بعض من مواقف الرئيس هواري بومدين لبناء جزائر لا تزول بزوال الرجال
هذا ما قاله بومدين للطفي الخولي: ترَبَّيْنَا في جيش التحريرعلىمعاداة الإفتعال و الزّيف
(بن بلة اختار زعيمالتروتسكية “بابلو” ليكون مستشاره الخاص)

بعيدا عن الروتين و عن ثقافة الإجترارا نقفز في هذه القراءة علىالحديث عن حياة بومدين و مسيرته في ذكرى وفاته الواحدة و الأربعين ( 41) و لكنبالكشف عن بعض مواقف هواري بومدين النبيلة، أرّخت في كتاب يحمل عنوان: “عنالثورة في الثورة و بالثورة” للكاتب المصري لطفي الخولي و هو صحفي و محامي و محلل سياسي، تناول فيه العديد منالقضايا التي تتعلق بالجزائر في الداخل و الخارج و حواره مع الرئيس بومدين قبلوفاته، و وقف على الكثير من الحقائق التي يجهلها الكثير من الناس، و ما تزال حركةالثورة بصراعاتها تواكب حركة التاريخ التيلا تستكين إلى الجمود
واجه الرئيس هواريبومدين كل الصراعات منذ تولي بن بلة الحكم و ظهور وجوه إشتراكية أجنبية تنتميغالبيتها للإتجاه التروتسكي يتزعمها ميشال رابتيسMichel Raptis المعروف باسم بابلوPablo، وهو من قادةالأممية من أصل يوناني و سكرتيرعام للدوليةالرابعة، التي حاولت الدخول طرفا في الصراعات و شددت على خطر نمو النزعة العسكريةفي الجيش، إلا أنها لقيت مواجهة عنيفة، حيث ركز الرئيس هواري بومدين هجومه على هذهالمجموعة واصفا إياها بمجموعة “المغامرين” الذين فشلوا في إحداث ثورة فيبلادهم ، فجاءوا إلى الجزائر يغامرون بثورتها، يصدرون صكوك الوطنية و التقدمية لمنيشاءون و يمنعون عمّن يشاءون من المناضلينو المقاتلين الوطنيين، و تمكن بومدين من أن يحافظ على وحدة الجيش الوطني، أما بنبلة فقد اختار بابلو ليكون مستشاره الخاص، وأنشأ في الرئاسة جهازا للمخابرات وبمعزل عن كل المؤسسات، تم ذلك بمعونة مجموعة من المخابرات المصرية تولاها فتحيذيب.
و ضم بن بلة سكرتيره الخاصعبد الرحمان للشريف إلى الحكومة في منصب وزير الشؤون العربية ليتولي فعليا جهازالمخابرات و يكون ضابط اتصال بين الجهاز الرئاسة، كما ضم جهاز المخابرات مجموعة منالإنتهازيين و الوصوليين الذين يجيدون تغيير الجلد أو (الفيستة) كما يقال، و همالذين أطلق عليهم الشعب اسم مناضلي 19 مارس ( آذار)، أي الذين ركبوا فجأة موجةالثورة بعد توقيع اتفاقيات إيفيان و وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 و كانوا فيالماضي على علاقات مع الإحتلال الفرنسي، و تحاشيا لسقوط الجزائر في حرب أهليةاهتدى بومدين بميثاق الجزائر و تراثها الثوري العريق، حيث انبثقت حركة 19 جوان (يونيو ، حزيران) 1965 من واقع الصراعاتداخل القيادة و المجتمع، و منذ ذلك التاريخ عرفت الجزائر الإستقرار السياسي و البناءالإقتصادي في تاريخ الجزائر ما بعد الإستقلال.
فالحوار الصحفي الذيأجراه لطفي الخولي مع الرئيس بومدين كشف عن مواقف هذا الأخير أي بومدين و جاء فيالحوار أن أكد الرئيس بومدين بأن القضايا المعروضة في الساحة، لا هي نكت و لا هيفكاهات، و أن الجزائري الحُرّ و بخاصة جيش التحرير الوطني تربىَّ على معاداةالإفتعال و الزّيف و عرض النفس أو التباهي بها، و قال أن جُلّ من خاضوا حربالتحرير الجزائرية لم يخوضوها بأسمائهم الحقيقية، حتى لا ينتفخ المناضل أو المجاهد بالغرور عندما ترتبطالتضحيات و الأعمال باسمه أو شخصه، فيقع أسيرا مقيدا في سجن الشهرة و حُبِّ الذات،لا يجيد شيئا سوى الإبتسام المفتعل للمعجبين و المعجبات، و معروف عن الرئيس بومدينأنه ليس عزوفا عن الكلام، بل يتدفق بالحديث إذا أثارته قضية أو اشتبك في نقاش، ويرى بومدين أن الصراحة هي الأسلوب الوحيد الإنساني الذي يمكن أن يقود إلى الحقيقةمن جميع زواياها، فكيف يمكن أن يصل الناس إلى الحقيقة و التفاهم الواضح عليها، إذاأخفى كل واحد منهم أو بعض منهم أشياء خلف ظهره و هم شركاء في الموقف أو المسؤوليةأو المصير، كما يرى أن “الذين لا يريدون رؤية الحقيقة هم دائما يخطئون الحسابفي فهم أحداث التاريخ كما هي”.
و يفرق الرئيس هواري بومدين بين الثوري والسياسي، إذ يقول: ” إن الثوري لا يستطيع و لا يقدر أن يرضي كل الناس و كلالإتجاهات، لماذا؟ ، لأنه بطبيعته يختار و ينحاز، يختار جانب الشعب، جانب الثورة،أما السياسي المحترف فهو ذلك الذي لا يختار، و إنما يتعايش مع كل الأضداد، مع كلالإتجاهات، يسير مع كل تيار، يناور، فمرة يتحدث عن الإشتراكية مثلا عندما يقابلاشتراكي، و مرة أخرى يتحدث عن الرأسمالية كلما قابل رأسماليا، و يقول أن الإنسان لا يُعْرَفُ فقط من حديثه،لكن و بصفة أساسية من تصرفاته، و الثورية في مفهوم الرئيس هواري بومدين ليست في أنتبيع كلاما للثوار، و تجعلهم يعتمدون عليه في حركاتهم التحررية و أنت تعلم عن يقينأنك لن تنفذه، و لن تستطيع تنفيذه، فتكونالنتيجة وبالا عليهم، أما أنت فتعلق لك أكاليل المجد الشخصي بينما الثوار يموتون ويُقْتَلون، والعمل الثوري في نظره ليس هو في أن لا تُرَبِّي كادرًا و قياداتمسؤولة و أن لا تبني جهاز دولة ثوري و قادر و جهاز حزب ثوري و قادر حتى تظل وحدكفرديا في السلطة، فلا تنتج غير الديماغوجية، إننا لا نطلب شيئا إلا أن يرى الناسالحقائق كما هي..يراها الجميع في الجزائر .. في المدينة و القرية الجزائرية ، لاعلى الورق و صفحات بعض الكتب التي كان يؤجر عليها الكتاب للأسف من أموال الشعبالجزائري.
و من مواقفه أيضا أنه من حقكل إنسان أن يعتقد الرأي الذي يشاء، و لكنإذا ما تحولت هذه المخالفة في الرأي إلى عمل هدام و إلى تخريب فعلي، و إلى حركةسرية، فمقاومتها حتمية و بكل شدة و حسم، إن طريق الثورة مفتوح أمام الجميع دونتفريق، و الصراع في الرأي ضروري و مطلوب لأنه ضمان للديمقراطية و داخل الإطارالشرعي، و فيما يتعلق بـ: “العروبة” كان للرئيس الراحلهواري بومدين موقف مُشَرِّفٌ أيضا ، حيث ذكر معطيتان أساسيتان، الأولى أكد فيها أنالجزائر عربية لأن هذا هو الواقع و التاريخ و مكونات الشعب و حضارته و المصير والمصالح المشتركة، إذ يقول: لسنا عُرْبًا بعد الثورة فحسب و لكن نحن عُرْبٌ قبلالثورة، نحن عربٌ نستمد جذورنا من الحضارة العربية و الإسلامية طوال ما يزيد عن 14قرنا، و المعطية الثانية اعتبرها جوهريةعندما قال أن الجزائر أفريقية كيانا و شعبا و جغرافية و مصيرا، و كما لا يمكن فصلالجزائر عن عروبتها، لا يمكن أيضا فصل الجزائر العربية عن افريقيتها، و هكذا فنحنجزء من كل عربي، و نحن جزء من كل افريقيا، و كان بومدين في كل مرة يركز على القضيةالفلسطينية و الجنوب العربي، و اعتبرها قضايا مصيرية بالنسبة للجزائريين و ليستبأيّ حال قضايا خارجية، و لم يستثن قضايا تحرير المستعمرات الإفريقية و قال أنهاقضايا مصيرية و ليست قضايا خارجية.
قراءة علجية عيش