تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّةالتعبيريّة/هدى الصيني/كامل عبد الحسين الكعبي

333

تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – العراق .

ثانياً : البوليفونية وتعدد الأصوات

الشاعرة : هدى الصيني – سوريا – عيد الحبّ .

الشاعر : كامل عبد الحسين الكعبي –العراق – انثيالات الرجاء .

يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثرفهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعرالعربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذاالشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراءكثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدةالنثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنابدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهومهندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب منضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لهاحسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ مايُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدةالسرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصورأنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاءوالتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّهالسرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّةالعظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّةفأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججةوالأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيرهالأحداث والأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّةالتعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عاليةوجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزانوالقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بينالفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضهاوكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلةبالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروحدون عناء أو مشقّة .

وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدةالسرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفيس بوك ) العام 2015,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضناالعربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانواأوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشاروأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدةالجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقياواميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتهاويحافظون على تطويرها .

سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبمايُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكنهذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السرديةالتعبيرية .

ثانياً : البوليفونية وتعدد الأصوات

لقد استخدم ( باختين ) مصطلح البوليفونية منالموسيقى ومن ثمّ استخدمه في الأدب , كون الموسيقى تعتمد على تعدد الأصواتوتناغمها فيما بينها وانسجامها في عمل متكامل مهذّب , فكل آلة موسيقية لها صوتهاالمعين فهي تتفاعل مع غيرها من اجل عمل موسيقي , فقام ( باختين ) بالاعتماد عليهفي الرواية كونها تعتمد على السرد , لكنّ هذا لم يُطبّق على الشعر كونه يعتمد علىصوت واحد وهو صوت الشاعر .

لذا كانت قصيدة النثر تعتمد على الصوت الواحدوهو صوت الشاعر العارف بما يريد أن يقول الى المتلقي عن طريق نظرته الى الواقعوتفاعله مع هذا الواقع وأحداثه , نجد فيها صوت الشاعر الطاغي والوحيد كونها تعتمدبالاساس على التصوير والمجازات والانزياحات اللغوية والخيال والغنائية في بنائهاوكذلك تقطيع مقاطعها ووضع الكثير من النقاط فيما بين فقراتها النصّية وغير ذلك منمقومات قصيدة النثر , فهي قصيدة منلوجية تفتقر الى السرد والحدثية النصّية والشخصوصالنصيّة المتعددة , عكس القصيدة السردية التعبيرية التي تعتمد على السرد الغيرحكائي والتعبيرية كونها تعكس الفهم العميق للأشياء بالنسبة لشاعرها ورؤيته المتميّزةتجاه ما يحدث في هذا العالم , ولكون القصيدة السردية التعبيرية تعتمد على السردفهذا قد منح شاعرها الحرية والفسحة الشاسعة في أن تتعدد شخوصه النصيّة بينماشخصيته تختفي وراء هذه الشخوص المتعددة , فهو نصّ يتلائم مع العصر الحاضر والدعوةالى التحرر من القوالب القديمة , فنجد هنا بأنّ الرؤى تتعدد دون سيطرة ورؤيةالشاعر الذي قد يوحي الينا من بعيد او عن طريق الايحاء بوجوده داخل النصّ . اذافنحن أمام قصيدة تتمتع فيه الشخصيات بقدر كبير من الحرية في التعبير عن مواقفهادون تسلّط الشاعر وفرض هيمنته ورؤياه , ونجد فيها العديد من الشخصيات والعديد منالمواقف والأفكار ووجهات النظر , كل هذا يقوم الشاعر بخلق عالم متماسك تتصارع فيهالاحداث والشخصيات وتعدد الأساليب فيالطرح والمعالجة . وكلما تعددت الشخصيات واختلفت المواقف وتعددت الرؤىوالايدلوجيات وبروز شخصيات نصّية متعددة وبروز حدثية نصّية وتعبيرات اسلوبية كاشفةللرؤى ولم نشعر بوجود شخصية او صوت الشاعر كلما كانت القصيدة السردية التعبيريةبوليفونية خالصة .

وهنا سنتحدث عن قصيدتين سرديّتين تعبيريتينامتلكتا صفة البوليفونية , سنحاول قراءتهما بهدوء ونكتشف سرّ جماليتهما . امتلكانفس العنوان وهو ( عيد الحبّ ) لكنهما اختلفتا في طريقة سردهما وشعريتهما ومعالجةهذه الثيمة .

القصيدة الأولى للشاعرة : هدى الصيني – سورية , تألّقت فيها الشاعرة عن طريقكتابتها ببناء جملي متواصل فذّ , تميّزت ما بين التجريدية والواقعية والرمزية , لقدتعددت الأصوات في هذه القصيدة وتمثّلت بالاصوات التالية / صدى أغنياتها / بهسيس النهر / تناجي السماء / صليل سيف / يئن / صوت الغربان / هديل الحمام / أهازيج النجوم / تصفق له المجرات / ويعزفه قلب (فالنتين) . أما الشخوص النصّية فتمثّلت في / شواهق الخيال / زهرة الحب / مخالب الزمن / فضاء القلوب / النهر المقدس / القمر / للازورد / عيون العاشقين / قصائد (قيس) / ليلى / روميوجولييت / عبلة / مدائن الشمس / قلب أشجارها / الحمام / الكون / فالنتين . بينما تمثّلتالتعبيرات الأسلوبية الكاشفة عن الرؤى في هذا المقطع الجميل جداً / فتثمل قصائد (قيس) تحتعرائش( ليلى) ويراقص (روميوجولييت) على أوتار النبض الخالد لكن صليل سيف (عنترة)يئن حزناً على ثغر( عبلة) الباهت . نلاحظ هناتعددت الأصوات بينما صوت الشاعرة غير موجود بين هذه الأصوات أنما هو مختفي ومنبعيد يحرّك شخصياته وهي ترسم طريقها وتأخذ حريتها في ترجمة أفعالها .

عيد الحب

أعلى شواهق الخيال تربعت زهرة الحب لاتطالهامخالب الزمن ، صدى أغنياتها يملئ فضاء القلوب المترفة بهسيس النهر المقدس تناجيالسماء تحت التماعة القمر ليندلق اللازورد من عيون العاشقين فتثمل قصائد (قيس) تحتعرائش( ليلى) ويراقص (روميوجولييت) على أوتار النبض الخالد لكن صليل سيف (عنترة)يئن حزناً على ثغر( عبلة) الباهت، هاهنا مدائن الشمس يقض مضجعها صوت الغربان تخبئفي قلب أشجارها جمرة الحب حتى يطرق هديل الحمام أذان الكون فتتعالى أهازيج النجومفي كرنفال تصفق له المجرات ويعزفه قلب (فالنتين) هدية عيد الحب.

هدى الصيني/سورية .

أما القصيدة الثانية فكانت للشاعر : كَامِل عبد الحُسين الكَعْبِي –العراق , فهي قصيدة سردية تعبيرية نموذجيةمدهشة جداً تجلّت فيها عناصر البوليفونية بوضح من خلال تعدد الأصوات فيها وكمايلي / رنينُ الساعاتِ / أصواتُ الحربِ / دُقّتْ طبولُها / ليسَ لأجراسِها سُكون / تعزفُموسيقى / موسيقى هادئة / الضجيجِ السالبِ / تميّزُ من الغيضِ / يترددُ صداهُ / نعيقِالغربانِ / أناشيدِ العنادل / زقزقاتُ الأرجوانِ , بينما تمثّلت الشخوص النصّية الأنزياحيّةوالطبيعية كما في / مساماتِ الصمتِ / الساعاتِ / الحربِ / أبي / أمي / إبني / حفيدي/ بحيرةِ البجعِ / قلوبٍ / كمرجَلٍ / الغربانِ / العنادل / قيثارةِ / بساتين / كتائب, بينما تمثّلت التعبيرات الأسلوبية الكاشفة عن الرؤى في هذا المقطع الجميلجداً / قَدْ قالَها (أبي):(دُقّتْ طبولُها) وقالتْها (أمي):(ليسَ لأجراسِهاسُكون) وسيقولُها إبني وحفيدي و…:(متىٰ تعزفُ موسيقى السَلام !؟) .

عيد الحب

انثيالاتُ الرَجاء ..

من بين مساماتِ الصمتِ يتسللُ رنينُ الساعاتِ يخترقُ الحُجُبَيناهضُ رتابةَ الأوقاتِ الحرجةِ يرهفُ السمعَ وقَدْ أصَمّتهُ أصواتُ الحربِالمجلجلة قَدْ قالَها (أبي):(دُقّتْ طبولُها) وقالتْها (أمي):(ليسَ لأجراسِهاسُكون) وسيقولُها إبني وحفيدي و…:(متىٰ تعزفُ موسيقى السَلام !؟) وهناكَ عندَبحيرةِ البجعِ موسيقى هادئة تتمرّدُ علىٰ هذا الضجيجِ السالبِ للوئامِ من قلوبٍتميّزُ من الغيضِ كمرجَلٍ يغلي يترددُ صداهُ في الآفاقِ يتماهىٰ مع نعيقِ الغربانِفمتى يصفو هذا الكدر !؟ فلا يُسمعُ سوىٰ أناشيدِ العنادل ومتى تنثالُ زقزقاتُالأرجوانِ من قيثارةِ الودِّ المتجذرة في بساتين البهجةِ !؟ فتندحرُ كتائبالاكتئابِ ، أَلا هلْ لهذا الترياقِ منْ سبيل .

كَامِل عبد الحُسين الكَعْبِي

العِراقُ _ بَغْدادُ

لقد تعددت الصوات هنا وتعددت الشخوص النصّية ايضا وكذلك تعددترؤاها فكانت تطرح افكارها بحرّية ودون تدخل الشاعر أو فرض رؤيته الخاصة عليها . انّكل هذا الجمال والابداع والتميّز ما كان ليحدث لولا السردية التعبيرية التي أعطتومنحت شعراءها الحرّية في الكتابة وبطريقة نموذجية فذّة لو اعتمدنا على القصيدةالتصويرية , لكن هنا نجد الأبواب مشرقة أمام شعراء السردية التعبيرية في النجاحوالتميّز والعطاء وأن يثبتوا على ديمومية هذه القصيدة واستمرارها .

المصادر

1- كريم عبدالله والسردالتعبيري – د.انور غني الموسوي .

2- القصيدة الجديدة –د.أنور غني الموسوي .

3- الرؤى والدلالات –دار المتن .

تعليق 1
  1. avatar
    محمد دويدي يقول

    سلمت الايادي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع