العرب وتـحدّيات التحوّل نـحو الـمعرفة والابتكار

131
العرب وتـحدّيات التحوّل نـحو الـمعرفة والابتكار
د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

يُمثّــل هذا الكتاب مُساهمة ثمينة من أجل إبراز قضايا متنوعة تتصل بتحدّيات التحوّل نحو المعرفة والابتكار في العالم العربي، وقد صدر عن منشورات مؤسسة الفكر العربي ببيروت، عام:2020م، و نهض بتأليفه الأستاذ الدكتور معين حمزة؛ وهو خبير ومستشار في السياسات العلميّة والتنمويّة، والأستاذ الدكتور عمر البزري؛ مستشار سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتنمية المستدامة، وقد قام بتقديمه إلى القراء الأستاذ الدكتور هنري العويط؛ مدير عامّ مؤسسة الفكر العربيّ، حيث يرى أن هذا الكتاب يعدّ مرجعاً موثّقاً يُمكن لمروحة واسعة من المعنيّين بشؤون البحث العلميّ وأنشطة التكنولوجيا والابتكار في العالم العربيّ الإفادة من محتوياته واستثمارها لتلبية احتياجاتهم المختلفة.
إن هذا الكتاب يُناقش جملة من الإشكاليات والقضايا المهمة المتصلة بملامح التنمية البشريّة والاقتصاديّة، والتكنولوجيا والابتكار من أجل التنمية المُستدامة، والبحوث العربية ومسيرتها نحو الابتكار، والتحوّلات المعرفيّة في البلدان العربيّة، وتمكين المجتمع من اكتساب المعارف العلميّة واستثمارها، وغيرها من شتى القضايا المهمة؛ ففي الباب الأول منه يُقدم الكتاب مُقاربة علميّة لتحدّيات التنمية العربية؛ فقد خُصص الفصل الأول من هذا الباب للحديث عن ملامح التنمية البشريّة والاقتصاديّة، حيث تمت الإشارة إلى أن البطالة تُمثل مُشكلة حادّة في جميع البلدان العربيّة، ولاسيما بين الشباب والخريجين، وفي محاولاتها لتقليص البطالة فتحت الحكومات في عدة بلدان عربيّة الأبواب لتوظيف أعداد أكبر من الشباب من ضمن مؤسّسات القطاع العامّ؛ حيث تضخَّم أعداد موظفي القطاع العام، في العراق مثلاً من1.1مليون عام:2004م ،إلى نحو3.5مليون عام:2014م، فيما أفادت دائرة الإحصاءات الأردنيّة بأنّ معدّل البطالة في الأردن ارتفع إلى نحو:15.8في المائة في الربع الثالث من العام:2016م، وبالنسبة إلى التحدّيات والتحوّلات؛ أشار الكتاب إلى أن العديد من الدراسات التفصيليّة حول أوضاع التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلدان العربيّة تُشير إلى غلبة الريعيّة في نظم الإدارة؛ بوصفها سبباً رئيساً للكثير من العلل التي تُعاني منها التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة العربيّة، ويقترح الكتاب في هذا الصدد تبنّي سياسات وإطلاق مُبادرات تتيح التوصّل إلى ما التزمت به البلدان العربيّة من أهداف للتنمية الشاملة والمُستدامة؛ منها ما يتصل بالأمن الغذائي والمائي والبيئي، والرعاية الصحيّة بوجه الخصوص، وهي جميعاً أهداف لابدّ أن يؤدّي بناء القدرات العلميّة والتكنولوجيّة الوطنية والتنسيق الإقليميّ إلى تجسيدها بيُسر أكبر ممّا تسمح به المُمارسات الحاليّة، وبالنسبة إلى التعليم العالي تعرض الكتاب إلى إشكاليات عديدة تتعلق بالتحدّيات المُستقبليّة؛ وقد تمّ تقديم مجموعة من الاستنتاجات والتطلّعات ، حيث لوحظ أن التعليم العالي يُعاني في البلدان العربيّة من نقاط ضعف عديدة، من أهمها غياب رؤى وخطط شاملة، وتدهور النوعيّة ،وتغليب الكمّ على النَّوع ، إضافة إلى مركزيّة إدارية مُعيقة، ونُظم تُشتّتُ الطاقات والموارد، ومن بين الاقتراحات التي تضمّنها الكتاب؛ تعزيز التعليم العالي التّقني والتدريب المهنيّ واستجابته لأهداف اقتصاديّة واجتماعيّة ملموسة، وتوفير التمويل الكافي للنهوض بنوعيّته، وإطلاق ونشر مُبادرات تنشد التعلّم من خلال العمل في شتّى المجالات ذات الأولوية بالنسبة إلى أنشطة البلاد الاقتصاديّة، واستثمار تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات في التعليم العالي التّقني والتدريب المهني، وتبنّي أنماط جديدة تكفل الحُكم الجيّد لمؤسّسات التعليم العالي التقني والتدريب المهني ومُبادراتهما، بناءً على مُشاركة الشرائح المعنيّة، وعلى استهداف التطوير المُستمر، وينتقل الكتاب في الباب الثالث لعرض جملة من الأفكار المُتعلقة بمآل اللُّغة العربيّة؛ ويُسجل بأنه من المؤسف لأبعد الحدود أن تُعاني اللُّغة العربيّة من التهميش وسوء الاستثمار؛ وهي التي تملك من ثراء المبنى والمعنى، والإمكانات التصريفيّة والتركيبيّة ما يؤهلها إلى ولوج أيّ من مجالات المعرفة باقتدار لا يُضاهى، ومن بين الأمور التي يرى الكتاب أنها تُعرقل إسهاماتها في إحراز التنمية الشاملة والمُستدامة والنهوض باقتصادات ومُجتمعات البلدان العربيّة؛ تراجع التعريب، والإنقاص من قيمة كلّ ما يرد باللّغة العربيّة، وضعف تعليم العلوم الأساسيّة باللّغة العربيّة في مرحلة التعليم المتقدِّم المُتخصّص، واستفحال الألفاظ الأجنبيّة في الخطاب العربي؛ ما أدّى إلى بروز استعمال لغوي ملوَّث، وتقلُّص فُرص العمل في أسواق العمل العربيّة لمن حصّلوا مؤهّلاتهم باللُّغة العربيّة ، ومن بين الأفكار العميقة التي وردت في الكتاب أنّ يتمّ تطوير المُحتوى العربي بدءاً من توليده وانتهاءً باستثماره، مع العناية بإنجاز عدد من المبادرات في مضمار الصناعة اللّغويّة الرقميّة، ومن أبرزها؛ إنتاج أو توليد المحتوى الجديد بالبحث والتطوير؛ وهي مرحلة إبداعيّة تعكس مدى نشاط المجتمع وإنتاجه التكنولوجي والعلمي والفكري والثقافي، كما أنها تتصل بأجواء ديمقراطية تضمن حرية الفكر والتعبير وتحفّز على الإبداع والتجديد، إضافة إلى التحويل الرقمي للمحتوى المتوافر حالياً، وكذلك المحتوى المعرفي القديم و التراثي بأشكاله كافّة من كتب ووثائق وفنون وآثار، وتخزين المحتوى الجديد والقديم وتبويبه ومعالجته وعرضه ضمن أشكال تُسهِّل البحث فيها، واستخراج وطباعة المعلومات اللاّزمة منها؛ من خلال اعتماد البرمجيّات والمعايير العالميّة، واستخدام المحتوى وتسويقه، وزيادة معدّل النّفاذ إلى الإنترنت باللّغة العربيّة و الارتقاء بنوعيّة ما هو متاح من هذا النفاذ، بما في ذلك نفاذ الصناعيّين والتجّار والمثقّفين والطلاّب وعامّة المواطنين، وينجم عن تحقيق إنجازات مُلحّة من خلال هذه المُبادرات، وما يتّصل بها من أنشطة في مجالات التعليم والبحث والتطوير بعامّة؛ إلى تطوير اللّغة العربيّة ذاتها من أجل إنقاذها من التراجع الذي تُعانيه.
وقد ناقش الكتاب عدة مواضيع تتعلق بالإعلام المرئيّ والمسموع؛ وأشار إلى أن الإعلام المرئيّ والمسموع يُعاني من مُشكلات وعوائق تظهر في الصحافة العلميّة، وكذا في مواقع الإنترنت؛ حيث كشفت دراسة تحليليّة للفضائيّات التلفزيونيّة والإذاعات العربيّة، تناولت66برنامجاً إذاعيّاً علميّاً و162برنامجاً تلفزيونيّاً علميّاً نتائج عدّة أبرزها ضُعف ميزانيّات إنتاج البرامج، وقصر المدد الزمنيّة للبرامج، واتّساع دوريّة بثّها، وعدم ثبات توقيت بثّ البرامج التي تُقدِّم المحتوى العلميّ، وهو ما يعني تقليص فُرص مُتابعتها جماهيريّاً، كما يغلب الاهتمام بالمضمون الصحّي والطبّي على المُعالجات الإذاعيّة العربيّة بنسبة :45.5 في المائة، وبالنسبة ذاتها لتقنية المعلومات، وقد أرجعت الدراسة غلبة المحتوى الصحّي الطبّي إلى الشكل البرامجي الحواري المٌباشر الذي يتميز به التلفزيون، ويقع الإجماع على ضرورة إيلاء الإعلام العلمي أهميّته التي يستحقّها في تنمية الثقافة العلميّة العربيّة ونشرها، ومن بين المٌبادرات التمكينيّة للإعلام العربي، التي أشار إليها الكتاب؛ إصدار المجلاّت العلميّة وتوفيرها لتكون في متناول الجميع، والعمل على إطلاق قنوات فضائيّة تهتمّ بالعلم والبحث، والعلم ونواتجه التكنولوجيّة، ومُشاركة أساتذة الجامعات والباحثين ومؤسّساتهم الأكاديميّة والعلميّة في تحرير الصفحات العلميّة، والمُشاركة في البرامج العلميّة على القنوات الفضائيّة، وتعزيز التواصل مع الجمهور بأسلوب شائق مُستقطب للاهتمام، وإعداد الإعلامي العلمي المُحترف في كليّات الإعلام، والتأهيل لمهنة المُحرِّر العلمي في كل وسائل الإعلام؛ فالإعلامي المُتميّز هو صحافي مقتدر، يتمتَّع بالخلفيّة العلميّة المُلائمة التي تُمكّنه من تقديم الحقائق العلميّة للقرّاء أو المُشاهدين وتبسيطها مهما اختلفت مستوياتهم الفكريّة، ويستطيع في الوقت نفسه الربط بين العلوم والتكنولوجيا وجميع المجالات الحياتيّة في المجتمع.

عنوان الكتاب:العرب وتحدّيات التحوّل نحو المعرفة والابتكار.
تأليف: معين حمزة وعمر بزري.
مكان النشر وتاريخه: منشورات مؤسسة الفكر العربي، بيروت، لبنان،2020 م.
عدد الصفحات: 423 صفحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع