المحطة رقم 10 الفرزة الثالثة

121
المحطة رقم 10 الفرزة الثالثة
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

 

قبل الانتقال الى الدورة الانتخابية الثالثة التي أبتدأت في منتصف تشرين ثاني 1973 أتطرق الى ما حصل لي في 21 اذار 1971عند الساعة العاشرة ليلًا حيث عُدتُ للبيت كعادتي من نقابة المعلمين بعد الانتهاء من لُعبتي المفضلة وهي الشطرنج وما أن مضى على دخولي البيت وقتٌ قليلٌ وفي أثناء غسلي ليديّ سمعتُ طَرْقًا
شـديدًا على الباب أربكني فتركتُ الحنفية تصب الماء متوجهًا الى الاباب لأفتحها وفي ذهني أن حادثًا حصل لأبي الكبير بالسن حيث كانت العائلة في زيارة لبيت عمي في دور المعلمين.
كانت الليلة حسب مصطلحنا عيد نوروز او عيد الشجرة تركتُ غَسلَ يديَ وصنبور الميا مفتوحًا لشدة الضرب على الباب حيث توقعتُ خبرًا مكروهًا حصل في العائلة فتوجهتُ لفتح الباب وعند فتحها اذا بأحد جلاوزة الامن يسحبني من قميص بجامتي الى السيارة التي هي من نوع /فوكس واكن/ وهو النوع المفضل لدى أجهزة الامن في كل العراق.
أقول سحبني شرطي الامن وأنا أتمنع عليه ليدفعني الى داخل السيارة وعند وصولي لها أرى مفوض الامن طاهر حسين الجصاني الذي لم اعترف عليه في عام 1963 والذي أنجزتُ معاملتَه عند تقديمه لدورة مفوض برتبة تخته التي فتحها حزب البعث ومثلها في الجيش لتقوية ركائزه في هاتين المؤسستين عام 1969.
وعندما رأيتُ المفوض طاهر طلبتُ منه ان البس ملابسي فوافق على طلبي.
دخلتُ للبيت وفي رأسي دوامة من الأفكار أستعرض فيها اعمالي في الغرفة عساني اقف على غلطٍ او تجاوزٍ ارتكبتُهُ فلم اجد شيءً يدعو الى سَوقي لدائرة الامن ركبتُ وانطلقت بنا السيارة ومعها دوامة الأفكار التي لم تقف ولم اتبين منها سبابًـا لاستدعائي بهذه الصورة.
كانت مديرية الامن في الطابق الأول من بناية المحافظة وللصعود اليها سُلّمان الأول من الباب الأولى للبناية والآخر في الباب الثاني منها وهي أي البناية تقع على يسار الداخل من الباب الرئيسي.
صعدتُ السُلّم الأول ولم أعرف حقيقة التُهمة التي اقتادوني لأجلها ومشيتُ مع الجلاوزة الى آخر الممر حيث توجد غرفتان على الباب الأولى وهي على يسار الداخل مكتوب عليها في لوحة معلقة المُساعد الأول والتي على اليمين مكتوب على اللوحة المساعد الثاني فأدخلوني على المساعد الأول وعلى منضدته لوحة مكتبوب عليها المُساعد علي برع الجنابي.
دخلتُ الغرفة فتناوشوني الجلاوزة والمساعد دون أن اعرف تهمتي بالضرب بكيبلات التلفونات التي جعلوا منها وسيلةً للتعذيب لأنها أبلغ وأشد من العصي والقرابيج وفي أثناء الضرب يقولون لي إعترف وأنا أقول لهم عن أي شيءٍ اعترف حتى أثخنوني ضربًا فنطق المساعد علي الجنابي/ اعترف على تنظيمك الشيوعي.
استمر الضرب بين فترة وأخرى وفي احدى هذه الفترات خرج المساعد والشرطيان اللذان معه وبقي معي ابن مدينتي وزميلي في الإعدادية الشيوعي الذي لم اعترف عليه المفوض طاهر الجصاني فقلتُ في نفسي هذه فُرصة لأطلب الماء لأن التعذيب والصياح قد انهكاني وبلغ العطش مني مبلغه فطلبتُ منه كأسًا من الماء وكان على منضدة المساعد / جك أو صلاحية كما نسميها وقدح ماء/ فجاء بهما ووقف على رأسي وملأ القدح ثم سكبه على وجهي فتبللتْ ملابسي وبعدها بدقائق يدخل مدير الامن ضياء العلكاوي ويقول لي/ ها بلت على نفسك من الخوف/ فأردُّ عليه بالنفي:هذا ماء سكبه عليَّ المفوض طاهر فيضحك ثم يخرجان من الغرفة.
وفي أثناء الضرب سألني المساعد علي الجنابي/ مَنْ الذي رشّـحك للحزب سابقًا فقلتُ له/ حمد حمزه البحراني أو محمد حمزه بعد تغيير اسمه فتوقف عن ضربي ونادى أحد عناصر الامن وطلب منه على الفور اقتياد حمد حمزه الا أن المفوض طاهر الجصاني تدخل فأخذ يهمس باذنه ويتغامز معه فعَدَلَ المساعدُ عن استدعائه ومن ذلك اليوم تأكدت لي حقيقة حمد حمزة البحراني الشيوعي المخبر والمنقلب الى جبهة القوميين والبعثيين قبل انقلاب 8 شباط 1963 وبعد ذلك نقلوني الى غرفة المساعد الثاني.
انتهى الحفل في اللية الأولى قريب الفجر وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح وأدخلوني في الغرفة المقابلة الى السلم الآخر فوجدتُ شخصين عرفتُ أحدهما كان اسمه عبد الأمير من منطقة الفلاحية كان معي في الاعداية بالفرع العلمي وهو مسؤولي في بداية تنظيمي الشيوعي لكني لم أشاهده موقوفًا طِيلة الفترة التي قضيتُها في التوقيف عام 1963 أقول انتهت اللية الاولى مطروحًا على الأرض حتى اصبح الصباح.
وفي حدود الساعة العاشرة يأتي شرطي الامن ليطلب مني تسليم مفتاحي صندوق الغرفة والصولات الى الحاج محمد صالح هويدي البدير فسلمتُ له المفاتيح التي كانت معي من الباب.
بقيتُ قلقًا على وضع أهلي الذين لا يعرفون ما حصل معي ليلًا وعند العصر وصلني منهم بطانيتان مع وسادة ووجبة طعام شاركاني فيها مَـنْ كانا معي ومن خلال ما وصلني إستنتجتُ بأن أهلي عرفوا مكاني.
كان الصباح لي والى وقت الغروب هو فترة الاستراحة بعده يبدأ العد التنازلي لبِدئ سهرتي مع الجلاوزة. في حدود الساعة الثامنة من الليلة الثانية تم استدعاي للتحقيق الى غرفة المساعد الثاني وكان الجلاوزة وهم ثلاثة وراء المكتب المساعد الثاني سامي وعن يمينه المساعد الأول علي برع الجنابي وعن شماله المفوض علي القريشي فطلبوا مني أن اعترف على اني في تنظيم شيوعي جديد فكان جوابي نفي هذه التهمة وهنا تم ادخال زمرة التعذيب فدخلوا ملثمين حتى لا اتعرف عليهم وأخذوا بالضرب بالكيبلات على قدميّ المربوطتين بخشبة يرفعها اثنان من الجلاوزة واخذوا يضربوني وشاركهم بضربي المساعد الأول علي برع الجنابي وهو يقول لهم شددوا عليه بالضرب وهو يضربني على ساقي اليسرى وليس على قدميَّ وانا في حالة الألم اصرخ بشتمهم وسبابهم وفي كل فترة استراحة لهم يتركوني اقف في زاوية الغرفة وفي إحدى الاستراحات عرض عليَّ المساعد البرع عرضًا به خلاصي وهو أن أعترف على المحامي إسماعيل خيون فرفضتُ هذا العرض
فعادوا بالضرب الى أن استوفى الجلاوزة حقهم في هذه الليلة فأعادوني الى الغرفة.

الدنمارك / كوبنهاجن السبت في 1 تشرين اول 2022

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع