الأدباء المنسيون في كوردستان

بقلم : سردار علي سنجاري

340
الأدباء المنسيون في كوردستان 
بقلم : سردار علي سنجاري 

اذا كان جسد الانسان يحتاج الى عوامل للبقاء والاستمرارية فان الاوطان كالاجساد تحتاج الى عوامل للبقاء والاستمرارية . واذا ما تعمقنا في جوهر تلك العوامل لوجدنا اهمها الثقافة والعلوم والاداب التي بها شيدت دول وحضارات واستمرت بشموخ ووصلت الى اعلى المستويات الانسانية والحضارية والتاريخية . نحن الكورد وبالاخص في اقليم كوردستان العراق الذي يحاول الوصول الى مستحقاته النضالية والثورية والذي يسعى في تتويج تلك التضحيات باستقلال ذاتي ضمن كونفدرالية عراقية يكون سندا لباقي الأقاليم مستقبلا علينا اعباء مضاعفة عن الاخرين لحساسية القضية الكوردية محليا ودوليا وكذلك لتطلعات الشعب الكوردي المحقة في الاستقلال . وعليه ومن خلال تلك الرؤى فان الامر يتعلق في ان نبحث بجدية خارج اي مفردات تعبوية لاثارة النعرات القومية او المزايدات التي يمكن ان تكون اكثر وضوحا للبعض في محاولة ابقاء الاقليم ضمن دائرة مغلقة تخدم مصالح البعض وتتغافل وتتغاضى عن المصلحة العامة للشعب وعلاقاته المحلية والاقليمية . ان الظروف التاريخية التي مرت على شعبنا الكوردي في الاعوام المائة الاخيرة والتي كانت نتاج مؤامرة دولية تكللت باتفاقية سايكس بيكو ، والتي قسمت وطنه كوردستان بين اربع كيانات دولية وثلاث لغات مختلفة عن اللغة الكوردية واستخدام العنف المفرط من قبل تلك الدول لازالة ثقافة الكورد وانهاء تجربتهم الحضارية ناهيك عن محاولة طمس الثقافة الكوردية عمدا في تلك البلدان وعمليات الترحيل والتهجير القسري والتعريب مما جعل الكثير من المثقفين الكورد مع مرور الزمن ينصهرون مع الثقافات الجديدة المحلية ويبتعدون عن لغتهم الام الكوردية خارج عن ارادتهم ورغبتهم. من اجل ان نكون اقليما مميزا وعادلا وحرا عليه يجب التعامل مع كافة الاقليات التي تعيش على ارض كوردستان بالمساواة والعدالة . فكما ان العراق وباقي الاوطان العربية ليست حصرا على العرب وحدهم، فهناك العديد من الشركاء التاريخيين الذين يعتبرون ارض كوردستان هي موطنهم ومكان انبثاق حضارتهم كالسريان والاشوريين والكلدانيين وعليه تحقيق المساواة امر يجب اخذه بعين الاعتبار من الناحية الثقافية ولا يجوز احتكار لغة ما وفرضها على باقي الاقليات او المكونات وهذا منافي لمواثيق حقوق الانسان التي اقرتها الامم المتحدة . الثقافة هي سلاح العقلاء وهو اكثر فعالية من اي سلاح وجد لدمار الانسانية والبشرية ، فالانسان الذي يحمل وعيا ثقافيا ويملك المعرفة ويتمتع بمواصفات وطنية يستطيع من خلال افكاره واطروحته وارائه التاثير الايجابي على المحيط المجاور والطرف الاخر الذي هو على خلاف او عدم توافق معه وبه يستطيع اعمار الانسان الذي هو اهم من اعمار الاوطان وتجنيب كافة الاطراف الماساة والمعاناة . ان الكورد اصحاب قضية دولية واقليمية و لا تختصر رسالتهم على توعية شعبهم بقضيتهم العادلة فقط بل ان من مهام المثقفين الكورد هو ايصال رسالتهم الانسانية وحقوقهم المشروعة الى العالم ومنهم تلك الشعوب التي تتقاسم اجزاء من وطنهم الام كوردستان . ان الادباء في اقليم كوردستان اليوم منقسمون الى فئتين فئة ناطقة باللغتين الكوردية والعربية ولهم الحقوق والامتيازات وفئة تفتقد الكتابة باللغة الكوردية وسميت ( الادباء الكورد الناطقين باللغة العربية ) وهذا الانقسام ادى الى ايجاد فجوات واضحة بين الفئتين وكان سببا في هجرة العديد من الادباء الكورد الناطقين باللغة العربية الى خارج الاقليم . كان يجب ان تقوم حكومة اقليم كوردستان و اتحاد ادباء كوردستان في استيعاب القدرات الثقافية الهائلة الادباء والباحثين والمثقفين الكورد الناطقين باللغة العربية والاهتمام ورعايتهم وتوفير كل السبل الممكنة لتشجيعهم على ايصال حقيقةً مطالب الكورد المشروعة للشعوب الاخرى وبالاخص الشعب العربي الذي يفتقد الكثير منهم حقيقة الكورد وتاريخهم ونضالهم . ولكن للاسف لم يتم الاهتمام بهذه الشريحة الهامة والفعالة والتي عان الكثير منهم معاناة حقيقية في ظل الانظمة الشوفينية التي فرضت عليهم البنود والشروط القاسية في ازاحتهم فكريا وايديولوجيا عن تاريخ وثقافة ونضال امتهم الكوردية ولكنهم رغم كل تلك المعاناة كانوا الكلمة الحرة التي آبت الا ان تكون حاضرة في ترسيخ قيم وحضارة الكورد حتى في زمن اعتى الانظمة ديكتاتورية المعاصرة حيث شهد التاريخ الكوردي المعاصر رجال ادب وثقافة وسياسة كورد ناطقين باللغة العربية مورس في حقهم اشد انواع التعذيب للنيل من ارادتهم وطموحهم ووصل الى حد الابادة الجسدية ، ولكنهم رغم كل تلك المعاناة كانوا صامدين ومنهم الشهيد الخالد الاستاذ المناضل صالح اليوسفي والشهيد الخالد المناضل الاستاذ دارا توفيق هولاء لولا ثقافتهم العربية وتمكنهم من اللغة العربية وتأثيرهم على المجتمع العراقي من خلال مقالاتهم ومنشوراتهم الادبية وحوارهم مع المثقفين والسياسيين العرب ما عرف الكثير من الاخوة العراقيين العرب عن الكورد وقضيتهم العادلة الكثير . واليوم هناك العديد من الادباء والشعراء والباحثين الكورد الذين كان لهم دور كبير في نقل الصورة الحقيقية لمعاناة الكورد الانسانية للشعوب العربية واستطاعوا من خلال تمكنهم من اللغة العربية ان ينقلوا الصورة الحقيقية لمعاناة الكورد الى العالم العربي وقد كانت رواية الارهاب ودمار الحدباء للاديب والشاعر الكوردي عصمت شاهين دوسكي الذي نقل من خلالها للعالم المشاهد العينية للارهاب الذي مورس بحق اهالي مدينة الموصل العراقية من قبل داعش الارهابية . الاديب الذي وثق تاريخ مدينة عريقة بحضارتها وثقافتها اليوم منسي على ارضه وبين ابناء جلدته . كذلك ساهم العديد من الادباء الكورد المعاصرين في اغناء الثقافة العربية بالكثير من الادب والشعر الذي يحاكي واقع الكورد وتاريخه وحضارته وثقافته و يكونوا من بين الادباء الاكثر تميزا وابداعا في الاوطان العربية ومازال الاديب الاستاذ وليد مصطفى الدوسكي في دهوك والاديب القدير الاستاذ احمد لفته علي في بغداد وغيرهم من الادباء الكورد الناطقين باللغة العربية يناضلون بكتاباتهم وبحوثهم وادبهم لايصال معاناة الامة الكوردية وثقافتها ونضالها الى الشعوب العربية . وقد تم تكريم العديد من هولاء المبدعين الكورد بالكثير من الالقاب ومراتب الشرف العليا ومنحهم حتى بطاقات عضوية في الكثير من الاتحادات الادبية والثقافية في الاقطار العربية في الوقت الذي يفتقدون الاعتراف الرسمي بهم في اقليمهم . انهم منسيون في اقليم كوردستان يعانون التفرقة الى حد العنصرية في كثير من الاحيان ولا المبالا مما ضيق على البعض حتى البحث عن لقمة عيش لتوفير حياة كريمة له ولعائلته . ان اهمال هذه الشريحة الهامة يدل على اننا نسير في الاتجاه الخطأ في بناء الدولة والاقليم الذي يبنى على اساس المساواة والعدالة والانصاف لجميع مواطنيه سواء الناطقين باللغة العربية او السريانية او الاشورية او التركمانية . ان اقليم كوردستان الواعد بازدهاره المعماري لا يكتمل الا بازدهاره الثقافي وتطوره العلمي ، وتقبله التنوع الذي هو احد اهم ميزاته والذي اصبح مكان احترام العالم لدوره في تقبل واحترام الاخر باختلاف عرقه او دينه او طائفته . اليوم يتطلع كل فرد على ارض كوردستان باختلاف خلفياته العرقية والدينية في ان يكون له دورا ايجابي في بناء هذا الاقليم الواعد وان يكون عاملا في ازدهاره وتقدمه وفي مقدمتهم هولاء الادباء والمثقفين الكورد الناطقين باللغة العربية حيث يشعرون بان دورهم اصبح هامشيا وغير هام ، بعدما تم فرض القيود عليهم وادراج بنود تقيد حركتهم الثقافية ومنها عدم منحهم العضوية في اتحاد ادباء كوردستان الا ان يكون لديهم ثلاث مؤلفات باللغة الكوردية وهذا الشرط يعني الحكم باعدام الاديب الكوردي الناطق باللغة العربية ثقافيا واجتماعيا . لقد بدا بعض الادباء الكورد الناطقين باللغة العربية في البحث عن منافذ خارجية لهم لممارسة حقهم الثقافي والابداعي واغناء ثقافات اخرى مما يتناسب والظروف المتاحة لهم في تلك الدول وقد كان للاديب الكوردي وسندباد الكورد الاستاذ بدل رفوا تجربة ناجحة في الغرب حيث تم توفير كل الاليات المطلوبة لممارسة ابداعاته الفكرية والادبية وتكريمه من العديد الموسسات الثقافية الاوروبية والعربية بينما عانى الاهمال في موطنه الاصلي . وهناك العديد من الادباء المبدعين الذين اذا سنحت لهم الفرصة في مغادرة الاقليم لن يترددوا لحظة تاركين خلفهم الالام والمعاناة والاهمال الذي مورس بحقهم لمجرد انهم ناطقين باللغة العربية التي فرضت علىهم جراء الاحداث السياسية التي المت بالشعب الكوردي وكذلك ارضاء لبعض المسؤولين المتملقين الذين اوصلوا الاقليم الى درب مغلق وضعوا بين الاقليم وشعبه وباقي الشعوب حواجز من القرارات السلبية والتفرقة يصعب ازاحتها الا باتخاذ الاجراءات الحاسمة والجدية من قبل السلطات السياسية العليا في الاقليم . ان الدول التي لا تعطي لادبائها وشعرائها ومثقفيها والعاملين في السلك التعليمي مكانة تليق بهم وبمؤهلاتهم وقدراتهم الفكرية تعتبر دولة فاشلة بكل المقاييس ولا يمكن ان تبنى الدول الا بمثقفيها وعلمائها وأدبائها ومعلميها . عليه على حكومة اقليم كوردستان ان تعيد النظر بهولاء الادباء المنسيين وان يتم التعامل معهم على مستوى افكارهم ورؤيتهم وثقافتهم وليس على مستوى لغتهم او قدراتهم الكتابية في لغات غير اللغة الكوردية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع