تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّةالتعبيريّة
بقلم : كريم عبدالله – بغداد – العراق 12/10/2020
شعريّةُ الذاكرة في القصيدة السرديّةالتعبيريّة .
رابعاً : الذاكرة الشعريّة ( الزخم الشعوري ) عند الشاعرة : مرام عطيّة – قديسٌ في بيتنا – سوريا .
يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثرفهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعرالعربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذاالشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراءكثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدةالنثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنابدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهومهندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب منضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لهاحسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ مايُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدةالسرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصورأنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاءوالتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّهالسرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّةالعظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّةفأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججةوالأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيرهالأحداث والأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّةالتعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عاليةوجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزانوالقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بينالفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضهاوكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلةبالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروحدون عناء أو مشقّة .
وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدةالسرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفيس بوك ) العام 2015,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضناالعربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانواأوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشاروأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدةالجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقياواميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتهاويحافظون على تطويرها .
سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبمايُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكنهذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السرديةالتعبيرية .
أنّالذاكرة هي المخزن الآمن والبعيد لآلآف الذكريات التي مرّت عينا , وهناك ذاكرةنشطة وأخرى خاملة , فالذاكرة النشطة هي التي تمتلكها الذات الشاعرة وبمقدورها أنتستحضر تلك الذكريات القديمة الغافية على ضفافها , وبثّ الروح فيها من جديد فيالزمن الحالي , هي لحظة الأمساك بالزمن الماضي والعودة به الى الزمن الحاضر من أجلفكرة معينة , او موقف معين , أو الأستشهاد بهذه الذكريات لغاية ما .
رابعاً : الذاكرة الشعريّة ( الزخمالشعوري ) عند الشاعرة : مرام عطيّة – قديسٌ في بيتنا .
فيهذا النصّ نجد ( التسجيل اللمسي الروحي ) حيث من خلال مفردات النصّ نشعر بملمسالأشياء والصور التي تنبعث من أعماق الذات الشاعرة , الذات العاشقة للقداسةوالأيمان والجمال . وكذلك نتلمس زخم شعوري عنيف يتدفق من خلال مفردات هذه الذاتالشاعرة العاشقة للجمال والحياة . اننا نجد هذا الشعور العنوان / قديسٌفي بيتنا / حيث عالم الشاعرة والأجواء المفعمة بروح العشق والتفاني من أجل الآخر ,/ القدّيس / الولد / الأولاد / طفلة / أمّي / أخوتي / شقيقاتي / أبي / .لقد أخذت الذات الشاعرة هنا الدور الرئيسي داخل / البيت / فهي المحور الأساسيوالفعال , نستشعر كم من المشاعر العميقة والمتدفقة من قلبها تجاه هؤلاء المحيطينبها والمتعلّقة بيهم , فالجميع دخل دائرة عشقها الكبيرة , مما يدلّ على رهافةالروح ورقّة القلب , فمثلاً نقرا للشاعرة / للشوقِ ورودٌ وأشواكٌ ، عبقُ تدانٍو قزحُ ذكرياتٌ ، فإياكَ أن تتجاهلَ رسائل الحنينِ ياولدي ، أو تذريَ سنابلَالودادِ للرياحِ / , نجد كتلة من الشوقو الحنين والذكريات تتدفق على شكل كتلشمّية وحسيّة ملوّنة بالأشواك والحسرة والألم , ثم تعود الشاعرة لتتوحّد معالطبيعة رغم واقعها المتازّم بالأزمات والنكبات واللوعة لتحرّك فينا ذكريات قديمةكانت قد همدت وتناسيناها بفعل هذا الواقع / أشغالي المتراكمةِ ، وشاشتيالزرقاءِ ،و أسرعتُ إلى قديسٍ حميمٍ ضعفتْ قواه وغارتْ عيناهُ في أخاديدِالشيخوخةِ، ينتظرني في بيتنا الدافئ قديسٍ أفنى ربيعَ شبابهِ في رعايتي طفلةً معأمِّي الحبيبةِ حتى اشتدَّ عودي ، قويتْ جناحاي و أتقنتُ فنَّ الطيرانِ / ,أنّه القلب الكبير المنفتح على عوالم الخير والمحبة والسلام في زمن الحربوالظلام والخيبات الكثيرة . ثم تأخذنا الى عوالم قلبها المفعم بالحبّ والعشق ,وتحاول أن تغلّب الحبّ القلبي على الحبّ العقلي , كونها شعلة نقيّة من المشاعرالصادقة والأحاسيس المرهفة ’ فهي تقول / جئتُ ومعي الكثيرُ من فاكهةِ القلبِ والقليلُ من خبزِ العقلِ إلى وطني الأولِ وسريرِ مهدي حيثُ كانت سحبُ أخوتي تمطرُهُزيتوناً ولوزاً ، وصلواتُ الشكرِ والعرفان التي تقيمها شقيقاتي الحبيباتُ كلَّصباحٍ على شرفاته الواسعةِ تزرعُ ثراهُ الغالي حبقاً ونقاءً
أبي / لقد اجتمع الوطن العائلةالكبيرة / الوطن / والعائلة الصغيرة في قلبها من خلال هذا المقطع النصّي الثريّوالمشحون بالعاطفة . كلّما تجفّ ينابيع الحياة تتدفق أنهار الحبّ البريء والنقيّمن أعماقها , ولم لا وهي / النخحلة الكريمة / والشجرة الرقيقة الأغصان في زمن أصبحالزمن يحمل من القسوة ما كسّر حتى اجنحتها الرقيقة , فهي تقول / أيُّ نهرٍيتدفقُ في صدري ! حين يجفُّ ضرعُ الحياةِ ، وأيُّ نخلةٍ كريمةٍ ! أعودُ إليها حينينكرني البشرُ ، أو حين يكسرُ أغصاني الرقيقةَ بلا رحمةٍ الزمانُ
سقاكَ الله الصحةَ والهناءَ أبي ،يانهراً من الحبِّ مازالَ يجمعنا بحنانه كطوقٍ من لؤلؤٍ على جيدِ حسناءَ ابتسمْ أبي / , أنناأمام طوفان هذه الذكريات العاصفة بالذاكرة
وجدنا أنفسنا تعيش في هذه الأجواءالحميمية , ولقد استطاعت الشاعرة ان تحرّك مشاعرنا الدفينة , اننا فعلا نسمعنداءات الذات الشاعرة هنا ونتلمّس عذوبتها , وبدأنا نتعرّف على عوالمها الداخيةالدفينة من خلال صدى هذه الذكريات . يبقى الأمل يمور في داخل روح الشاعرة , ويبقىتعلّقها بالحياة رغم قسوتها , فها هي تختتم قصيدتها بهذه اللغة الهامسة اللذيذة / ابتسمْأبي ، فحين يفترُّ ثغركَ ينتهي الموتُ، وإذ تهمسُ عيناك يشرقُ ألفُ فجرٍ ، يضحكُالكونُ، ويطلقُ العمرُ سنونواتِ الفرح ./ , أنّها تطلب السلام والأمانوالفرح من / الأب / والذي هو المحور الرئيسي في هذه الذكريات التي أصبحت جزء لايمكن الخلاص منه رغم تقدّم سنوات العمر .
لقد اختارت الشاعرة اكثر اللحظاتأشراقا وحيوية في روحها , وشاركتنا بعفوية خصوصية هذه الذكريات , حينما حاولتأقتطاع كتل زمانية وعززتها بهذا الزخم الشعوري العنيف , فكان الزمن والذكرياتمندمجان مع بعض اجّجهما هذا الكمّ الفعّال والمؤثّر من المشاعر الدفينة والرقيقة ,فكان الحب العميق للوطن والأنسانية والذات , فكان الانفتاح الروحي على كلّ هذهالعوالم , لقد حرثت الشاعرة ذاكرتنا وبذرت بذور ذكرياتها فيها , فمنحتنا متعةالأكتشاف الروحية والنشوة والدهشة .
قديسٌ في بيتنا
______________
للشوقِ ورودٌ وأشواكٌ ، عبقُ تدانٍو قزحُ ذكرياتٌ ، فإياكَ أن تتجاهلَ رسائل الحنينِ ياولدي ، أو تذريَ سنابلَالودادِ للرياحِ . اليوم دعاني الشَّوقُ لنخلةِ بيتناالوارفةِ فاعتذرتُ من جامعتي وأولادي .. من أشغالي المتراكمةِ ، وشاشتي الزرقاءِ،و أسرعتُ إلى قديسٍ حميمٍ ضعفتْ قواه وغارتْ عيناهُ في أخاديدِ الشيخوخةِ،ينتظرني في بيتنا الدافئ قديسٍ أفنى ربيعَ شبابهِ في رعايتي طفلةً مع أمِّيالحبيبةِ حتى اشتدَّ عودي ، قويتْ جناحاي و أتقنتُ فنَّ الطيرانِ جئتُومعي الكثيرُ من فاكهةِ القلبِ و القليلُ من خبزِ العقلِ إلى وطني الأولِ وسريرِمهدي حيثُ كانت سحبُ أخوتي تمطرُ هُزيتوناً ولوزاً ، وصلواتُ الشكرِ والعرفان التي تقيمها شقيقاتي الحبيباتُ كلَّصباحٍ على شرفاته الواسعةِ تزرعُ ثراهُ الغالي حبقاً ونقاءً
أبي ، أيُّ نهرٍ يتدفقُ في صدري !حين يجفُّ ضرعُ الحياةِ ، وأيُّ نخلةٍ كريمةٍ ! أعودُ إليها حين ينكرني البشرُ ،أو حين يكسرُ أغصاني الرقيقةَ بلا رحمةٍ الزمانُ
سقاكَ الله الصحةَ والهناءَ أبي ،يانهراً من الحبِّ مازالَ يجمعنا بحنانه كطوقٍ من لؤلؤٍ على جيدِ حسناءَ ابتسمْ أبي ، فحين يفترُّ ثغركَينتهي الموتُ، وإذ تهمسُ عيناك يشرقُ ألفُ فجرٍ ، يضحكُ الكونُ، ويطلقُ العمرُسنونواتِ الفرح .