إضاءة على قصيدة الشاعرة:سهى سلوم(مصادفة أن أكون أنثى..)

795

بقلم : كريم عبدالله … بغداد – العراق 19/3/2019

تحضر الذات الشاعرة في هذا النصّ وبقوّة عن طريق التكرار المقطعي /مصادفة أن أكون أنثى .. ) للتأكيد على هذه الذات ولتزيّين النسيج الشعري لديهاوإضفاء حالة جمالية حاولت الشاعرة تحقيقها عن طريق هذه الصورة التي سترافق ذهنالمتلقي كلّما أوغل في النصّ , فلقد حاولت ان تجعل من نصّها هذا عبارة عن مقاطعمتعددة تبدأ بـ هذه العبارة التي اختارت ان تجعلها عنوانا ليس للنصّ فقط وانمالهذه المقاطع النصيّة من أجل ربط هذه المقاطع مع بعضها وجعل الجو العام للنصّمستمرا على نفس الوتيرة مشحونا بهذا الإيحاء والتدفق الشعوري النفسي حين يجدالمتلقي يعيش في أجواء داخل النصّ هذا من جهة ومن جهة اخرى لخلق إيقاعا موسيقيايتطور بسرعة تطور النصّ .

انّنا أمام نصّ كتبته أنثى تحاول ان تجد لها مكانا مناسبا في خضمهذا العالم الشعري وتأكيد حضورها الشعري , لذا فأنّ كل مفردة في هذا النصّ تبقىلغزاً يحتاج الى قراءة يقف عندها المتلقي , لما تحمل من رؤى ورمزية ودلالات تخصّالأنثى كونها تحاول الابتعاد كثيرا عن السلطة الذكورية وإثبات ابداعية الكينونةالانثوية ورسم خلجات نفسها وتطلّعاتها والخروج من دائرة التهميش . 

هل الأنسان يأتي الى هذا العالم وهو يعلم بأن جنسه سيكون / ذكراًأو إنثى / أم هي المصادفة أو بدون قصد ..؟ . في محاولة من الشاعر ان تقول لنابأنّها لم تأتي الى هذا العالم بإختيار إنوثتها , وبأنّ العناية الالهية هي التيصيّرتها إنثى , فكان لابدّ لها من أن تتحمّل هذه الأنوثة وتقوم بأعبائها والتسليمبهذه المصادفة التي أوجدتها أنثى .

 هذا ما حاولت الشاعرة انتقوله نصّها الذي نحن بصدد قراءته وإضاءة بعض جوانبه . ارى انّ الشاعرة حاولت أنتؤكد على جنوسيتها , فجاءت هذه المقاطع النصّية الشعرية عبارة عن حالات / طَلْقْ /وآلآم شديدة مستمرة / تزداد شيئاً فشيئاً / كما هي في حالة / الولادة / , وتدفقابداعي تشبه الأنقباضات التي تعاني منها المرأة في الأشهر الأخيرة من الحمل , وهذاما يعزّز كون انّ لحظة الكتابة الشعرية تشبه حالة الولادة , بسبب المعاناة والآلآموالمخاض , لهذا جاء نصّ الشاعرة / سهى سلوم / خصباً بروح الأنثى وليس بروح المرأة. لأن المفهوم الدلالي لمفردة / الأنثى / يختلف كثيرا عن مفهوم / المرأة / , لأنّمفردة / الأنثى / توحي بالجسد الأنثويّ ( الجانب النفسي ) وبكل ما يعني من سحروجمال ودلالة ورمزيّة وخيال وتمرّد وتحرّر من عبودية هذا الجسد الذي يرهق الذات /الأنثى / ويجعلها دائما تعيش في صراعات مستمرة وكبت وحرمان في عالم تحكمه التقاليدوالاعراف , و تعترف بكينونة هذا الجسد والأنصات لمعاناته المستمرة . بينما تعنيمفردة / المرأة / المسؤلية والحضور الفعلي والمثمر داخل الأسرة وبكل ما يترتبعليها من هذا الحضور ( الجانب الفسيولوجي ). 
فمثلاًنقرأ للشاعرة هذا المقطع :

مصادفة أن أكون أنثى …

لأن الرقص خلق لي 
والحانات 
وأثواب الغجر .

ترسم لنا هذه الاجواء المفعمةبالحرية والجمال والألوان الزاهية , معبّرة عمّا تعيشه من حالة الفرح والثراءالجمالي وراسمة لنا هذه الصورة المتحركة ما بين / الرقص / والحانات / والأثوابالملوّنة الزاهية .

