المثقف …و المسوخ

239

جيلالي بن عبيدة/
في البدء لا بدّ من الخوض بتعريف المثقف، حيث وجدنا أنّ له تعريفين: تعريف من خلال المفهوم اللغوي، وآخر اصطلاحي، فالمثقف كما جاء في قواميس اللغة العربية هو «المُثقَّف: اسم المفعول المشتق من الفعل ثَقَّفَ، ومعناه الرجل المثقف: الرجل المتعلم، أو من له معرفة بالمعارف. أما اسم الفاعل المشتق من الفعل ثَقَّفَ، ومعناه مثقف الأجيال: معلّم الأجيال، مهذّبها، مربّيها».

والمثقف بحسب المفهوم الاصطلاحي: هو ناقد اجتماعي، مهمته أن يحدد، يحلل، ويعمل على تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ مجتمعه النظام الاجتماعي الأفضل، الذي يكون أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية، فهو وحده الممثل للقوى المحركة اجتماعياً، ووحده من يمتلك القدرة على تطويرالمجتمع، وبالتالي تطوير أفكاره ومفاهيمه الضرورية.

المثقف وصْفٌ لا يقتصر فقط على العاملين في مجال الإبداع، وإنما يشتمل على مجالات الفكر والمعرفة كافة،

تعيش الجزائرتحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية، زلزلت بنيات شتى ، وكشفت عن توجهات سياسية تسلطية ،مما جعل من المثقّفين و الطبقة التنويرية ، بل وحتى العامة ، تنقاد نحو عولمة الثقافة وتدخل في صراع داخلي و خارجي هذه التحولات أدت بالمثقفين الى اختلافات جعلت من المثقف يعيد صياغة رؤاه و مفاهيمه و اعادة دراسة مجتمعه مرة أخرى ، و خرج من عزلته مما شكل مشهد ثقافي ايديولوجي بعدة اتجاهات :
فالمثقّف الذي بقي منحازا لوظيفته النقدية . و لم ينخرط في الايديولوجيات السياسية ،و ظل يجتهد لتغيير الواقع ،و ظل يحلم بمجتمع واعي وواقع جديد .
والمثقّف المهمش الذي يسعى للخروج من قوقعته .و تخلى عن كونه ضمير الأمة . وراح يلتصق بأصحاب القرار كي يكون مؤثرا ، وراح يقنع نفسه بحاجة السلطة الثقافية اليه من أجل مأرب شخصية و أقنع نفسه أنه هو النص و البقية هامش كي يتولى مسؤوليات ثقافية و راح يحبو على ركبتيه من أجل الانتهازية
و المثقف الذي دخل مستنقع المادة نظرا لاحتياجاته اليومية الى المال من أجل سد حاجياته اليومية فالثقافة ليست مهنة تدر عليك براتب شهري أو محل للتجارة في ظل تراجع شراء الكتب الورقية و عدم اقبال المجتمع على الأعمال الفنية فراح يمد يديه من أجل لقمة العيش  وأمام شعورٍه بالمرارة لعدم اصغاء المجتمع له ضعف و استسلم  و خسر نفسه.و لم ينظر للمستقبل لأنه في الأخير سوف ينتصر الفكر و العقل و التاريخ
أما المثقف السياسي الذي انخرط في الأحزاب و الجمعيات السياسية التي من المفروض هو من يؤثر فيها و لا تفقده مصداقيته و بالتالي الانتماء لحزب سياسي لا تفقده قناعته و عقيدته و ان كانت تؤثر في وظيفته النقدية و هو ما يجعله ينحاز لفئته حتى و ان كانت لا تتوافق مع خياراته و قناعاته
أما المثقف الذي يعيش في أوطان أخرى فأفكاره لا يمكنها أن تؤثر داخل وطنه الأم و أقنع نفسه أن الخارج يفتح له باب الحرية و التفكير و راح يرسم وطن أفلطوني على كراسته دون أن يراه في أرض الواقع  و منهم المثقف الوفي لأفكاره ووطنه و منهم الذي يدافع عن ثقافة لا تتلائم مع مجتمعه و راح يقنع نفسه و الآخرين بها رغم العولمة الثقافية لكن بقيت في أدراج عقله هو فقط آن الأوان أن يضع المثقفون منحى لشتات توجهاتهم لتسود الثقافة الحرة لتؤدي دورها الحقيقي في رسم الأمن الاجتماعي و تكون بذلك حبل النجاة في ظل هذا الصراع داخل المجتماعات بما تحمله من قيم عقلانية و خلقية ووطنية
أما اذا تكلمنا عن المثقف في ولاية برج بوعريج :
يمكننا الاعتراف أن المثقفين في الولاية جلهم هاوي فقط الا بعض الأسماء تعد على الأصابع و كان البعض لا يثق في امكانياته الثقافية و الأدبية وكانت أقلام محتشمة مازالت تحبو للخروج من قوقعتها الحلزونية و وسائل الاعلام لا تعرف سبيلا اليها  و كانت تحلم فقط بنشر نص أدبي في صحيفة وطنية أو تستضاف في حصة اذاعية أي كانت أصوات مغمورة لا يعرفها أي أحد و كانت تحلم بحضور ملتقى أدبي ولائي أو وطني و بعضها تتوسل الي كي أتوسط لها عند الجرائد من أجل نشر نص تدعي أنه أدبي  حتى جاءت ندوة أحاديث العشيات الأدبية الشهرية في الفاتح من شهر جانفي ألفين
و عشرة التي استضافت كتاب من داخل الوطن و من خارجه تونس سوريا الأردن …..فبدأت تقدم تلك الأصوات للجمهور و لوسائل الاعلام الوطنية و العربية و انتشرت أسماءهم على أوسع نطاق و بدأوا يحتكون بضيوف الندوة من كتاب و بدأت أحلامهم تكبر و أتذ كر أن هاتفي كان لا يتوقف عن الرنين من طرف البعض من أجل برمجتهم للقراءة في كل عدد من الندوة و أتذكر عند نشر فعاليات الندوة عبر وسائل الاعلام الوطنية و العربية و أنسى عدم ذكر أحد الأسماء في الصباح يهاتفني معاتبا اياي على عدم ذكر اسمه في التغطية الاعلامية و أنا لم أكن يوما أفكر في اقصاء أي كاتب شارك في الندوة بل كانت تسقط الأسماء سهوا بفعل العياء الذي يعتريني قبل و اثناء التحضير للندوة و أتذكر تلك اللقاءات الحميمية التي يشتاقون لها من أجل الالتقاء بكتاب ضيوف الندوة و ربط علاقات شخصية معهم و أنا داخليا كنت أعلمهم الديمقراطية و حب الأخر و التخلص من الأنانية و لغة الاقصاء و كنت أظن أن تلك الأصوات كانت تتلذذ بالفعل الثقافي لكنها داخليا كانت تتحسر من ” أحاديث العشيات “
الا أن التقطت عدستهم مثقفا كان يقطن خارج المدينة فالتفت حوله و هي تحلم بيوم اخر يخلصها من جنة “أحاديث العشيات” التي كانت داخليا تجرحهم مرة باسم الغيرة و مرة باسم الجهوية و مرة باسم العرقية و مرات باسم ……
و راحت تتنكر “لأحاديث العشيات ” و بدأت تصطنع لصاحب ” أحاديث العشيات ” المشاكل و العقبات و حتى وصل بهم الأمر الى اتهامات سياسية حتى تتوقف ” أحاديث العشيات “
فيا عجبا لمن ربيت طفـــــــلا
ألقمه بأطـــــــــــــراف البنان
أعلمه الرماية كل يـــــــــــوم
فلما اشتد ساعـــــــده رماني
و كم علمته نظم القــــــوافي
فلما قال قافيـــــــــــة هجاني
أعلمه الفتـــــــــوة كــل وقت
فلما طر شــــــــــاربه جفـاني
جاء ذلك المثقف و بدأ ينشط ثقافيا داخل المدينة فانخرط الكتبة معه زرافات زرافات  و أصبحو جمهورا عريضا لنشاطاته و هو مثقفا محترفا و مثقفا كبيرا حقيقة و يعرف من أين تؤكل الكتف  و يعرف كيف يبرمجهم حسب رغباته و يأتمرون بأمره كما يشاء و جاء بأشياء كثيرة غابت عني……ربما استفاد من تجربتي التي كانت خاطئة في التعامل مع البعض أعطيتهم أكثر مما يستحقون لأن البعض يعشق أن تركب فوق ظهره كي يستقيم في الطريق و هنا لا أعمم أقصد الفئة الضالة فقط …الذين كانوا ظلي  و صاحب ” أحاديث العشيات ” من المعجبين بنشاطاته الثقافية و يشجعها لأنها تصنع الفرح بالمدينة لأن الأهم أن المدينة بقيت تحج اليها الوفود من الداخل و الخارج و هل هم تحولوا الى فاعلين ثقافيا أم بقوا مجرد جمهور؟
” العبيد فقط يطلبون الحرية و الأحرار يصنعونها ” مارتن توين ” صاحب ” أحاديث العشيات ” تتملكه الصراحة و البساطة و الديمقراطية و عشق الانسان و لا يطلق كلاما فضفاضا ولا يجيد الاشادة بنصوص لا ترقى لمستوى النشر في صحيفة صفراء و “كم هو جميل أن تكون انسانا مثلي “
. “قد تطبع ألف كتاب لكن لن تتحول الى مبدع … جيلالي بن عبيدة ” “قد تستعمل الحيلة و الانتهازية و الوساطات و اللصوصية لطبع كتاب و لكن لا يكنك اقناع نفسك يوما أنك مبدعا هل أقنعت نفسك يوما أنك مبدعا أم مجرد محروم يبحث عن أشياء ناقصة داخله و شهرة زائفة “
قل سيد قطب :” العبيد هم الذين إذا أعتقوا وأطلقوا حسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة لا الأحرار المطلقي السراح لأن الحرية تخيفهم والكرامة تثقل كواهلهم .. لأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزون بها .. ولأن القصب الذي يرصع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يتعشقونها. – سيد قطب ( كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري )
و قال أمل دنقل : ” لا تصالح , ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ , والرجال التي ملأتها الشروخ , هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد .. هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم ,وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ .. لا تصالح , فليس سوى أن تريد .. أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد , وسواك المسوخ. “- ” أمل دنقل”
لكن هل توقف ” أحاديث العشيات ” التي تحولت الى “مجلة الكترونية ” أدخلتهم العالمية أم تحولوا من مسوخ الى سادة و من مفعول به الى فاعل ؟

الكاتب : جيلالي بن عبيدة /الجزائر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع