا لايعبّر عن فكرة معينة , فالمفردات هنا لاتشير الى اشياء معينة مقصودة بذاتها , فلقدتحرر من الفكرة وحتى رسلته المراد ايصالها الى المتلقي فهي لا تستند الى أي مرجعيةلغوية فقط نجد الثقل الشعوري الأحساسي حاضرا وبقوّة ../ تراكم الألم لا ، ضوء الشمس نعم ، أنسج وصديقي من أشعتها ، كلالكلمات محبة / وهنا لا نجد حدثما أو فاعل ولا شيئية مركزية فقط كيانات شعورية واحساسيةّ , فلا توجد معانيمترابطة كما في النصوص العادية وانما مكونات شعورية ترتبط بنظام أحساسي , أي اننانجد أن النصّ يتكون من وحدات شعورية بدلا عن الوحدات النصيّة الدلالية .

في اللغة التجريدية ندرك أن هناك ادراك شعوري حسّي وكتل شعورية وندركاللغة عن طريق الأدراك الشعوري فهناك جمالا حسّيا موجودا في النصّ من غير ان ندركما هو هذا الجمال انما الألفاظ هي التي تدلّ عليه .

اذا نحن أمام نصّ تجريدي يحوي على مشهد شعوري وأدراك شعوري وجمالمتشيء وجمالية تجريدية وكتل شعورية وتعبير شعوري ونسق أحساسي واخيرا مرجعية شعورية.

النصّ / الثورة / بقلم : نصيف علي وهيب – العراق .

الثورة
الورود المبعثرة من الريح ، تزهرمكانها ورودا أكثر ، مفردات النص تتغير بالحداثة ، بالحمية يندحر السكري لكن القهرأتعب بنكرياس صديقي ، الضباب يتبدد الى ماء من ضوء ، يشرق على الأماكن ابتسامة ،بحجم اتساع العيون الى المدى ، لترَّ الأشياء بحتميتها ، كما في نصب الحرية ، أبيات الشعر استفزاز الجسد لأخذ الهواءالنقي ، لا أن يرقص في الهواء الملوث على آه الوجع ، تراكم الألم لا ، ضوء الشمسنعم ، أنسج وصديقي من أشعتها ، كل الكلمات محبة .

المصادر

1- كريم عبدالله والسردالتعبيري – د.انور غني الموسوي .

2- الرؤى والدلالات –دار المتن .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع