الثلاثاء الحزين

200
الثلاثاء الحزين
هدى توفيق

 

في يوم عيد الأم الذي صادف حضوره يوم الثلاثاء، اليوم الوحيد الذي لا تستطيع فيه هي أو أخوها أن يحضرا إليها لرعايتها؛ بسبب كسر مضاعف أصاب وركيها، وتيبس العمود الفقري، ورغم إجراء عدة عمليات، وجلسات العلاج الطبيعي، لكن حالتها لم تتحسن، ورقدت على الفراش نهائيًا، حتى لا تستطيع الذهاب إلى تفريغ حاجتها، وقد زادتها السمنة علة، زاد من سوء حالتها المزاجية، وتتعصب لأتفه الأسباب، حتى تنهار في نوبات هستيرية، وهي ترجو الموت، والراحة من العجز والكساح.
والبامبرز الذي يسلخ تجاويف أفخاذها في ليالي الصيف الحارة، وفي الشتاء يزيدها بالسقعة والبرودة في انتظار تبديله، ورائحة البول والبراز تزكم روحها بالاشمئزاز، وكره العالم أجمع، حتى تستسلم لهذا الوحل، بدموع صامتة مدرارة، وتسرع الابنة في طهارتها وتنظيفها، حتى تصلي وتقرأ في كتاب الله، وهي تستغفر الله، وتستعيذ من الشيطان الرجيم، ويأتي الثلاثاء، فتتنهد قائلة بزفرة امتعاض:
– بكرة الثلاثاء الحزين يا حبيبتي، لا إنتِ ولا فهمي هاتقدروا تباتوا معي.
فترد الابنة بحزن:
– نعم؟!
ثم تستطرد، وهي تفتعل ابتسامة لتقول:
– ما هو أنتِ السبب يا أمي، لو كنتِ خلفتِ ثلاثة أو أربعة كانوا أخذوا هذا اليوم يا أمي.
– لا، أبدًا يا بنتي، البركة والخير في القليل، ممكن كنت خلفت ثلاثة أو أربعة ووجعوا قلبي، وتخلوا عني.
فجأة تنتقل الأم للهزاروالتفكه،وتسألها بخبث:
– هل أحضرتِ لي علبة الحلاوة الطحينية بالمكسرات كما أمرتكِ.
فتتصعب الابنة، وتهز رأسها:
– ها… ها… أمي تمزحين، هي محظورة عليكِ يا أمي.
وتسترسل:
– ثم إني أكرهها، ألا تتذكرين، ياه.. يا أمي، بل أنا أكرهها جدًا؛ لأنكِ كنتِ تضعين لي الدواء في ساندوتش الحلاوة بعد تفتيته؛ حتى أبلع الدواء، وأسناني مخربة بها وبغيرها، وعملت عملية في الفك السفلي.
تتلهى الأم عن ذكريات ابنتها القاتمة السواد مع الحلاوة الطحينية، وتسترخي برأسها داخل الوسادة وتتحسر:
– إيه… إيه… يا بنتي، ألا زلت تتذكرين؟
ثم تملأ فراغات الاشتهاء، والرغبة الملحة لها في تلذذ الحلاوة، وتقص حكايتها المأثورة بالمثل الشعبي: (كلي يا عين، كل شيء تشتهيه، بكرة يجيلك يوم الشهد لن تذوقيه)، مثل لحماتي -الله يرحمها- كانت مغرمة بتناول ساندوتش الفينو بالحلاوة الطحينية، مع كوب الشاي باللبن الساخن، ها… ها… -الله يرحمها- ويرحمنا جميعًا. بغتة بعد إنهاء الحديث، تزداد أخاديد وكرمشات وجهها مع ابتسامة واسعة، وقد أخرجت من درج الكمودينو خلسة علبة حلاوة صغيرة بمعلقة بلاستيكية، بينما ابنتها ذهبت إلى الجزء الآخر من الشقة؛ لعمل شيء ما، حتى تحضر وتفاجئ بأمها قد وضعتها على حجرها فتصرخ:
– ماما، ماما، حلاوة يا ماما، كيف وصلت لكِ؟!
فتعاجلها بنظرة استعطاف:
وحياتي يا حبيبتي، بكرة الثلاثاء الحزين، ولن يبيت معي أحد منكما، اصنعي لي كوب شاي باللبن، أرجوكِ يا حبيبة قلبي.

هدى توفيق
مصر

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع