العاطفة في القصيدة السردية التعبيرية(أشواقٌ صائمةُ..نموذجاً)للشاعر علاء الدليمي

368

العاطفة في القصيدة السردية التعبيرية

 ( أشواقٌ صائمةُ .. نموذجاً .. للشاعر : علاء الدليمي ) .

بقلم : كريم عبدالله .. بغداد – العراق – 22/5/2019 .

السرد لا بقصد السرد ، السرد الممانع للسرد ، السرد لا بقصد الحكاية والقصّ ، السرد بقصد الايحاء و الرمز و نقل الاحساس و العاطفة . اللغة التعبيرية هي التحدّث بألم عميق ، عن العاطفة ، عن الواقعالمرير ، أنّه الكفّ عن التغنّي بالخارج و وصفه و محاكاته ، أنّها الإبحار الىأعماق الشعور و إعلان الجوهر النقي للشعور و الرؤية الصادقة . نورد هذه المقدمة لكي لا يتوهّم البعض ويفهم انّ ما نقصده بالسردالحكاية والقص , وكذلك التعبيرية لكي لا يتوهّم ايضا بانها تعني التعبير والانشاء, فالتعبيرية مأخوذة من المدرسة التعبيرية .

العاطفة من العناصر المهمة في الشعر السردي التعبيري  , فالشاعر يجب ان يمتلك عاطفة تتفجر من خلالهاصورا شعرية تثير المتلقي وتكشف عن مكنونات القصيدة  حتى يستطيع كشف جميع الاشياء ومدى تأثره بهاوتأثيرها على الاخرين . ويجب ان تكون عاطفته صادقة نابعة من اعماق وجدانه حتى تكوناشعاره خالدة وباقية , وان صدقها ( العاطفة ) هو سرّ خلود الشعر وتناقله عبرالازمان , فالشعر الخالد هو الذي يحمل ويحكي عن احاسيس ومشاعر وعواطف صاحبه ويثيرعواطف المتلقي ويجعله يتفاعل ايجابيا معه . والشاعر المبدع هو الذي يستطيع اثارةعواطفنا واعجابنا حينما تكون عواطفه داخل النصّ صحيحة وقويّة ومستمرة وخصبة وانتكون خالية من المبالغة وان تصدر من قلب مفعم بالعاطفة الجيّاشة والمرهفة لتدخلالى قلب المتلقي كالينبوع العذب حين يغمر الارض بعد طول جفاف وتصحّر . كلما كانتالعاطفة قويّة كلما حرّكت الاحاسيس والمشاعر , وهي تعتمد على طبيعة الشاعر وقوة مشاعره التي من خلالها نتذوق الشعرونتفاعل معه , وكلما ضعفت عاطفته جاءنا النصّ باهتا لا يثير عواطفنا . والعواطفتتنوع وتتنوع قوتها فمنها ما يستلهم المشاعر الطبيعية والحقائق وبعضها يكون مصدرقوته الحواس الظاهرية وبعضها قوة الشخصية وغيرها . كثيرا ما نجد في النصوص فكرةرائعة لكنها تفتقد الى العاطفة الحقيقية والقوية , البعض يستطيع ان يكتب ويؤديافكاره واضحة دقيقة بسبب حسن تفكيره وسلامة لغته , لكنه لا يستطيع تصوير عاطفتهالقوية داخل النصّ لضعف اللغة لديه وسوء في فن التعبير , فتكون هذه النصوص ناقصةالجمال والروعة والدهشة . يجب ان تكون العاطفة مستمرة داخل النصّ وثابتة اي انهالا تخدع المتلقي , فيحسّ بانها مشتعلة ثم سرعان ما تخمد وتتلاشى ويضيع أثرهاوتأثيرها . يجب ان تبقى العاطفة مستمرة في نفس الشاعر مادام يعيش اجواء النصّ كييبثّ عواطفه الصادقة ومشاعره من خلال المفردات والالفاظ فنجدها مشحونة بالانفعالات, وكلما كانت المشاعر صادقة وعذبة و خصبة ومتنوعة تمكنت من اثارة العواطف والمشاعرلدى المتلقي كانت أقدر على انجاز مهمتها ولامست شغاف الروح وتأخذنا الى فضاءاتاخرى , وكلما توالت العواطف والمشاعر في زخم قويّ ومنوّع ستشعل فينا جذوة تستعر لاتنطفىء بسهولة , اما اذا جاءت تتراوح ما بين القوة والضعف فان هذه الجذوة ستنطفىءوتذبل شرارتها وتموت القصيدة . ومن الضروري ان يتميّز الشاعر بقاموس مفرداتهالحسيّة والشعورية وان تظل تتدفق حيوية حميمية مشرقة من البداية الى نهاية النصّ .

من خلال العنوان / أشواقٌصائمةُ / سنجد العاطفةحاضرة متمثلة بمفردتي / الأشواق / الصيام / بالاضافة الى الخيال والانزياح اللغوي, هذا العنوان منح النصّ جوا مشبعا بالمشاعر المتأججة ,  يوحي بغرابة اللغة الخصبة القادمة من اعماقالذات الشاعرة مصحوبة بالايحاء الذي يثير في النفس مزيجا من المشاعر والاحاسيس ,ويضفي عاطفة تتأجج , وهذا ما سنلاحظه عند قراءتنا . يبدأ النصّ بتدفق وجريانالأشواق من داخل الروح عن طريق لغة خصبة مشبعة بالايحاء والحنين والمشاعر ../ عندما تفيضُ الأشواقُ تغتسلُ الروحُ بمعانقةِ طيفكِ ../ .. حيث التعبير عن خلجات الروح بمقطع نصّي متماسك وأنيق ومفرداتمشحونة تمّ اختيارها بدقّة وعناية , مفردات نتناولها يوميا في حياتنا ومعاملاتنالكن الشاعر استطاع ان يرتفع بها عاليا ويمنحها سحرا وجمالا غير مالوف على ارضالواقع , ويستمر تدفق العواطف تقرع ابواب القلب كما في هذا المقطع ../  لهيبُالظمأ المستعرِ داخلَ حجرةَ النبضِ لا يُروى إلا بأوكسجينِ ثغركِ يحررُ قلبهُبقبلةٍ للإنعاشِ ../ .. حيث نجدالاشتعال الشديد والمستمر في القلب بعدما امتلأ لوعة واشتياقا وهياما , والبحث عنمتنفس يقلل هذا الاحتقان العاطفي كي يطفىء هذه الحرائق , لقد كان الشاعر موفقا فيرسم هذه الصورة الشعرية العنيفة عن طريق اختياره للمفردة المناسبة حتى تكونمتلائمة مع اجواء الصورة الشعرية في هذا المقطع . وهنا يتطرق الشاعر الى مسألةفقهية اختلف فيها الفقهاء ويقحمنا في اجواء الاختلاف , اجواء توحي بالخشوع والصبروالزهد , فكانت اللغة تعبّر عن ذلك أصدق تعبير وكما في هذا المقطع ../ دونَ غبارٍ كثيفٍ يسري في الروحِ كـ سيجارةٍ في نهارِ الصومِأختلفَ في أمرها الفقهاء ولكنَّ قلبي أفتى بجوازِ رشفِ أنفاسكِ مادامت بقصدِ إنقاذنفس من الهلاكِ ../ .. لقد ترجمالشاعر عواطفه ترجمة دقيقة مستعينا بطاقات اللغة وسحرها , فالالفاظ هنا لا تنكرهاالاذن لانها مشعّة . ويختتم الشاعر نصّه بهذا المقطع ../ لا يهمُ ما قالهُ المتشددونَ عن الأثمِ فخدكِ السمحُ كُفارةٌوالصومُ عن النظرِ لبديعِ خلقِ اللهِ لا شكٌ من أكثر المحرماتِ  .. / .. فنجد هنا حالة منالصراع النفسي تمثّله العبارات / المتسددون / الأثم / كفارة / الصوم / النظر /الله / شكّ / المحرمات .. فكل مفردة لها دلالاتها التي خلقت حالة من التوتر والصراعالمحتدم في وجدان الشاعر نتيجة لجموح العاطفة  , وهذا ما جعل النصّ يحمل كل هذا التوهجوالغرابة والدهشة عن طريق بناء وحدات نصّية رصينة مهذّبة متماسكة . فالشاعر وجدمادة الهامه من خلال أجواء شهر رمضان المبارك , استطاع عن طريق اللغة والايحاءوالعاطفة والخيال ان يصنع لنا الشريط الملوّن من الصور الابداعية .

النصّ :

أشواقٌ صائمةُ .. للشاعر : علاء الدليمي

عندما تفيضُ الأشواقُ تغتسلُ الروحُ بمعانقةِ طيفكِ ، لهيبُ الظمأالمستعرِ داخلَ حجرةَ النبضِ لا يُروى إلا بأوكسجينِ ثغركِ يحررُ قلبهُ بقبلةٍللإنعاشِ ، دونَ غبارٍ كثيفٍ يسري في الروحِ كـ سيجارةٍ في نهارِ الصومِ أختلفَ فيأمرها الفقهاء ولكنَّ قلبي أفتى بجوازِ رشفِ أنفاسكِ مادامت بقصدِ إنقاذ نفس منالهلاكِ ، لا يهمُ ما قالهُ المتشددونَ عن الأثمِ فخدكِ السمحُ كُفارةٌ والصومُ عنالنظرِ لبديعِ خلقِ اللهِ لا شكٌ من أكثر المحرماتِ .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات