بسم الله الرحمن الرحيم
(قليل من التوفيق خير من كثير من المال)
تمثيلية للأطفال
بقلم/ عمرو على صالح
كان الفتى الصغير راشد.. لديه الكثير من المال.. وأباه كان من أغنى الناس فى القرية.. لكن راشد لم يكن يهتم إلا بجمع المال.. ويهمل كل شىء..وكان أباه يريد أن يجعله يتعلم ويكتسب الخبرات .. لكن راشد لم يكن يرغب ، وفكر الأب فى حيلة ليجعله ينسى جمع المال ، لأنه ليس كل شىء كما يعتقد أبنه.
وقال الأب لراشد: سوف نذهب فى جولة نزور فيها بلدتنا القديمة
راشد: لا أريد يا أبى..
الأب: لماذا؟..
راشد: عندى بضاعة أريد بيعها ، وربح ثمنها..
الأب: جمع المال ليس كل شىء..
راشد: لا يا أبى.. المال هو كل شىء
الأب: أنت مخطىء يا ولدى..
راشد متسائلا: لماذا تصر على كلامك هذا دائما يا والدى؟..
الأب: لأنه أهم من المال.. ليس المال كل شىء..فقليل من الحظ والتوفيق خير من أى مال
راشد ضاحكا: لا أعتقد..
الأب: سترى.. لنذهب أولا للرحلة ، وسوف أريك بعينيك ..
راشد بضيق: لا أريد الذهاب..
الأب: لن نتأخر طويلا.. أنها زيارة قصيرة ثم نعود..
راشد: أمرى إلى الله..
جهز الأب أدوات السفر ، وكذلك راشد .. وركبا عربة تجرها الخيل
وفى الطريق قابلهم عجوز يبحث فى الأرض عن شىء ضائع منه.. توقف الأب بالعربة وسأله
الأب: ما الذى ضاع منك يا عماه؟..
العجوز: ضاع منى أهم شىء..
الأب: وما هو؟..
العجوز: قلت لك كل شىء بالنسبة لى..
الأب متعجبا: نعم فهمت.. ما هو كل شىء عندك الذى تبحث عنه؟
العجوز: وما الفائدة.. سواء أخبرتك أم لا.. فلن تعرفه ولن تراه
راشد لأبيه: يبدو أن الشيخ قد فقد عقله يا والدى..
الأب لراشد: لا يبدو عليه أنه مختل.. فالحكمة تظهر بين عينيه.. وما يحيرنى أنه لا يريد أن يفصح لنا عما يبحث عنه..
راشد: إذن هيا بنا من هنا.. أمامنا سفر طويل ..
الأب للعجوز: هل ترغب فى مساعدة يا عماه؟..
العجوز: لا يا ولدى.. لست بحاجة إلى مساعدة أحد..
الأب وهو يحث الخيل على الذهاب: هيا هيا بنا يا جيادى النشيطة لنذهب..
عادت الخيل تسير من جديد ، بين الطرقات المتعرجة فى أرجاء المزارع والحقول.
راشد: هل رأيت يا والدى..ضيعنا الوقت فى أمر لا فائدة منه..
الأب متفكرا: لا أظن.. هذا الشيخ وراءه سر..
راشد: وما هو ذاك السر؟..
الأب: لا أعرف تحديدا. لكن هناك أمر ما غريب..
راشد بسخرية: لا يهم . لا يهم. ما يشغلنى الآن هو أنهاء زيارتنا والعودة بسرعة للعمل وجنى الأرباح
الأب متفكرا: ما رأيك لو تركتك تذهب لبلدتنا ومقابلة أقربائنا ، وأنا سأرجع ناحية هذا الشيخ لأرى ما يقوم به من عمل؟..
راشد متفاجئا: وهل تتركنى وحدى ، وتذهب لهذا العجوز المخرف؟.
الأب: لابد أن أعرف الحكمة من بحثه هذا..
راشد: هذا هراء يا والدى.. ولا قيمة له..
الأب: قلبى يحدثنى أن هناك شيئا خفيا..
راشد: كما تحب يا والدى.. ولكن أترك لى مالا كثيرا سأحتاجه فى رحلتى..
الأب: التوفيق أهم من المال الكثير..
راشد: لا أريدك أن تعود لهذه النغمة القديمة مرة أخرى يا والدى العزيز..
الأب: أنت لا تريد أن تصدقنى .. حسنا.. سأترك لك الكثير من المال.. وعليك أن تحرص على نفسك والعربة وما فيها من هدايا وأشياء هامة.. وعندما تنهى رحلتك ستجدنى هنا بالقرب من المكان الذى تركنا فيه الشيخ العجوز.. هل فهمت؟..
راشد: نعم. إذهب بسلامة الله..
نزل الأب من العربة وأشار للخيل أن تعاود السير.. ولما غاب راشد عن ناظريه قال
الأب: فى رعاية الله يا ولدى..عسى أن تدرك حقيقة ما قلته لك فى رحلتك.
وسار راشد بالعربة ، وفى أول منعطف قابل صيادا جالسا ينعى حظه.. ويقول
الصياد: هذا سىء.. كل شىء سىء اليوم .
توقف راشد بالعربة وقال للصياد
راشد: لماذا أنت حزين هكذا أيها الصياد؟..
الصياد: لم أوفق فى الصيد اليوم.
راشد بسخرية: وما دخل التوفيق فى العمل والصيد؟..
الصياد بدهشة: هل أنت صياد؟..
راشد: لا..
الصياد: إذن فلن تفهم قيمة التوفيق فى عملى..
راشد: هل يمكن أن توضح لى ؟..
الصياد: الأمر ببساطة ، هو أنك تكون قد جهزت كل أدوات الصيد ، والفخاخ ، وطعامك وشرابك الذى يلزمك فى رحلتك. ثم بعد ذلك ، تذهب وتعد كل شىء لإيقاع الحيوانات والطيور فى شباكك.. لكن دون جدوى..
راشد: ما الذى يحدث؟..
الصياد: لا شىء.. لا تستطيع صيد طائر واحد.. فقد غاب عنك التوفيق..
راشد محدثا نفسه: لا أعتقد..
الصياد: لو كان التوفيق يباع ، لذهبت ودفعت فيه مالى كله..
تعجب راشد بشكل كبير وقال
راشد: هل جننت ؟.. تدفع مالك كله مقابل هذا التوفيق؟..
الصياد: نعم.. هو كل شىء بالنسبة لى..
فقام راشد وركب عربته ، وقال للصياد
راشد: سأذهب الآن.. هل تحب أن أقضى لك أى أمر؟..
الصياد: أشكرك يا صديقى.. إذهب بسلامة الله..
ومضى راشد بالعربة وقطع شوطا كبيرا فى رحلته ، حتى وصل لحافة النهر ، فنزل ليشرب ويملأ الجرة التى معه.. وبعد أن شرب وملأ جرته وجد حطابا يجلس بجوار حافة النهر يفكر..
أقترب راشد من الحطاب وسأله
راشد: السلام عليكم يا عماه..
الحطاب: عليك السلام يا ولدى..
راشد: مالى أراك مهموما مستغرقا فى التفكير هكذا؟..
الحطاب: سرق اللصوص كل قطع الحطب التى قطعتها اليوم..
راشد: أذهب وأقطع غيرها..
الحطاب: فعلت كل ما تقول. هذه ثانى مرة تحدث اليوم ..فكلما قطعت عددا من الحطب وجمعته فى رباط واحد أجد أحد اللصوص يغافلنى ويأخذه ويهرب.. أنا لست موفقا فى هذا اليوم.. أنا حظى سىء
راشد: لا تقل هذا يا عماه.. فليس لهذا التوفيق أى دخل فيما حدث لك
الحطاب بدهشة: كيف هذا.. لو كنت موفقا اليوم لما جاء اللصوص وسرقوا ثمرة تعبى ..
راشد: ما أظنه هو أنك السبب فى ما حدث … فلو كنت متيقظ كما يجب ، ما قام أحدهم وأخذ الحطب..
الحطاب: لا يا ولدى.. لو كنت موفقا اليوم ما جرأ أحد على الأقتراب من بضاعتى والسطو عليها..ما أتمناه فقط أن يكون لدى بعض التوفيق ، ولا أريد شيئا آخر
تعجب راشد ، وتذكر ما قاله الصياد منذ قليل ..فركب عربته وقال للحطاب
راشد: سأذهب الآن يا عماه.. هل ترغب فى مساعدة ما؟..
الحطاب: أشكرك يا صغيرى.. مع السلامة..
سار راشد ، وفى الطريق فكر أن يذهب ويشترى بعض الحلوى من بائع قريب.. فأخرج كيس النقود ، وأخذ منه بعضها ، وطلب من البائع بعضها.. قال له البائع
البائع: لا أبيع الحلوى اليوم بالمال..
راشد مندهشا: فبأى شىء تبيعها..
البائع: أبيع الحلوى لمن يستحقها..
تعجب راشد وقال
راشد: ومن يستحقها؟!..
البائع: الذى يكون موفقا ويخرجها من هذا الصندوق الذى أمامك..
ونظر راشد ناحية صندوق كبير من الخشب له فتحة صغيرة فى أعلاه وقال للبائع
راشد: لا أظن يا عم أن إخراج قطعة حلوى من الصندوق تحتاج للتوفيق. فأنا يمكننى فعل ذلك بسهولة شديدة أكثر مما تتخيل ، وسترى أنى سآخذ الكثير منها دون أن أدفع لك ثمنها.. وهذه ستكون خسارة كبيرة لك.. لابد أن تفكر أولا…
تبسم البائع وقال
البائع: لابد أن تكون أنت موفقا لتخرجها .. لأن الصندوق ملىء بأشياء أخرى كثيرة..
راشد: مثل ماذا؟..
البائع: مد يدك ، والشىء الذى سيخرج معك هو من نصيبك ..
راشد: لكنى لا أريد غير الحلوى..
البائع: هذا شرطى..
وافق راشد وقام بمد يده بداخل الصندوق ، وأمسك بشىء وجده ذو ملمس ناعم ، فظن أنه حلوى فأخرجه.. وفجأة وجد أنه حية فقال
راشد مذعورا: أنها حية ..
وألقى بالحية على الأرض بسرعة.. وقال البائع
البائع: لا تخف.. لن تؤذيك يا فتى.. وهذا هو نصيبك، أنت لم تكن موفقا اليوم..
غضب راشد ، وقال
راشد: لن آكل حلوى اليوم.و سأذهب سريعا من هذا المكان..
وركب العربة وحيا البائع وانصرف..وكان أمامه طريقان أحدهما طويل ويظهر من بعيد استقامته. ، والآخر وجده قصيرا ، غير أنه كان متعرجا .. فوجد امرأة تسقى حقلا ملىء بالخضروات فسألها عن أى الطريقين أفضل للوصول للبلدة القديمة ، فقالت المرأة وهى تنظر اليه مليا
المرأة: هل أنت غريب عن المكان؟..
راشد: نعم يا سيدتى..
المرأة:نهاية الطريقان واحدة ، ويمكنك عن طريقهما الوصول إلى غايتك..
راشد: ولكنى أريد أفضلهما ، كى لا أبذل الكثير من الوقت والجهد
المرأة: قلت لك يا ولدى.. كلا الطريقين يمكنه أن يوصلك للبلدة القديمة.. ولا ينقصك غير التوفيق لتكمل رحلتك..
وظن راشد أن حديث المرأة لا يختلف كثيرا عن حديث والده ، وحديث الصياد ..والحطاب وبائع الحلوى.. كلهم يتحدثون عن التوفيق، وهو لا يقبل أن يذعن لهذا الأمر.. ففكر قليلا ، وأخيرا قرر أن يسير فى الطريق القصير المتعرج. وقال
_ ولو أنه طريقا متعرجا ،لكنه يبدو أنه سيحملنى سريعا لبلدتى
.. وبذلك أكون قد أنهيت مهمتى وعدت لبيتى وعملى..
وسار فى الطريق القصير. لكنه فوجىء بحفرة أمامه.. فمال بالعربة بعيدا عنها ، وأكمل السير حتى وجد فى طريقه الكثير من أوراق الشجر ، فمر فوقها.. ولكنه وجد أن العربة تسقط فى فخ كبير.. فقفز سريعا بعيدا عنها كى لا يصاب بسوء.. وقام من فوره ليستطلع ما جرى للخيل والعربة ، ولكنه رأى قاطع طريق يشهر سلاحه أمامه ويقول
قاطع الطريق: أترك العربة وأذهب من هنا..
راشد بذعر: ولكنى مسافر ، وليس لى وسيلة غيرها للذهاب لبلدتى
قاطع الطريق بإصرار: لو لم تذهب وتترك العربة حالا سأحبسك هنا فى الغابة… وسأطلب فدية لك حتى أرضى أن يطلق سراحك..ما رأيك؟..
فوافق راشد على الفور .. وذهب مسرعا من أمام قاطع الطريق . وحمد الله على ما جرى..ووجد أن اختياره لهذا الطريق كان خطأ
كبيرا لم يدرك عواقبه إلا الآن.. كما رأى أنه لن يتمكن من الذهاب لزيارة أهله وهو على هذه الحال.. فعاد مشيا على قدميه..
وفى طريق عودته قابل المرأة التى رأته فقالت له
المرأة: هل وفقت يا ولدى فى رحلتك؟.. أرى أنك عدت سريعا ..
راشد بحزن: لا يا سيدتى.. لقد سرق منى قاطع الطريق العربة وكل شىء
المرأة: لا تحزن يا صغيرى..لابد أن نتعلم من أخطائنا
راشد: لا بأس.. سأذهب لبيتى الآن
المرأة: هل تريد أية مساعدة
راشد: أشكرك…
وذهب راشد .. ومضى من نفس الطريق التى كان قد سار فيها
فوجد بالقرب منه الحطاب ، وكان سعيدا مبتهجا فقال له راشد متعجبا
راشد: ماذا حدث ؟. أنى أراك عكس ما تركتك..
الحطاب: حدث ما لم يكن فى الحسبان.. لقد عادت لى كل قطع الحطب التى سرقت منى..
راشد: كيف حدث هذا؟!..
الحطاب:بعد أن تركتنى بقليل ، نمت قليلا فى مكانى هذا.. ثم صحوت على صوت صراخ كبير.. فقمت من فورى لأجد بعض الناس يمسكون بأحد اللصوص ويوسعونه ضربا.. فاقتربت منهم وسألتهم عما فعله.. فقالوا أنه سرق ماشيتهم ، وقد أمسكوا به وهو يحاول الهرب بعربته .. وكانت عربة اللص متوقفة بالقرب منهم.. فذهبت للعربة ، وفوجئت بالحطب الذى جمعته بداخلها.. فشكرت الله وحمدته على توفيقه فى عودة البضاعة ثانية..
وتعجب راشد مما حدث مع الحطاب ، ولكنه كان تعجب مختلطا بالفرح لعثور الحطاب على بضاعته التى تعب فى جمعها ..وقال الحطاب لراشد
الحطاب: وأنت هل وفقت فى رحلتك؟..
راشد: لا يا عماه.. لقد سرق قاطع طريق عربتى بكل ما فيها .. فعدت كما ترانى..
حزن الحطاب وقال: سيعوضك الله كل ما فقدت يا ولدى..
وذهب راشد ومر بالقرب من الصياد الذى كان قد قابله فى بداية رحلته ، فقال الصياد له
الصياد: هل عدت من رحلتك؟..
راشد: نعم..
الصياد: وهل وفقت فيها؟..
راشد: لا . لم أكن موفقا
نظر الصياد اليه بدهشة وقال
الصياد: عجبا.. لم أرك أول الأمر تؤمن بالتوفيق.. والآن أرى عكس ذلك..
راشد: معك حق.. لم أكن أعتقد أن هناك شيئا أسمه التوفيق. لكنى رأيت فى رحلتى الكثير من العّبر ، والتى جعلتنى متيقنا بشكل أكبر أن هناك توفيق ، وعدم توفيق فى كل أعمالنا.. وهذا ما يجب أن أعترف به..
الصياد: وهل اقتنعت بحديثى عندما أردت أن أدفع مالى كله لو كان التوفيق للبيع؟..
راشد: وهذه أيضا أأيدك فيها يا عماه..
الصياد: وماذا أنت فاعل الآن؟..
راشد: سأذهب لبيتى ، وأخبر أبى بالذى حدث
الصياد: هل ترغب فى مساعدة؟..
راشد: لا.. أشكرك ، وأتنمى لك التوفيق دائما..
وعاد راشد لبيته ، فقابله أبوه ، وقال له متعجبا
الأب: ماذا جرى يا راشد؟.. وأين العربة؟..
راشد: سرقها قاطع طريق يا والدى..
الأب بحزن: لا بأس.. المهم أنك عدت سالما.. وسأقوم بإبلاغ الحرس للبحث عن قاطع الطريق هذا ، والعثور عليه ورد ما سرق منك..
راشد: ولكنى رغم هذا فقد تعلمت الكثير من رحلتى هذه يا والدى.. لقد تغيرت بداخلى فكرتى عن وجود التوفيق.. فبعد ما شاهدت الكثير من الحوادث .. صرت مؤمنا بشكل أكثر بكثير بأن التوفيق من عند الله أهم بكثير من كل أموال الدنيا ..
تبسم الأب وقال
الأب: حسنا .. كنت متيقنا أنك ستغير فكرتك ، وتصحح ما بداخلك عندما تخوض الكثير من التجارب، وتمر بالصعاب..والآن يجب أن احتفى بعودتك سالما..
راشد: هذا كثير . يكفينى فقط مقابلتك ومواساتك لى
الأب: لا . لا يكفى.. فأنا جهزت لك مفاجأة. ستسر عندما تراها.. أنظر هناك..
ونظر راشد نحو باب البيت، كما أشار أبوه.. فرأى العجوز الذى تقابلا معه أول مرة.. فقال راشد
راشد: هل هذا الشيخ الذى كان يبحث فى الأرض عن شىء فقده؟..
الأب: نعم . هو..
راشد: وهل عثر على هذا الشىء؟..
الأب: أجل.. وأرسلت اليه لنحتفل بعودتك..
راشد: وما الشىء الهام الذى كان قد فقده؟..
الأب: كان التوفيق …
تمت
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.