ثم نقرا لها هذا المقطع :

مصادفة أن أكون أنثى …
لأكون عكس المقدس
أسرقه في اليوم السابع 
وأسحره 
هكذا علمني أهلي الغجر .

حينتصوّر لنا تمرّ الذات ومحاولتها الخروج والأنفلات من دائرة المقدّس والذهاب بعيداالى عالم المدنّس , التمرّد على سلطة التابوات التي تثقل كاهل أنوثتها وتحاول تقيّدهابسلاسل التقاليد والاعراف . والذهاب بنا الى عوالم / الغجر / حيث الحرية المطلقةوالمرح والموسيقى والرقص . وهنا تشير الشاعرة الى قصة اسطورة / ليليث / حواءالاولى التي تمرّدت وهربت من سلطة / آدم / واصبحت تعيش في البراري والوديان ,غايتها سرقة الرجال وغوايتهم , فأعطت للنصّ بُعداً دلاليا تناسب طرديا مع فكرةالنصّ .

أمافي هذا المقطع :
مصادفة أن أكون انثى ….
لأني تفاحة 
تكسر شر الغواية 
وتسقط سؤال الرب 
عن سياج المحرم .

فانّ الشاعرة تأخذنا الى / حواء / المصنوعة من ضلع / آدم / ,وتستحضر قصة الخطئية الأولى في تاريخ البشرية , وعدم إطاعة أوامر الربّ فكان انخرجا خارج اسوار الجنّة والنزول الى حيث الآلآم والمتاعب والشقاء واللعنة .

أما في هذا القطع :

مصادفة أن أكون أنثى …
لأني بعكس الحجر 
من نبيذ وقهوة 
وشهوة غزال لطراوة العشب .

تشير الى ينابيعها الطرية والمتدفقة بالنماء والخير والشهوة , هكذاتشكف لنا عن مكنوناتها بلغة مشفّرة تعكس حالتها النفسية ودواخلها الثريّة , عنطريق لغة شبقية شفّافة طريّة .

وتختتم الشاعرة حالة / الطَلْقْ / عندها بهذا المقطع :

مصادفة أن أكون أنثى …
لأكون الحب 
وأطفئ شبق الحرب 
وأروض ذكر النحل 
لأشعل الشهوة 
على جدار المعبد .
أنا والهزيمة أنثى 
أنا والسفينة أنثى 
والبحيرة 
أنا والمرآة أنثى 
والفضة 
وأنا ضده .

لتعلن لنا بأن الحبّ صلاح الأرض وانّ الحياة تزدهر وتقوى متى ماتوفر الحبّ على هذه الأرض , لتعلن وبصوت جلّي بأنّها مصدر هذا الأمان والخيروالسعادة و وأنّ هذا الحبّ سيوقف نزيف الحروب ويطفىء نيرانها , وانّها قادرة علىترويض / الرجل / بما تمتلك وبما وهبتها السماء من صفات لاتوجد الاّ في / الأنثى /. وأنّ دلالات المفردات التالية / الحرب / الشهوة / الهزيمة / السفينة / البحيرة /المرآة / الفضة / كلها مفردات مؤنثة تدلّ صراحة على أجزاء في جسدها الأنثوي .

استطاعت الشاعرة / سهى سلوم / عن طريق هذا التراكم الصوري المتنوعان نقطف ثمار هذا النصّ , حينما خلقت لنا هذا التمركز الجميل حول الذات الانثوية ,فكانت القصية أنثى حقيقية تتحرّك وتتنفس وتمشي أمامنا .

النصّ :

مصادفة أن أكون أنثى …

لأن الرقص خلق لي 
والحانات 
وأثواب الغجر .
مصادفة أن أكون أنثى …
لأكون عكس المقدس
أسرقه في اليوم السابع 
وأسحره 
هكذا علمني أهلي الغجر .
مصادفة أن أكون انثى ….
لأني تفاحة 
تكسر شر الغواية 
وتسقط سؤال الرب 
عن سياج المحرم .
مصادفة أن أكون أنثى …
لأني بعكس الحجر 
من نبيذ وقهوة 
وشهوة غزال لطراوة العشب .
مصادفة أن أكون أنثى …
لأكون الحب 
وأطفئ شبق الحرب 
وأروض ذكر النحل 
لأشعل الشهوة 
على جدار المعبد .
أنا والهزيمة أنثى 
أنا والسفينة أنثى 
والبحيرة 
أنا والمرآة أنثى 
والفضة 
وأنا ضده .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المقالات