الجغرافية الدّينية بين تهويد القدس و معاداة السّامية

456

(نابليون اعتبر اليهود الورثة الشرعيين لفلسطين و دعا إلى تسليم مملكةالقدس لهم)

الجغرافيا الدينية واحدة من العوامل التاريخية التيتشكل رؤية الغرب للإسلام والمسلمين عامة،   فالهجرة كانت عاملا قويا في الدفاع عن “السامية”و ساهم الإرث التاريخي المعقد والإعلام المتطرف وتصاعد الأزمات الاقتصادية فيالعالم، في ارتباط دين أو مذهب بمنطقة معينة، إلى درجة أن بعض الأقليات اعتقدت أن احتلالهاالأراضي العربية ليس احتلالا،  بل هو ملكهالضائع تريد استعادته، فإسرائيل  جعلت منالقدس عاصمة لها، اعتقادا منها أنها صاحبة الأرض أو الملك، في إطار مشروع تهويدالقدس

تمثل إسرائيل اليوم في الجغرافية الدينية جيل اندمجمع المجتمع ، بعدما أخذ وقتا طويلا ليتغير، بحكم ما يملكه من مقومات اقتصادية جعلتهأكثر قوة، و بدا البحث عن استعادة هويته و إثبات ذاته، حيث تعتبر أرض فلسطين في الجغرافية الدينية الفضاء الذي وجب أنيسكنه اليهود و يقيمون فيه طقوسهم الدينية، و يشكلون فيه مملكتهم المقدسة، حيث عملتالحركة الصهيونية بكل الوسائل التأثير على الدولة العثمانية وإجبارها على تسليمأرض فلسطين لليهود، و نشأ صراع كبير حول مسألة معاداة السامية، و قد وجهت نظريةمعاداة السامية نظرتها العدائية والعنصرية، وساهم عنصر “المصاهرة”التي تمت بين اليهود والأوربيين في انتشار اليهود،  و من المؤكد أن إسماليهود يدل على مجموعات بشرية يعيش جزء كبير منها حالياً في فلسطين، ويتواجد الجزءالآخر منهم في شتى البلدان والدول الأوروبية ، و أما الصهيونية فهي تعود إلى جبلصهيون، الذي يقع جنوب غرب مدينة القدس، وتُعتبر تلك البقعة بالذات أحد أهم المناطقالمقدسة عند اليهود، لأنها في اعتقادهم المكان الذي بنى فيه سليمان هيكله ونقلإليها تابوت العهد.

تجمع العديد من لكتابات أن اليهودكانوا يعيشون نوعا من الإنغلاق فيما يطلق عليه اسم ” الغيتو” ضمنأوطانهم في اوروبا، و قاموا بتزوير التوراة و ما جاء على لسان ابرهيم عليه السلامحول مسألة الأرض و توريثها لنسله من بعده،   و كرسوهفي كتبهم السوداء حتى الوقت الحاضر، ، و بات الحديث عن  أرض الميعاد أمرا واقعا بالنسبة ايهود العالم،وتم اختيار فلسطين، لأ نها تقع حسب الإعتقاد الديني بين النيل و الفرات، لقد ظهرتأولى دعوات إعادة اليهود إلى أرض فلسطين ( ارض الميعاد) عام 1921 على يد محامانجليزي شهير اسمه هنري فينش في مؤلفه ( العودة العالمية الكبرى)، و صدرت كتبفي  و مؤلفات تدعو إلى عودة اليهود منهاكتاب بعنوان:  نداء إلى اليهود للدكتورجوزيف بريستلي، و كراسي: خطاب ودي لليهود صدر عام 1787، و كتاب علامات الأزمنة  للكاتب و الكاهن الإنجليزي جيمس بيشنو عام  1794، و كاتب آخر اسمه ريتشارد برذرز و هو ضابطبحرية بريطاني، أاصدر كتابا  يدعو فيه إلى( تجديد مملكة إسرائيل) و كتب اخرى ذكرها فيليب سيمون و رفائيل ميرجي في كتابهبعنوان ماهير كهانا و غلاة التطرف  الأصولياليهودي.

و مثلما ظهرت دعوات في بريطانيا لعودة اليهودإلى أرض فلسطين، ظهرت دعوات أخرى في فرنسا ايام نابليون، فقد تطلع الفرنسيون  لتنزظيغ هذا المشروع لصالحهم من خلال كراسبعنوان:  (إعادة تاسيس الدولة اليهودية)، وقد وجه نابليون نفسه نداء إلى يهود العالم في 22 ماي 1799 أثناء حصاره مدينة عكافي حملته على بلاد الشام، يدعوهم إلى الإنضواء تحت لوائه و القتال من أجل إعادةتأسيس مملكة القدس القديمة و تسليمها لليهود الورثة الشرعيين لفلسطين، لليهودبفرنسا و تم تشكيل مجلس أعلى و عقد مؤتمرا لبيهود بفرنسا و تم تشكيل مجلسا أعلىلهم، ثم جاء مشروع تشرشل لتوطين اليهود في فلسطين عندما كان قنصلا لبريطانيا فيدمشق و ضابط أركان جيش الحلفاء، و وجه نداءً إلى يهود أوروبا عام 1842 يدعوهم فيهاإلى استيطان فلسطين، و كان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب من هذا الإهتمام، فقدكتب الرئيس ألمريكي جون آدمز لصديقه الكاتب و الصحفي اليهودي  مردخايمانويل نوح عام 1881  عبر في رسالته عنأمله في أن يرى اليهود في ارض يهودا مرة أخرى أمّة مستقلة، و ظهرت في امريكاحركات  تبشر بعودة اليهود إلى بلدهم (المزعوم)  و منها حركة المورمون  و الأوفنست و السبتين ، و مارست هذه الحركات كلاساليب الدعاية للترويج  بوجود الأمةاليهودية و ابدية العداء للسامية و التفرد العرقي، و رفعت شعار أرض إسرائيل لشعبإسرائيل

و المتتبع لمسيرة اليهود في التاريخالعربي أو الإسلامي يقف على أن اليهود كانوا  يعيشون في أريحية، إذ كان الكثير منهم يتولون مناصبعليا في بلاط الخلفاء في العصور الاموية والعباسية وفي الاندلس ثم في عصورالانحطاط وحتى في عصور الفاطميين والمماليك والعثمانيين، و استطاعوا من أن يخلقوالهم مكانة ، حيث ما تزال حارات اليهود في معظم البلاد العربية، فنسمع عن يهودسوريا و يهود مصر و العراق، و اليمن، و يهود تونس و يهود الجزائر  و المغرب، و لهم معابدهم و مقابرهم الخاصة،  فالقدس تعتبر منأهم مدن العالم و لذا ترى إسرائيل أن فلسطين ( القدس)هي ممكلة اليهود، و لا أحد ينازعهم فيها و تعمل منذ قرون على ترحيل اليهود إلىفلسطين، حسب الأرقام، اليهود اليوم يسيطرون على أكثر من 85 بالمائة من أرض فلسطين،و لذا فهي  ترى (أي إسرائيل)  أن  من حق اليهود ممارسة طقوسهم الدينية في المسجدالأقصى، و يحاول الإسرائيليون اليوم طمس كل ماهو عربي في أرض فلسطين و إلغاءالتاريخ العربي و الوجود العربي ككل ، و إضفاء على فلسطين الطابع اليهودي، حتىتصبح الجغرافية الفلسطينية  كلها يهودية، بدليلان إسرائيل قامت بتغيير اسماء الشوارع و الحارات من أسماء عربية إلى اسماء عبرية،  و شيدت جدار الضم والتوسع الصهيوني حول القدس،و الذي من بين أهدافه تسريع حركة المستوطنين، وتشجيعهم على السكن فيالمستوطنات ضمنها، إلى جانب تجسيد فكرة “يهودية الدولة”، وعزل كلمن هو عربي مسلم  خارج الحدود التي تريدإسرائيل رسمها بعد الانتهاء من بنائه.

جلالدراسات اثبتت أن العلاة بين الجغرافية و الدين لها عواقبوخيمة على الممارسات ، خاصة لدى الشباب، فالحروب و الصراعات عبر  التاريخ كان لها بعدا دينيا ، تولدت عنها حالاتتطرف و  أشعلت الحرب بين الجماعات،  ثم توسع هذا البعد الديني و أعطيت له صبغةسياسية،  أي صراع على السلطة، فارتفعتمعاداة السامية و الإسلاموفوبيا في أوروبا، و العرب المسلمون اليوم أمام تحدياتكبرى للحفاظ على جغرافيتهم الدينية  بحكمما يمتلكونه من عبء تاريخي ثقيل يتصل بالاستعمار والصراع الدائم مع إسرائيل، كما يتحمل الإعلام جزءاً كبيراً من المسؤولية، كونهم فتحوا الباب علىمصراعية  للهجرات الإسرائيلية باسم التبادلالثقافي، مع ما يشهده التطور التكنولوجي و ثورة المعلومات،  حيث أضحى الفضاء الإلكتروني بفضل الإنترنت أحدالعناصر الأساسية التي تؤثر على الرأي العام، و  القیام بعمليات حشد وتعبئة حول العالم، مما مكناليهود من الإندماج في البيئة العربية.

علجية عيش

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات